ربنا، فمعنى "سبح اسم ربك": سبح ربك، والرب أيضًا اسم، فلو كان غير المسمى لم يجز أن يقع التسبيح عليه (١).
٢ - قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى﴾ قال عطاء: أحسن مَا خلق (٢). وقال الكلبي: خلق كل ذي روح، فجمع خلقه وسواه: اليدين، والعينين، والرجلين (٣).
وقال مقاتل: خلق لكل دَابة مَا يصلح لها من الخلق (٤).
وقال أبو إسحق: خلق الإنسان مستويًا (٥). وعلى هذا معنى: "سوى"
"مجموع الفتاوى": ١٦/ ١١٧.
(٢) ورد قوله في: "شفاء العليل" في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: لابن قيم الجوزية: ١١٧ - ١١٨، وإحسان خلقه يتضمن تسويته، وتناسب خلقه وأجزائه؛ بحيث لم يحصل فيها تفاوت يخل بالتناسب والاعتدال، فالخلق: الإيجاد، والتسوية: إتقانه وإحسان خلْقه، قاله ابن قيم الجوزية: "شفاء العليل": ١١٨.
(٣) "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٥، بنحوه، "روح المعاني": ٣٠/ ١٠٤، "شفاء العليل": ١١٨ وورد غير معزو في "لباب التأويل": ٤/ ٣٦٩.
(٤) لم أعثر على قوله في تفسيره، ولا غيره من كتب التفسير، وقد ورد في: "شفاء العليل": ١١٨.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه": ٥/ ٣١٥، وهذا القول من الزجاج على سبيل التمثيل، وإلا فالخلق والتسوية شامل للإنسان وغيره، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾ =
عَدّل قامته (١).
﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ وقرئ بالتخفيف (٢)، وهما بمعنى واحد (٣)، وقد ذكرناه (٤) في مواضع (٥).
قال عطاء: قدر من النسل مَا أراد (٦). وقال مقاتل: قدر خلق الذكر
(١) ما مضى من الأقوال داخله في المرتبة الأولى من مراتب الهداية، وهي الهداية العامة؛ هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها، المتضمنة أربعة أمور عامة وهي: الخلق، التسوية، التقدير، الهداية: "شفاء العليل": ١١٧.
(٢) قرأ بذلك: الكسائي وحده: "قدَرَ" خفيفاً، وقرأ الباقون: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ مشددة. انظر: كتاب "السبعة": ٦٨٠، "القراءات وعلل النحويين فيها": ٢/ ٧٦٧، و"الحجة": ٦/ ٣٩٨، "المبسوط": ٤٠٥، "النشر": ٢/ ٣٩٩، "الوافي": ٣٧٩.
(٣) أي قَدَر، وقَدِّر. فكلا الوجهين حسن. قاله أبو علي: "الحجة": ٦/ ٣٩٨.
(٤) في: ع: ذكرنا.
(٥) المواضع التي ذكر فيها ﴿قُدِرَ﴾: سورة فصلت: ١٠: قال تعالى: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾: سورة المدثر: ١٨ - ٢٠ قال تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾.
(٦) "شفاء العليل": ١١٨، بإضافة: ثم هدى الذكر للأنثى.
والأنثى من الدواب (١).
﴿فَهَدَى﴾. الذكر، والأنثى كيف يأتيها، وهو قول ابن عباس (٢)، (والكلبي) (٣) (٤).
قال عطاء: مثل قوله: ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (٥) يريد الذكر والأنثى (٦).
واختاره صاحب النظم، قال: معنى هذا (٧) هداية الذكر لإتيان الأنثى كيف يأتيها؛ لأن إتيان ذكران الحيوان مختلف لاختلاف الصور والخلق، والهيآت، فلولا أنه عز وجل جعل كل ذكر على معرفته (٨) كيف يأتي أنثى جنسه لما اهتدى لذلك (٩).
وذكر مقاتل قولًا آخر فقال: هداه لمعيشته ومرعَاه (١٠). وقال مجاهد:
(٢) "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ١٥، "شفاء العليل": ١١٨.
(٣) "الكشف والبيان": ج: ١٣: ٧٧/ أ، "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٥، "المحرر الوجيز": ٥/ ٤٦٩ بمعناه، "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ١٥، "شفاء العليل": ١١٨.
(٤) ساقط من: أ.
(٥) سورة طه: ٥٠.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) في: ع: هذي.
(٨) في: ع: معرفة.
(٩) "الوسيط": ٤/ ٤٧٠، "شفاء العليل": ١١٨.
(١٠) "شفاء العليل": ١١٨، "التفسير الكبير": ٣١/ ١٤٠ من غير عزو، ولم أعثر على قوله في تفسيره.
هدى الإنسان لسبيل الخير، والشر، والسعادة (١)، والشقاوة (٢). وقال السدي: قدر مُدة الجنين في الرحم، ثم هدى للخروج (٣).
وقال الفراء: قدر فهدى وأضل، واكتفى من ذكر الضلال بالهدى (٤) لكثرة ما يكون معه (٥).
(٢) ورد معنى قوله في: "تفسير الإمام مجاهد": ٧٢٢، "جامع البيان": ٣٠/ ١٥٢، "الكشف والبيان" -ج: ١٣: ٧٧/ أ، "النكت والعيون": ٦/ ٢٥٢، وبمثل قوله ورد في "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٥، "زاد المسير": ٨/ ٢٢٨، "التفسير الكبير": ٣١/ ١٤٠ من غير عزو، "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ١٥ بنحوه، "تفسير القرآن العظيم": ٤/ ٥٣٤ بمعناه، "الدر المنثور": ٨/ ٤٨٢ وعزاه أيضًا إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وانظر "شفاء العليل": ١١٨.
(٣) ورد معنى قوله في "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٥، "زاد المسير": ٨/ ٢٢٨، "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ٢٦، "روح المعاني": ٣٠/ ١٠٤، "شفاء العليل": ١١٨.
(٤) في: أ: الهدا.
(٥) "معاني القرآن": ٣/ ٢٥٦ بنصه.
والآية أعم من هذا كله، وأضعف الأقوال فيها قول الفراء، إذ المراد: هاهنا: الهداية العامة لمصالح الحيوان في معاشه، وليس المراد به الإيمان والضلال بمشيئة، وهو نظير قوله: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ طه: ٥٠، فإعطاء الخلق إيجاده في الخارج، والهداية: التعليم، والدلالة على سبيل بقائه وما يحفظه ويقيمه، وما ذكر مجاهد فهو تمثيل منه لا تفسير مطابق للآية، فإن الآية شاملة لهداية الحيوان كله: ناطقه، وبهيمة، وطيره، ودوابه، فصيحه، وأعجمه، وكذلك قول من قال: إنه هداية الذكر لإتيان الأنثى تمثيل أيضًا، وهو فردٌ واحدٌ من أفراد الهداية إلى التقام الثدي عند خروجه من بطن أمه، والهداية إلى معرفته أمه دون غيرها حتى يتبعها أين ذهبت، والهداية إلى قصد ما ينفعه من المرعى دون ما يضره منه. قاله ابن قيم الجوزية "شفاء العليل": ١١٩.
وقال الشيخ السعدي: وهذه هي الهداية العامة التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته. تيسير الكريم الرحمن: ٥/ ٤٠٣.
قوله (تعالى) (١): ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ أنبت العشب، وما ترعَاه السوائم. ﴿فَجَعَلَهُ﴾ (٢) بعد الخضرة. ﴿غُثَاءً﴾ هشيما جافًا كالغثاء الذي تراه فوق السيل. قال المبرد: الغثاء: مَا تحطم من يبس البقل يأتي به السيل فيقذفه على جانب الوادي (٣). قال الكلبي: غثاء يبيسًا (٤). وقال مقاتل: يابسًا (٥). وقوله (٦) (تعالي) (٧): ﴿أَحْوَى﴾.
فيه وجهان أحدهما: أنه من نعت الغثاء، والمعنى فجعله يابسًا أسود بعد الخضرة.
قال عطاء: يريد بعد الخضرة والحسن صَار متغيرًا إلى السواد (٨). وقال الكلبي: حال عليه الحول فاسودّ (٩). وقال مقاتل: يعني باليًا بعد الخضرة (١٠). هذا مذهب المفسرين (١١)، وذلك أن الرطب إذا جف يبس
(٢) ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، والذي ورد عنه في الكامل، قال: فالغثاء ما يَبسَ من البقل حتى يصير حُطاماً، وينتهي في اليبس فيسودّ، فيقال له: غثاء، وهشيم، ودِنْدِن، وثن على قدر اختلاف أجناسه: ١/ ١١٣.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "تفسير مقاتل": ٢٣٧/ ب.
(٦) في: أ: قوله.
(٧) ساقط من: ع.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) ورد معنى قوله في "تفسير مقاتل": ٢٣٧/ ب.
(١١) وإلى معنى هذا ذهب قتادة، ومجاهد، وابن زيد، وابن عباس. "تفسير عبد الرزاق": ٢/ ٣٦٧ "جامع البيان": ٣٠/ ١٥٣. =
واسودّ كما قال (١):
ربع الخمائل في الدرين الأسود (٢)
وذكر أبو عبيدة (٣)، والفراء (٤)، (والمبرد (٥)، والزجاج) (٦) (٧)، وأبو علي (٨) وجهًا آخر، وهو أن ﴿أَحْوَى﴾ في موضع نصب حال من المرعى، المعنى: الذي أخرج المرعى أحوى، أي أخضر يضرب إلى الحوَّهَ ﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً﴾، وأحوى على هذا صفة للمرعى، والمعنى أسودّ من الري لشدة الخضرة كقوله: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٦٤]، وقد مر (٩). والحوّة:
كما ذهب إلى ذلك الفراء في "معاني القرآن": ٣/ ٢٥٦، وأبو عبيدة في "مجاز القرآن": ٢/ ٢٩٥
(١) لم أعثر على قائله.
(٢) لم أعثر على مصادر له.
(٣) "مجاز القرآن": ٢/ ٢٩٥، وقد ذكر الوجهين، قال: فجعله [[غثاء أحوى]] هيجه حتى يبس فجعله أسود من احتراقه غثاء هشيماً، وهو في موضع آخر: من شدة خضرته، وكثرة مائه يقال له أحوى.
(٤) "معاني القرآن": ٣/ ٢٥٦، وذكر الوجهين أيضًا، وقال: الأحوى الذي قد أسودّ عن العتق، ويكون أيضًا أخرج المرعى أحوى فجعلة غثاء، فيكون مؤخراً معناه التقديم.
(٥) "الكامل": ١/ ٣٠٥، واستدل في الآية لمن قال في السواد، ثم قال: وإنما سمي السواد سواداً لعِمارتِهِ، وكل خضرة عند العرب سواد.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه": ٥/ ٣١٥.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: أ.
(٨) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٩) ومما جاء في تفسير قوله: ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾: قال أبو عبيدة: في خضرتهما قد اسودتا =
السواد، قال ذو الرمة:
لَمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ | وفي اللثَّاتِ (١) وفي أنيابِها شَنَبُ (٢) |
قال ابن عباس: شديد الخضرة إلى السواد. وقال الكلبي: خضراوان قد كلاهما سواد من شدة الخضرة والري، والأصل في ذلك أن الخضرة إذا اشتدت ضربت إلى السواد، سمت العرب الأخضر أسود، والأسود أخضر.
والوجه الثاني: رده الطبري، قال: وهذا القول، وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدت خضرته من النبات، قد تسميه العرب أسود، غير صواب عندي، بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذ لم يكن له وجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه، أو تأخيره، فأما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير. "جامع البيان" - ٣٠/ ١٥٣.
(١) في: أ: الثات.
(٢) ورد البيت في ديوانه: ١/ ٣٢، "تهذيب اللغة": ٥/ ٢٩٣: مادة: (حوى)، "لسان العرب": ١/ ٥٠٧: مادة: (شنب)، "النكت والعيون": ٦/ ٢٥٣، "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ١٧، وقد نسبه إلى الأعشى وهو خطأ، "فتح القدير": ٥/ ٤٢٣، "روح المعاني": ٣٠/ ١٠٤، "البحر المحيط": ٨/ ٤٥٧، ومعنى البيت قال الأزهري: والحوَّه في الشفاه شبيه باللمى واللمس، براوية "لمس" بدلاً من "لعس"، والشنب: اختلفوا فيه، قال بعضهم: هو تحزيز أطراف الأسنان، وقيل: هو صفاؤها ونقاؤها، وقيل: هو تفليجها، وقيل: هو طيب نكهتها.
انظر "تهذيب اللغة": ٥/ ٢٩٣: مادة: (حوى)، "لسان العرب": ١/ ٥٠٧: مادة: (شنب).
(٣) ساقط من: ع.
﴿سَنُقْرِئُكَ﴾ (١) أي سنجعلك قارئًا بأن نلهمك القراءة.
﴿فَلَا تَنْسَى﴾ ما تقرأه. والمعنى: نجعلك قارئًا للقرآن تقرأه فلا تنساه. قال أبو إسحق: أعلم الله أنه سيجعل للنبي -صلى الله عليه وسلم- آية يتبين له بها الفَضْيلة (٢)، وهي أن ينزل عليه جبريل حتى يقريه، فيقرأ، ولا ينسى شيئًا من ذلك، وهو أمي لا يكتب كتابًا ولا يقرؤه (٣)، وهذا معنى قول قتادة (٤).
وقال مجاهد (٥)، ومقاتل (٦)، (والكلبي) (٧) (٨) كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه القرآن أكثر تحريك لسَانه، مخافة أن ينسى، وكان لا يفرغ جبريل من
(٢) الفضيلة: هكذا وردت في "معاني القرآن وإعرابه": مخطوط: ٢٩/ ب، ووردت في المطبوع الفضلية: ٥: ٣١٥، ولعله خطأ مطبعي.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه": ٥/ ٣١٥ - ٣١٦ بتصرف.
(٤) وعن قتادة قال: كان الله ينسى نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما يشاء، وعنه أيضًا كان -صلى الله عليه وسلم- لا ينسى شيئاً إلا ما شاء الله.
انظر "تفسير عبد الرزاق": ٢/ ٣٦٧، "جامع البيان": ٣٠/ ١٥٤، "الكشف والبيان": ج ١٣: ٧٧/ أ، "النكت والعيون": ٦/ ٢٥٣، "المحرر الوجيز": ٥/ ٤٦٩، "البحر المحيط": ٨/ ٤٥٨.
(٥) "الكشف والبيان": ج ١٣: ٧٧/ أ، "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٦، "التفسير الكبير". ٣١/ ١٤٢، "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ١٨، "لباب التأويل": ٤/ ٣٧٠ من غير عزو، "فتح القدير": ٥/ ٤٢٤.
(٦) "تفسير مقاتل": ٢٣٧/ ب، "التفسير الكبير": ٣١/ ١٤٢، وورد بمثله من غير نسبة في "لباب التأويل": ٤/ ٣٧٠.
(٧) المرجعان السابقان، بإضافة: الكشف ج: ١٣: ٧٧/ أ، "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٦، "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ١٨، "فتح القدير": ٥/ ٤٢٤.
(٨) ساقط من: أ.
آخر الوحي حتى يتكلم (١) هو بأوله مخافة النسيان، فقال الله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾ أي سنعلمك فتحفظه، وهذا كقوله: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى (٢) إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١٦]، وقوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ (٣) [القيامة: ١٦].
قوله (تعالى) (٤): ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ (٥).
قال عطاء عن ابن عباس: إلا مَا شاء الله أن ينسيَك (٦). ونحوه قال مقاتل: إلا مَا شاء الله أن تنسى منه (٧). وعلى هذا معنى الاستثناء يعود إلى مَا ينسيه الله بنسخه من رفع حكمه (٨) وتلاوته، كما قال ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦]، والإنساء (٩) نوع من النسخ، (وهذا معنى قول الحسن (١٠)، وقتادة) (١١) (١٢).
(٢) قوله أن يقضي: بياض في: ع.
(٣) بياض في: ع.
(٤) ساقط من: ع.
(٥) ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾.
(٦) "البحر المحيط": ٨/ ٤٥٨ - ٤٥٩، "الدر المنثور": ٨/ ٤٨٣، وعزاه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٧) "التفسير الكبير": ٣١/ ١٤٣، والذي ورد عنه في تفسيره: ٢٣٧/ ب قال: يعني ما شاء الله فينسخها وباتي بخير منها.
(٨) في: أ: حكمته.
(٩) في: أ: الإنسان.
(١٠) "النكت والعيون": ٦/ ٢٥٣، "المحرر الوجيز": ٥/ ٤٦٩، "زاد المسير": ٨/ ٢٢٩، "البحر المحيط": ٨/ ٤٥٨، وانظر "تفسير الحسن البصري": ٢/ ٤١٢.
(١١) المراجع السابقة عدا تفسير الحسن.
(١٢) ما بين القوسين ساقط من: أ.
وقال الكلبي - ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ استثناء منه، وله الاستثناء في كل شيء، ولم ينس بعد نزول هذه الآية شيئا (١) واختاره الفراء، فقال: لم يشأ أن ينسى شيئًا (٢) وهو كقوله ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ (٣) ولا يشاء، وأنت قائل في الكلام لأعطينك كل مَا سَألت إلا مَا شئت، وإلا أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه، وعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ونية الحالف (٤)
قال أبو إسحق: إلا مَا شاء الله، ثم يَذْكُره بعد (٥).
يعني أنه قد ينسى مَا شاء الله، ثم يَذْكُر بعد ما قد نسيه، ولا ينسى نسيانًا كليًا.
وقوله (٦) (تعالى) (٧): ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ﴾ أي من القول، والفعل (٨). ﴿وَمَا يَخْفَى﴾ منهما. والمعنى يعلم العلانية، والسر. وهذا يتصل بما قبله على معنى يعلم ما تجهر به يا محمد مما تقرؤه على جبريل، ويعلم ما تخفيه في نفسك من القراءة مخافة النسيان (٩).
(٢) من قوله: واختار إلى شيئا: كرر في نسخه: أ.
(٣) سورة هود: ١٠٧ - ١٠٨.
(٤) "معاني القرآن": ٣/ ٢٥٦ بنحوه. وفيه الحالف التمام.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه": ٥/ ٣١٦ مختصرًا.
(٦) في: أ: قوله.
(٧) ساقط من: ع.
(٨) هذا من قول الثعلبي في "الكشف والبيان": ج ١٣: ٧٧/ ب.
(٩) ورد هذا القول في "الكشف والبيان": ج ١٣: ٧٧/ ب.
وكثير من المفسرين (١) قالوا: هذا ابتداء كلام آخر معترض بين قوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾
وقوله (٢) (تعالى) (٣): ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ قال عطاء: نيسرك يا محمد في جميع أمورك لليسرى (٤).
وقال مقاتل: نهون عليك عمل الجنة (٥)، وهو معنى قول ابن عباس: نيسرك لأن تعمل خيرًا، واليسرى عمل الخير (٦).
وروي عن ابن مسعود أنه قال: اليسرى الجنة (٧)، والمعنى على هذا: نيسرك للعمل المؤدي إليها.
وذُكر قولان آخران: أحدهما: نهون عليك الوحي، وتحفظه، وتعمله (٨)، وتعمل به (٩). والآخر: نوفقك للشريعة اليسرى هى الحنيفة
وذهب إلى القول بعموم معنى الآية: الطبري في "جامع البيان": ٣٠/ ١٥٤، وسعيد بن جبير كما في "الدر المنثور": ٨/ ٤٨٤، والشوكاني في "فتح القدير": ٥/ ٤٢٤.
(٢) في: أ: قوله.
(٣) ساقط من: ع.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٦، "فتح القدير": ٥/ ٤٢٤.
(٦) "النكت والعيون": ٦/ ٢٥٤، "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٦، "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ١٩، "الدر المنثور": ٨/ ٤٨٤، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٧) "النكت والعيون": ٦/ ٢٥٤، "التفسير الكبير": ٣١/ ١٤٤، "الجامع لأحكام القرآن": ٢٠/ ١٩.
(٨) تعمله: كررت في نسخه: أ.
(٩) "فتح القدير": ٥/ ٤٢٤، وبمثله من غير عزو ورد في "معالم التنزيل": ٤/ ٤٧٦، =