آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﰿ

(يا أيها النبي حسبك الله) في كل شيء وعند كل مهم، ليس هذا تكريراً لما قبله فإن الأول مقيد بإرادة الخدع وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله فتلك كفاية خاصة، وفي هذه كفاية عامة غير مقيدة، أي حسبك الله في كل حال فيما بينك وبين الكفرة من الحراب.
والواو في قوله: (ومن اتبعك من المؤمنين) يحتمل أن تكون للعطف على الاسم الجليل والعلم الشريف على أنه في محل الرفع، والمعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون أي كافيك الله وكافيك المؤمنون.
قال علي المهايمي في تفسيره تبصير الرحمن: حسبك الله وإن لم يكن معك أحد وإن نظرت إلى السببية حسبك من اتبعك من المؤمنين وإن لم يألفهم من لم يتم اتباعهم لك فإن لمتابعتك أثراً عظيماً في سببية النصر انتهى. وقال أبو السعود والقاضي: الجملة في محل النصب على أنه مفعول معه أي كفاك وكفى اتباعك الله ناصراً كقوله:

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك عضب مهند
انتهى.
واختاره النحاس، وقال الفراء: أنه يقدر نصبه على موضع الكاف واختاره ابن عطية ورده السفاقسي بأن إضافته حقيقية لا لفظية فلا محل له اللهم إلا أن يكون من عطف التوهم وكونه مفعولاً معه، ذكره الزجاج.
وقال أبو حيان: أنه مخالف لكلام سيبويه فإنه جعل زيداً في قولهم حسبك وزيداً درهم منصوباً بفعل مقدر أي وكفى زيداً درهم وهو من عطف الجمل عنده لا يضرنا، وذكره الفراء في تفسيره، وقيل في محل الجر عطفاً على الضمير أي اسم الله تعالى أي كافيك وكافي المؤمنين الله لأن عطف الظاهر على

صفحة رقم 208

المضمر في مثل هذه الصورة ممتنع عند البصيريين كما تقرر في علم النحو، وأجازه الكوفيون وحجة المانعين أنه كجزء الكلمة فلا يعطف عليه.
قال الفراء: ليس بكثير في كلامهم أن تقول حسبك وأخيك بل المستعمل أن تقول حسبك وحسب أخيك بإعادة الجار، فلو كان قوله: (ومن اتبعك) مجروراً لقيل حسبك الله وحسب من اتبعك، وبه قال الشعبي.
وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رضي الله عنه: أي وحده حسبك وحسب المؤمنين الذين اتبعوك، ومن قال أن المعنى أن الله والمؤمنين حسبك فقد ضل بل قوله من جنس الكفر، فإن الله وحيده هو حسب كل عبد مؤمن، والحسب الكافي كما قال تعالى: (أليس الله بكاف عبده) وقال تعالى (وقالوا حسبنا الله) ولم يقل ورسوله وقالوا إنا إلى الله راغبون ولم يقل هنا وإلى رسوله اهـ.
وضعف في الهدي النبوي رفعه عطفاً اسم الله وقال إنما هو عطف على الكاف فإن المعنى عليه، قال الخفاجي: وإلا وجه له فإن الفراء والكسائي رجحاه وما قبله وما بعده يؤيده اهـ. قلت وليس كما ينبغي فتأمل.
وقيل يجوز أن يكون التقدير ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم الله فحذف الخبر. وعبارة البغوي في المعالم، اختلفوا في محل (من) فقال أكثر المفسرين محله خفض عطفاً على الكاف في قوله حسبك معناه حسبك الله وحسب من اتبعك اهـ.
قال الزهري: نزلت في الأنصار، وقيم في جميع المهاجرين والأنصار، وقال سعيد بن جبير: لما أسلم مع النبي - ﷺ - ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة ثم أسلم عمر نزلت هذه الآية، وعن ابن عباس نحوه.
قال الشيخ معين الدين في جامع البيان: اعترض عليه بأن الأنفال كلها مدنية وإسلام عمر قبل الهجرة فلا يصح هذا اهـ. لكن قال الخازن وسليمان الجمل إن هذه الآية مكية كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله - ﷺ -، وقيل نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.

صفحة رقم 209

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

صفحة رقم 210
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية