آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ

وقال الحسن: رأى إبليس جبريل يقود فرسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معتجر ببردة وفي يده اللجام، وقوله إِنِّي أَخافُ اللَّهَ قيل إن هذه معذرة منه كاذبة ولم تلحقه قط مخافة، قاله قتادة وابن الكلبي، وقال الزجّاج وغيره: بل خاف مما رأى من الأمر وهوله وأنه يومه الذي أنظر إليه، ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب، وحكى الطبري بسنده أنه لما انهزم المشركون يوم بدر حين رمى رسول الله ﷺ بقبضة من التراب وجوه الكفار أقبل جبريل ﷺ إلى إبليس، فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبرا، فقال له الرجل أي سراقة تزعم أنك لنا جار؟ فقال إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ الآية، ثم ذهب، وقوله تعالى: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ الآية، العامل في إِذْ زَيَّنَ أو نَكَصَ لأن ذلك الموقف كان ظرفا لهذه الأمور كلها، وقال المفسرون إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم وقلة عددهم، قالوا مشيرين إلى المسلمين غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ أي اغتروا فأدخلوا نفوسهم فيما لا طاقة لهم به.
قال القاضي أبو محمد: والنفاق أخص من مرض القلب لأن مرض القلب مطلق على الكافر وعلى من اعترضته شبهة وعلى من بينهما، وكني بالقلوب عن الاعتقادات إذ القلوب محلها، وروي في نحو هذا التأويل عن الشعبي أن قوما ممن كان الإسلام داخل قلوبهم خرجوا مع المشركين إلى بدر، منهم من أكره ومنهم من داجى وداهن، فلما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم ارتابوا واعتقدوا أنهم مغلوبون، فقالوا غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ، قال مجاهد: منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وعلي بن أمية بن خلف، والعاصي بن أمية.
قال القاضي أبو محمد: ولم يذكر أحد ممن شهد بدرا بنفاق إلا ما ظهر بعد ذلك من معتب بن قشير أخي بني عمرو بن عوف، فإنه القائل يوم أحد لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا [آل عمران: ١٥٤] وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة لما وصلهم خروج قريش في قوة عظيمة قالوا عن المسلمين هذه المقالة، فأخبر الله بها نبيه في هذه الآية، ثم أخبر الله عز وجل بأن من توكل على الله واستند إليه، فإن عزة الله تعالى وحكمته كفيلة بنصره وشد أعضاده، وخرجت العبارة عن هذا المعنى بأوجز لفظ وأبلغه.
قوله عز وجل:
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٠ الى ٥٢]
وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢)
هذه الآية تتضمن التعجيب مما حل بالكفار يوم بدر، قاله مجاهد وغيره، وفي ذلك وعيد لمن بقي

صفحة رقم 539

منهم، وحذف جواب، لَوْ إبهام بليغ، وقرأ جمهور السبعة والناس «يتوفى» بالياء فعل فيه علامة التذكير إلى مؤنث في اللفظ، وساغ ذلك أن التأنيث غير حقيقي، وارتفعت الْمَلائِكَةُ ب يَتَوَفَّى، وقال بعض من قرأ هذه القراءة إن المعنى إذ يتوفى الله الذين كفروا والْمَلائِكَةُ رفع بالابتداء، ويَضْرِبُونَ خبره والجملة في موضع الحال.
قال القاضي أبو محمد: ويضعف هذا التأويل سقوط واو الحال فإنها في الأغلب تلزم مثل هذا، وقرأ ابن عامر من السبعة والأعرج «تتوفى» بالتاء على الإسناد إلى لفظ «الملائكة»، ويَضْرِبُونَ في موضع الحال، وقوله وَأَدْبارَهُمْ قال جمهور المفسرين يريد أستاههم، ولكن الله كريم كنى، وقال ابن عباس أراد ظهورهم وما أدبر منهم، ومعنى هذا أن الملائكة كانت تلحقهم في حال الإدبار فتضرب أدبارهم، فأما في حال الإقبال فبين تمكن ضرب الوجوه، وروى الحسن أن رجلا قال: يا رسول الله رأيت في ظهر أبي جهل مثل الشراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك ضرب الملائكة»، وعبر بجمع الملائكة، وملك الموت واحد إذ له على ذلك أعوان من الملائكة، وقوله وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ قيل كانوا يقولون للكفار حينئذ هذا اللفظ فحذف يقولون اختصار، وقيل معناه وحالهم يوم القيامة أن يقال لهم هذا، والْحَرِيقِ فعيل من الحرق، وقوله تعالى: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ يحتمل أن يكون من قول الملائكة في وقت توفيتهم لهم على الصورة المذكورة، ويحتمل أن يكون كلاما مستأنفا تقريعا من الله عز وجل للكافرين حيهم وميتهم، وَأَنَّ يصح أن تكون في موضع رفع على تقدير والحكم أن، ويصح أن تكون في موضع خفض عطفا على ما في قوله بِما قَدَّمَتْ، وقال مكي والزهراوي: ويصح أن تكون في موضع نصب بإسقاط الباء تقديره «وبأن»، فلما حذفت الباء حصلت في موضع نصب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا غير متجه ولا بيّن إلا أن تنصب بإضمار فعل، وقوله كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ الآية، الدأب: العادة في كلام العرب، ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]

كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل
ويروى كدينك، ومنه قول خراش بن زهير العامري:
فما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت هوازن وارفضّت سليم وعامر
وهو مأخوذ من دأب على العمل إذا لزمه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، لصاحب الجمل الذي هش إليه وأقبل نحوه وقد ذل ودمعت عيناه: إنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه فكأن العادة دؤوب ما، وقال جابر بن زيد وعامر الشعبي ومجاهد وعطاء: المعنى كسنن آل فرعون، ويحتمل أن يراد كعادة آل فرعون وغيرهم، فتكون عادة الأمم بجملتها لا على انفراد أمة، إذ آل فرعون لم يكفروا وأهلكوا مرارا بل لكل أمة مرة واحدة، ويحتمل أن يكون المراد كعادة الله فيهم، فأضاف العادة إليهم إذ لهم نسبة إليها يضاف المصدر إلى الفاعل وإلى المفعول، والكاف من قوله كَدَأْبِ يجوز أن يتعلق بقوله وَذُوقُوا وفيه بعد، والكاف على هذا في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، ويجوز أن تتعلق بقوله قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وموضعها أيضا على هذا نصب كما تقدم، ويجوز أن يكون معنى الكلام الأمر مثل دأب آل فرعون فتكون الكاف في

صفحة رقم 540
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية