آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا
ﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤ ﯦﯧ ﯩﯪ ﯬﯭ ﯯﯰ ﯲﯳﯴ

إِلى رَبِّهِ مَآباً
[النبأ: ٣٩] وقوله تعالى: فِي صُحُفٍ يتعلق بقوله: إِنَّها تَذْكِرَةٌ، وهذا يؤيد أن التذكرة يراد بها جميع القرآن، وقال بعض المتأولين: الصحف هنا اللوح المحفوظ، وقيل: صحف الأنبياء المنزلة، وقيل: مصاحف المسلمين، واختلف الناس في «السفرة»، فقال ابن عباس: هم الملائكة لأنهم كتبة يقال: سفرت أي كتبت، ومنه السفر، وقال ابن عباس أيضا: الملائكة سفرة لأنهم يسفرون بين الله تعالى وبين أنبيائه، وقال قتادة: هم القراء وواحد السفرة سافر، وقال وهب بن منبه: هم الصحابة لأنهم بعضهم يسفر إلى بعض في الخبر والتعلم، والقول الأول أرجح، ومن اللفظة قول الشاعر: [الوافر].

وما أدع السفارة بين قومي وما أسعى بغش إن مشيت
و «الصحف» على هذا صحف عند الملائكة أو اللوح، وعلى القول الآخر هي المصاحف، وقوله تعالى: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ دعاء على اسم الجنس وهو عموم يراد به الخصوص، والمعنى: قتل الإنسان الكافر، ومعنى قُتِلَ أي هو أهل أن يدعى عليه بهذا، وقال مجاهد: قُتِلَ بمعنى لعن، وهذا تحكم، وقوله تعالى: ما أَكْفَرَهُ يحتمل معنى التعجب، ويحتمل معنى الاستفهام توقيفا أي أيّ شيء أَكْفَرَهُ أي جعله كافرا، وقيل إن هذه الآية نزلت في عتبة بن أبي لهب، وذلك أنه غاضب أباه فأتى النبي ﷺ ثم إن أباه استصلحه وأعطاه مالا وجهزه إلى الشام، فبعث عتبة إلى النبي ﷺ وقال: إني كافر برب النجم إذا هوى، فيروى أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم ابعث عليه كلبك حتى يأكله»، ويروى أنه قال: «ما يخاف أن يرسل الله عليك كلبه»، ثم إن عتبة خرج في سفرة فجاء الأسد فأكله بين الرفقة.
قوله عز وجل:
[سورة عبس (٨٠) : الآيات ١٨ الى ٣٢]
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢)
كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧)
وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢)
قوله تعالى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشيء الذي خلق الإنسان منه، وهي عبارة تصلح للتحقير والتعظيم والقرينة تبين الغرض، وهذا نظير قوله: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ [المرسلات: ١٣] واللفظ المشار إليه ماء الرجل وماء المرأة، وقرأ جمهور الناس: «فقدّره» بشد الدال، وقرأ بعض القراء: «فقدره» بتخفيفها، والمعنى جعله بقدر واحد معلوم من الأعضاء والخلق والأجل وغير ذلك من أنحائه حسب إرادته تعالى في إنسان إنسان، واختلف المتأولون في معنى قوله: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ فقال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي: هي سبيل الخروج من بطن المرأة ورحمها، وقال الحسن ما معناه: إن السَّبِيلَ هي سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان، وتيسره له هو هبة العقل، وقال

صفحة رقم 438

مجاهد: أراد السَّبِيلَ عامة اسم الجنس في هدى وضلال أي يسر قوما لهذا كقوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان: ٣]، وقوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: ١٠] وقوله تعالى:
فَأَقْبَرَهُ معناه أمر أن يجعل له قبر، وفي ذلك تكريم لئلا يطرح كسائر الحيوان، والقابر هو الذي يتناول جعل الميت في قبره، والمقبر الذي يأمر بقبر الميت، ويقرره، وأَنْشَرَهُ معناه: أحياه، يقال: نشر الميت وأنشره الله، وقوله: إِذا شاءَ يريد إذا بلغ الوقت الذي شاءه وهو يوم القيامة، وقرأ بعض القراء:
شاءَ أَنْشَرَهُ بتحقيق الهمزتين، وقرأ جمهور الناس: شاءَ أَنْشَرَهُ بمدة وتسهيل الهمزة الأولى، وقرأ شعيب بن أبي حمزة: «شاء نشره»، وقرأ الأعمش: «شاء انشره» بهمزة واحدة، وقوله تعالى: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ رد لما عسى أن للكفار من الاعتراضات في هذه الأقوال المسرودة ونفي مؤكد لطاعة الإنسان لربه وإثبات أنه ترك حق الله تعالى، ولم يقض ما أمره، قال مجاهد: لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه، ثم أمر تعالى الإنسان بالعبرة والنظر إلى طعامه والدليل فيه، وذهب أبيّ بن كعب وابن عباس والحسن ومجاهد وغيره إلى أن المراد إِلى طَعامِهِ إذا صار رجيعا ليتأمل حيث تصير عاقبة الدنيا، وعلى أي شيء يتفانى أهلها وتستدير رحاها، وهذا نظير ما روي عن ابن عمر: أن الإنسان إذا أحدث فإن ملكا يأخذ بناصيته عند فراغه فيرد بصره إلى نحوه موقفا له ومعجبا فينفع ذلك من له عقل، وذهب الجمهور إلى أن معنى الآية: فلينظر إلى مطعوماته وكيف يسرها الله تعالى له بهذه الوسائط المذكورة من صب الماء وشق الأرض، ويروى أن رجلا أضافه عابد فقدم إليه رغيفا قفارا فكأن الرجل استخشنه فقال له: كله فإن الله تعالى لم ينعم به وكمله حتى سخر فيه ثلاثمائة وستين عاملا الماء والريح والشمس ثلاثة من ذلك، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: «أنّا صببنا» بفتح الألف على البدل وهي قراءة الأعرج وابن وثاب والأعمش، ورد على هذا الإعراب قوم بأن الثاني ليس الأول وليس كما ردوا لأن المعنى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إلى إنعامنا في طعامه فترتب البدل وصح، «وأنا» في موضع خفض، وقرأ الجمهور: «إنا» بكسر الألف على استئناف تفسير الطعام، وقرأ بعض القراء: «أنى» بمعنى كيف ذكرها أبو حاتم، و «صب الماء» : هو المطر، و «شق الأرض» : هو بالنبات، و «الحب» : جمع حبة بفتح الحاء وهو كل ما يتخذه الناس ويربونه كالقمح والشعير ونحوه، والحبة بكسر الحاء كل ما ينبت من البزور ولا يحفل به ولا هو بمتخذ، و «القضب» قال بعض اللغويين: هي الفصافص، وهذا عندي ضعيف، لأن الفصافص هي للبهائم فهي دخل في الأبّ، وقال أبو عبيدة: «القضب» الرطبة، قال ثعلب: لأنه يقضب كل يوم. والذي أقوله إن «القضب» هنا هو كل ما يقضب ليأكله ابن آدم، وغضا من النبات كالبقول والهليون ونحوه، فإنه من المطعوم جزء عظيم ولا ذكر له في الآية إلا في هذه اللفظة، والغلب الغلاظ الناعمة، و «الحديقة» الشجر الذي قد أحدق بجدار أو نحوه، و «الأبّ» : المرعى قاله ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة، وقال الضحاك: «الأبّ» : التبن، وفي اللفظة غرابة وقد توقف في تفسيرها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ومَتاعاً نصب على المصدر، والمعنى تتمتعون به أنتم وأنعامكم، فابن آدم في السبعة المذكورة والأنعام في الأبّ.

صفحة رقم 439
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية