
(٣) رحيق: الشراب الصافي الرائق.
(٤) مختوم ختامه مسك: إبريق الشراب مختوم بطينة من المسك فيكون طعمه ورائحته مسكا.
(٥) مزاجه من تسنيم: مزاجه بمعنى السائل الذي يمزج به الشراب. وهو من عين ماء في الجنّة تسمّى تسنيما. والتسنيم من السنام وهو الشيء المرتفع. فتكون الكلمة بمعنى عين الماء المسمّاة تسنيما لأنها تجري من مكان مرتفع.
وجريا على الأسلوب القرآني جاءت هذه الآيات لوصف مصير الأبرار الأخروي بالمقابلة: فمصيرهم قد كتب وتقرر في عليين حسب كتاب أعمالهم الذي يشهد عليه الملائكة المقربون. ومنازلهم منازل النعيم حيث تعلو فيها وجوههم بهجة السرور ويتناولون في مجالسهم الشراب الصافي النفيس الذي يمزج بماء عين التسنيم العالية في الجنة، والذي تكون أباريقه مختومة بطينة من المسك ليكون مذاقه ورائحته مسكا. وإن هذا لهو مجال التنافس الممدوح الذي يحسن أن يتنافس فيه المتنافسون للوصول إليه.
واتصال الآيات بالسياق والموضوع قائم. والوصف قوي شائق حقا من شأنه بثّ الطمأنينة والشوق في نفس المؤمنين من جهة وقد انطوى على التنويه بالمؤمنين الذين استحقوا هذه الدرجة من النعيم والتكريم من جهة وعلى الحثّ على الإيمان والعمل الصالح لنيلها من جهة.
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٢٩ الى ٣٦]
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣)
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)
. (١) فكهين: هنا بمعنى معجبين مسرورين بأنفسهم.

(٢) ثوّب: أثيب وجوزي.
وفي هذه الآيات حكاية لموقف الكفار من المؤمنين في الدنيا وموقف المؤمنين من الكفّار في الآخرة، فقد كان المجرمون يسخرون من المؤمنين ويتغامزون عليهم كلما مروا بهم ويرمونهم بالضلال مع أنهم ليسوا عليهم وكلاء ولا حفّاظا. ثم يعودون إلى أهلهم وقد شفوا نفوسهم واغتروا بباطلهم. ولسوف ينقلب الأمر إلى عكسه يوم القيامة حيث يفوز المؤمنون بالعاقبة السعيدة ويتمتعون بمنازل النعيم ويقفون من الكفار موقف الساخر الشامت لما صاروا إليه من مصير رهيب.
وقد جاءت الآية الأخيرة بمثابة التعقيب متسائلة عما إذا لم يكن الكفار بما صاروا إليه قد جوزوا الجزاء الحقّ على ما كانوا يفعلونه. وقد تضمنت جوابا إيجابيا على السؤال.
والآيات جاءت في معرض التعقيب على الآيات السابقة. وانطوت على التنديد بالكفار والبشرى للمؤمنين كما هو المتبادر. وفيها صورة لما كان عليه موقف الكفار من المؤمنين في مكة وقد جاءت ختاما للسورة وهو ختام مشابه لخواتم سور عديدة أخرى.
وقد تكون الصورة التي احتوتها الآيات بنوع خاص قرينة على ما نبهنا إليه من احتمال عدم صحة ترتيب السورة كآخر السور نزولا، ورجحان نزولها مبكرة بالإضافة إلى مضامين السورة وأسلوبها بصورة عامة.

تنبيه
تفسير السور الخمسة التي يروي المصحف الذي اعتمدناه أنها مدنية وتروى روايات أخرى أنها مكية والتي رجّحنا مكّيتها بدورنا على ما نبهنا عليه في الكلمة التي أضفناها إلى مقدمة التفسير في الجزء الأول. وستكون بالترتيب التالي على ما ذكرناه في الكلمة المذكورة:
الرعد- الحجّ- الرّحمن- الإنسان- الزلزلة.

سورة الرعد
في السورة مقدمة رائعة في تقرير عظمة الله ونواميس كونه. وفصول من المشاهد الجدليّة التي كانت تقوم بين النبي والمشركين فيها صور من أقوالهم وتحدّيهم ومكابرتهم وإنكارهم رسالة النبي والآخرة، وطلبهم الآيات منه وردود عليهم فيها إفحام وإنذار وتسفيه وتمثيل ومقايسة بين الصالحين وذوي النيّات الحسنة والعقول السليمة، والأشرار ذوي العقول الغليظة والسرائر الخبيثة. وتمثيل للحقّ والباطل وتقرير بقاء الحقّ ونفعه. وتذكير بمواقف الأمم السابقة وإشارة إلى موقف أهل الكتاب المؤيد للرسالة النبوية والوحي القرآني وتثبيت وتطمين للنبي، وبيان مصائر المؤمنين والكفار المشركين في الآخرة.
وفصول السورة منسجمة تكاد تكون سلسلة واحدة مما يسوغ القول إنها نزلت متتابعة إن لم تكن نزلت دفعة واحدة.
وهذه السورة من السور المختلف في مكيتها ومدنيتها. وقد رجّحنا مكيتها لأن ما احتوته من تقريرات وتنبيهات وأمثال وصور مماثلة لما في السور المكيّة من مثل ذلك ولأنها تمثّل العهد المكيّ دون العهد المدنيّ. ولقد جاءت في المصحف الذي نعتقد أنه مرتّب بأمر النبي ﷺ وفي حياته في سلسلة من السور المكيّة التي تبدأ بحروف متقطعة مماثلة لما بدأت به وهي سور يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر مما يمكن أن يكون قرينة قوية إضافية على مكيتها والله أعلم.
والروايات التي تذكر مكية السورة تذكر أن بعض آياتها مدنية مع شيء من الاختلاف حيث يذكر بعضها أن من أول السورة إلى الآية [٣٠] مدنيّ والباقي مكيّ، ويذكر بعضها أن الآيتين [٣١ و ٤٣] مدنيتان وبعضها أن الآيات [١١- ١٣]