آيات من القرآن الكريم

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ

الأمور «١» وأن لا تلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم وأحوالكم «٢» والله عز وجلّ يريد معالى الأمور، وما يرجع إلى عمارة الدين، ونصرة الحق، وعلوّ الكلمة، والفوز في الدارين. وشتان ما بين المرادين. ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة، وكسر قوّتهم بضعفكم، وغلب كثرتهم بقلتكم، وأعزّكم وأذلهم، وحصل لكم مالا تعارض أدناه العير وما فيها. وقرئ: بكلمته، على التوحيد.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٨]
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨)
فإن قلت: بم يتعلق قوله لِيُحِقَّ الْحَقَّ؟ قلت: بمحذوف تقديره: ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ذلك، ما فعله إلا لهما. وهو إثبات الإسلام وإظهاره، وإبطال الكفر ومحقه.
فإن قلت: أليس هذا تكريراً؟ قلت: لا، لأنّ المعنيين متباينان، وذلك أنّ الأوّل تمييز بين الإرادتين وهذا بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم عليها، وأنه ما نصرهم ولا خذل أولئك إلا لهذا الغرض الذي هو سيد الأغراض. ويجب أن يقدّر المحذوف متأخراً حتى يفيد معنى الاختصاص فينطبق عليه المعنى: وقيل: قد تعلق بيقطع.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٩]
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)
فإن قلت: بم يتعلق إِذْ تَسْتَغِيثُونَ؟ قلت: هو بدل من إِذْ يَعِدُكُمُ وقيل بقوله لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بدّ من القتال، طفقوا يدعون الله ويقولون: أى ربنا انصرنا على عدوّك، يا غياث المستغيثين أغثنا. وعن عمر رضى الله عنه أنّ رسول الله ﷺ نظر إلى المشركين وهم ألف، وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة، فاستقبل القبلة ومدّ يديه يدعو: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض- فما زال كذلك حتى سقط رداؤه فأخذه أبو بكر رضى الله عنه فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه، وقال: يا نبى الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك «٣» أَنِّي مُمِدُّكُمْ

(١). قال محمود: «يعنى أنكم تريدون العاجلة وسفاسف الأمور... الخ» قال أحمد: والتحقيق في التمييز بين الكلامين أن الأول ذكر الارادة فيه مطلقة غير مقيدة بالواقعة الخاصة، كأنه قيل: وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ومن شأن الله تعالى إرادة تحقيق الحق وتمحيق الكفر على الإطلاق، ولإرادته أن يحق الحق ويبطل الباطل خصكم بذات الشوكة، فبين الكلامين عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد. وفي ذلك مالا يخفى من المبالغة في تأكيد المعنى بذكره على وجهين: إطلاق، وتقييد. والله أعلم.
(٢). قوله «وأحوالكم» لعله وأموالكم. (ع) [.....]
(٣). أخرجه مسلم من روآية ابن عباس عن عمر رضى الله عنه.

صفحة رقم 200

أصله بأنى ممدكم، فحذف الجار وسلط عليه استجاب فنصب محله. وعن أبى عمرو أنه قرأ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بالكسر، على ارادة القول، أو على إجراء استجاب مجرى «قال» لأنّ الاستجابة من القول. فإن قلت: هل قاتلت الملائكة يوم بدر؟ قلت: اختلف فيه، فقيل:
نزل جبريل في يوم بدر في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر، وميكائيل في خمسمائة على الميسرة وفيها علىّ بن أبى طالب في صور الرجال، عليهم ثياب بيض وعمائم بيض وقد أرخوا أذنابها بين أكتافهم. فقالت. وقيل: قاتلت يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ويوم حنين.
وعن أبى جهل أنه قال لابن مسعود: من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمع ولا نرى شخصا؟ قال: من الملائكة، فقال أبو جهل: هم غلبونا لا أنتم. وروى أنّ رجلا من المسلمين بينما هو يشتد في أثر رجل من المشركين: إذ سمع صوت ضربة بالسوط فوقه، فنظر إلى المشرك قد خر مستلقيا وشقّ وجهه، فحدث الأنصارى رسول الله ﷺ فقال: صدقت ذاك من مدد السماء «١». وعن أبى داود المازني: تبعت رجلا من المشركين لأضربه يوم بدر فوقع رأسه بين يدي قبل أن يصل إليه «٢» سيفي، وقيل لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا كلهم، فإنّ جبريل عليه السلام أهلك بريشة من جناحه مدائن قوم لوط، وأهلك بلاد ثمود قوم صالح بصيحة واحدة. وقرئ مُرْدِفِينَ بكسر الدال وفتحها، من قولك: ردفه إذا تبعه. ومنه قوله تعالى رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ بمعنى ردفكم. وأردفته إياه: إذا أتبعته. ويقال: أردفته، كقولك أتبعته، إذا جئت بعده، فلا يخلو المكسور الدال من أن يكون بمعنى متبعين، أو متبعين، فإن كان بمعنى متبعين «٣» فلا يخلو من أن يكون بمعنى: متبعين بعضهم بعضاً، أو متبعين بعضهم لبعض، أو بمعنى: متبعين إياهم المؤمنين، أى يتقدمونهم فيتبعونهم أنفسهم، أو متبعين لهم يشيعونهم ويقدمونهم بين أيديهم وهم على ساقتهم، ليكونوا على أعينهم وحفظهم. أو بمعنى متبعين أنفسهم ملائكة آخرين، أو متبعين غيرهم من الملائكة: ويعضد هذا الوجه قوله تعالى في سورة آل عمران بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ومن قرأ مُرْدِفِينَ بالفتح فهو بمعنى متبعين أو متبعين. وقرئ: مردّفين، بكسر الراء وضمها وتشديد الدال: وأصله مرتدفين، أى مترادفين أو متبعين، من ارتدفه، فأدغمت تاء الافتعال

(١). هذا طرف من حديث ابن عباس رضى الله عنهما في الذي قبله.
(٢). أخرجه ابن إسحاق في المغازي: حدثني أبى عن رجال من بنى مازن عن أبى داود المازني- فذكره، ومن طريقه أخرجه إسحاق والطبري وغيرهما.
(٣). قوله «فان كان بمعنى متبعين» يقرأ هذا بالتسكين، ولم يذكر مقابله وهو ما كان بمعنى متبعين بالتشديد. (ع)

صفحة رقم 201
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية