
ولما وصفهم في مواضع التردد والتقلب، وصفهم في المنازل فقال: ﴿وإذا انقلبوا﴾ أي رجع الذين أجرموا برغبتهم في الرجوع وإقبالهم عليه من غير تكره ﴿إلى أهلهم﴾ أي منازلهم التي هي عامرة
صفحة رقم 331
بجماعتهم ﴿انقلبوا﴾ حال كونهم ﴿فاكهين *﴾ أي متلذذين غاية التلذذ بما كان من مكنتهم ورفعتهم التي أوصلتهم إلى الاستسخار بغيرهم، قال: ابن برجان: وذكر عليه الصلاة والسلام: «إن الدين بدأ غريباً وسيعود غريباً - كما بدأ، يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر» وفي أخرى: يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة. وفي أخرى: العالم فيهم أنتن من جيفة حمار - فالله المستعان.
ولما ذكر مرورهم بهم، ذكر مطلق رؤيتهم لهم فقال: ﴿وإذا رأوهم﴾ أي رأى الذين أجرموا الذين آمنوا ﴿قالوا﴾ أي عند رؤيتهم للذين آمنوا مؤكدين لأنهم يستشعرون أن كل ذي عقل يكذبهم مشيرين إلى تحقيرهم بأداة القرب: ﴿إن هؤلاء﴾ أي الذين آمنوا ﴿لضالون *﴾ أي عريقون في الضلال لأنهم تركوا الدنيا لشيء أجل لا صحة له ﴿وما﴾ أي والحال أنهم ما ﴿أرسلوا﴾ أي من مرسل ما ﴿عليهم﴾ أي على الذين آمنوا خاصة حتى يكون لهم بهم هذا الاعتناء في بيوتهم وخارجها عند مرورهم وغيره ﴿حافظين*﴾ أي عريقين في حفظ أعمال الذين آمنوا فما اشتغالهم بهم إلى هذا الحد أن كانوا عندهم في عداد الساقط المهمل كما يزعمون فما هذه المراعاة المستقصية لأحوالهم وإن كانوا في عداد المنظور إليه المعتنى به فليبينوا فساد حالهم بوجه تقبله العقول

ويقوم عليه دليل أو ليتبعوهم وإلا فهم غير عارفين بمواضع الإصلاح وتعاطي الأمور على وجهها فما أحقهم بقول القائل:
أوردها سعد وسعد مستمل | ما هكذا تورد يا سعد الإبل |

وسواد وجه وتعب قلب وتقريع نفس من العذاب بالنار وبالشماتة والعار، حال كون الذين آمنوا ملوكاً ﴿على الأرائك﴾ أي الأسرة العالية المزينة التي هي من حسنها أهل لأن يقيم المتكىء بها ﴿ينظرون *﴾ أي يجددون تحديق العيون إليهم كلما أرادوا فيرون ما هم فيه من الهوان والذل والعذاب بعد العزة والنعيم نظر المستفهم ﴿هل ثوب﴾ بناه للمفعول لأن الملذذ مطلق مجازاتهم ﴿الكفار﴾ أي وقع تثويب العريقين في الكفر أي إعطاؤهم الثواب والجزاء على أنهى ما يكون، فالجملة في محل نصب «ينظرون» ﴿ما كانوا﴾ أي نفس فعلهم بما هو لهم كالجبلات ﴿يفعلون *﴾ أي بدواعيهم الفاسدة ورغباتهم المعلولة، فالجملة في موضع المفعول، وقد علم أن لهم الويل الذي افتتحت السورة بالتهديد به لمن يفعل فعل من لا يظن أنه يجازى على فعله، وآخرها فيمن انتقص الأعراض في خفاء، وأولها فيمن انتقص الأموال كذلك، وجفاء العدل والوفاء، والله الهادي للصواب، وإليه المرجع والمآب وإليه المتاب.
صفحة رقم 334
سورة الانشقاق
مقصودها الدلالة على آخر المطففين من أن الأولياء ينعمون والأعداء يعذبون، لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث ولا بالعرض على الملك الذي أوجدهم ورباهم كما يعرض الملوك عبيدهم ويحكمون بينهم فينقسمون إلى أهل ثواب وأهل عقاب واسمها الانشقاق أدل دليل على ذلك بتأمل الظرف وجوابه الدلال على الناقد البصير وحسابه) بسم الله (ذي الجلال والإكرام) الرحمن (الذي كملت نعمته فشملت الخاص والعام) الرحيم (الذي أتمها بعد العموم على أوليائه فأسعدهم بإتمام الإنعام.