
وقال أيضاً: ﴿على سَوَآءٍ﴾: جهراً لا سراً.
قال أبو عبيدة معنى: ﴿تَخَافَنَّ﴾: تُوقِنَنَّ.
قوله: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ سبقوا﴾، إلى قوله: ﴿وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾.
خطَّأ أبو حاتم من قرأ بـ: " الياء "، ووجهها عند غيره ظاهر حسن.

والمعنى في " الياء ": ولا يَحْسَبَنَّ من خلفهم الذين كفروا سبقوا، فيكون ضمير الفاعل في ﴿يَحْسَبَنَّ﴾، يعود على ﴿مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٧]، و ﴿الذين كَفَرُواْ﴾: مفعول أول، و ﴿سبقوا﴾ في موضع الثاني.
وقال الفراء التقدير: أن سَبَقَوا.
وقال: وفي حرف عبد الله: / ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ سبقوا إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾.
ورُوي عنه: " ولا يَحْسَبَ "، بفتح الباء، على إرادة النون [الخفيفة].

ومن فتح: ﴿إِنَّهُمْ﴾، وقرأ بـ " الياء " أو بـ: " التاء " فمعناه: لأنهم، ولا يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً بـ: " حسب "، كما لا يجوز: حَسَبْتَ زيداً أنه قائم؛ لأن زيداً غير قيامه، ولو قلت: حسبت أمرك أنك قائم، جاز فتح " أن " لأن أمرك هو قيامك.
ومعنى ذلك: لا يحسب من ظفر بالخلاص مَنْ هذه الوقعة سبق.
ثم قال: ﴿إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾، لا يفترون.
ومن قرأ بـ: " الياء " فمعناه: لا يحسب مَنْ خلفهم الذين كفروا سبقوا،

أي: بالخلاص، ثم قال: ﴿إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾، أي: لا يفوتون.
ثم حضّ المؤمنين على أن يُعِدُّوا لهؤلاء الذين خِيَف منهم نقض العهد ما استطاعوا ﴿مِّن قُوَّةٍ﴾.
أي: من الآلات التي تكون قوة في الحرب مثل: السلاح، والنبل، والخيل.
و" القوَّة: الرَّمْيُ "، روي ذلك عن النبي ﷺ.
قال عكرمة: ﴿مِّن قُوَّةٍ﴾: الحصون.
وقال مجاهد: ﴿مِّن قُوَّةٍ﴾: ذكور الخيل، ﴿وَمِن رِّبَاطِ الخيل﴾: إناثها.
قوله: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله﴾.
أي: تخيفونهم به.

ورُوَي: أن النبي ﷺ، قال: " ألاَ إنَّ القُوةَ الرَّمْيُ "، وأعادها ثلاثاً.
قال عكرمة: [القُوّة]: ذكور الخيل، ورباطها: إناثها.
قال عقبة بن عامر الجُهَني: قال رسول الله ﷺ: " إن الله يُدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانِعُه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومُنْبِلَه، فارموا واركبوا، وأن تَرْمُوا أحب إلي من أن تركبوا، وليس اللهو إلا ثلاثة: تأديب الرجل

فرسَه، وملاعبتَه امرأته، ورميه بقوسه ونَبْله. ومن ترك الرّمي من بعد ما علمه فإنه نعمة كفرها أو كفر بها ".
قال أبو نجيح السُّلَمي: حاصَرْنا قصر الطائف فسمعت رسول الله ﷺ، يقول: " مَنْ رمى بسهم في سبيل الله، فهو له عدل رقبة، ومن شاب شيبة في الإسلام فهو له عدل مُحَرَّرٍ من النار ".
وقال النبي ﷺ " الخَيْل مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الخَيْر إلى يوم القيامة: الأجر والمَغْنَمُ "
، رواه عروة البَارِقِيُّ عنه، وكذلك رواه أبو هريرة وابن عمر.
وروى أنس بن مالك عنه أنه قال: " البَرَكَةُ في نواصي الخَيْل ".

وروى عنه أبو هريرة أنه قال: " من احتبس فرساً في سبيل الله، إيماناً بالله، وتصديقاً بوعد الله، كان شِبَعُهُ وَرِيُّهُ وَبَوْلُهُ ورَوْثُه حسناتٍ في ميزانه يوم القيامة ".
قوله: ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾.
يعني بهم: بني قريظة.
قال السدي: هم أهل فارس.
وهذان القولان يردهما علم المؤمنين ببني قريظة وبفارس، وقد قال تعالى: ﴿لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾.

وقال ابن زيد: هم المنافقون لا تعلمونهم؛ لأنهم [معكم]، يقولون: لا إله إلا الله، لا يعلمهم إلا الله.
وهذا قول حسن موافق لقوله: ﴿لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾، فالله هو المطلع على سرائرهم.
وقيل: هم الجن.
وهو اختيار الطبري.

وهو أحسن الأقوال، لما رُوي أن الجن تفرُّ من صهيل الخيل.
ورُوِيَ: أن الجن لا تقرب داراً فيها فرس، وأيضاً: فإن لا نعلمهم، كما قال تعالى.
روى ابن مِقْسَمِ: أن رجلاً أتى ابن عباس، فشكا إليه ابنته تُعترى، فقال له: ارتبط فرساً، إن كنت ممن يركب الخيل وإلا فاتخذه، فإن الله جل اسمه، يقول: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ﴾، فإن الجن من الذين لا تعلمونهم، ففعل الرجل ما أمره، فانصرف عن ابنته العارض.
وقوله: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ الله يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾.

أي: لا يضي (لكم) عند الله/ أجره في الآخرة، ولا خَلَفه في الدنيا.
قوله: ﴿وَآخَرِينَ﴾.
منصوب على معنى ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُمْ﴾: وتَوَقَّوا آخرين، فلا تقف على ماقبله على هذا.
ويجوز أن يكون نصبه بإضمار فعل غير هذا، فتبتدئ به إن شئت.
وإن جعلته معطوفاً على: ﴿عَدْوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ﴾، أي: وترهبون آخرين، لم تقف أيضاً قبله.
﴿لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾ وقف.