آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﰿ

[٦٤]

[سُورَة الْأَنْفَال (٨) : آيَة ٦٤]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ بِالْإِقْبَالِ عَلَى خِطَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَوَامِرَ وَتَعَالِيمَ عَظِيمَةٍ، مَهَّدَ لِقَبُولِهَا وَتَسْهِيلِهَا بِمَا مَضَى مِنَ التَّذْكِيرِ بِعَجِيبِ صُنْعِ اللَّهِ وَالِامْتِنَانِ بِعِنَايَتِهِ بِرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِظْهَارِ أَنَّ النَّجَاحَ وَالْخَيْرَ فِي طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ اللَّهِ، مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا، فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدَ الَّتِي قَبْلَهَا كَامِلُ الِاتِّسَاقِ وَالِانْتِظَامِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ حَسْبُهُ وَكَافِيهِ، وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَيَّدَهُ بِنَصْرِهِ فِيمَا مَضَى وَبِالْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ صَارَ لِلْمُؤْمِنِينَ حَظٌّ فِي كِفَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا جَرَمَ أَنْتَجَ ذَلِكَ أَنَّ حَسْبَهُ اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَكَانَتْ جُمْلَةُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَالْفَذْلَكَةِ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.
وَتَخْصِيصُ النَّبِيءِ بِهَذِهِ الْكِفَايَةِ لِتَشْرِيفِ مَقَامِهِ بِأَنَّ اللَّهَ يَكْفِي الْأُمَّةَ لِأَجْلِهِ.
وَالْقَوْلُ فِي وُقُوعِ «حَسْبُ» مُسْنَدًا إِلَيْهِ هُنَا كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ [الْأَنْفَال: ٦٢].
وَفِي عَطْفِ الْمُؤْمِنِينَ «عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ هَنَا: تَنْوِيهٌ بِشَأْنِ كِفَايَةِ اللَّهِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، إِلَّا أَنَّ الْكِفَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ وَهَذَا مِنْ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ إِطْلَاقِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.
وَقِيلَ يُجْعَلُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مَفْعُولًا مَعَهُ لِقَوْلِهِ: حَسْبُكَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ اسْمٌ ظَاهِرٌ، أَوْ يُجْعَلُ مَعْطُوفًا عَلَى رَأْيِ الْكُوفِيِّينَ الْمُجَوِّزِينَ لِمِثْلِ هَذَا الْعَطْفِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ التَّنْوِيهُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي جَعْلِهِمْ مَعَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا التَّشْرِيفِ، وَالتَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَرْشَقُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ قَوْلَهُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيءُ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ نَزَلَتْ يَوْمَ أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَتَكُونُ مَكِّيَّةً، وَبَقِيَتْ مَقْرُوءَةً غَيْرَ مُنْدَرِجَةٍ فِي سُورَة، ثمَّ وَقعت فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِإِذْنٍ مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ أَنْسَبَ لَهَا.

صفحة رقم 65
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية