آيات من القرآن الكريم

إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

ويعترض فيه الفصل بين الظرف وما تعلق به بهذه الجملة الكثيرة من الكلام، ويَوْمَ الْفُرْقانِ معناه يوم الفرق بين الحق والباطل بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك، والْفُرْقانِ مصدر من فرق يفرق، والْجَمْعانِ يريد جمع المسلمين وجمع الكفار، وهو يوم الوقعة التي قتل فيها صناديد قريش ببدر، ولا خلاف في ذلك، وعليه نص ابن عباس ومجاهد ومقسم والحسن بن علي وقتادة وغيرهم. وكانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة هذا قول جمهور الناس.
وقال أبو صالح: لتسع عشرة، وشك في ذلك عروة بن الزبير، وقال لتسع عشرة أو لسبع عشرة، والصحيح ما عليه الجمهور، وقوله عز وجل: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يعضد أن قوله وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يراد به النصر والظفر، أي الآيات والعظائم من غلبة القليل الكثير، وذلك بقدرة الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير.
قوله عز وجل:
[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٢]
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢)
العامل في إِذْ قوله الْتَقَى وبِالْعُدْوَةِ شفير الوادي وحرفه الذي يتعذر المشي فيه بمنزلة رحا البير لأنها عدت ما في الوادي من ماء ونحوه أن يتجاوز الوادي أي منعته، ومنه قول الشاعر:

عدتني عن زيارتك العوادي وحالت دونها حرب زبون
ولأنها ما عدا الوادي أي جاوزه، وتسمى الضفة والفضاء المساير للوادي عدوة للمجاورة، وهذه هي العدوة التي في الآية، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «بالعدوة» بضم العين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «بالعدوة» بكسر العين، وهما لغتان، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وقتادة وعمرو «بالعدوة» بفتح العين، ويمكن أن تكون تسمية بالمصدر، قال أبو الفتح: الذي في هذا أنها لغة ثالثة كقولهم في اللبن رغوة ورغوة ورغوة، وروى الكسائي: كلمته بحضرة فلان وحضرته إلى سائر نظائر، ذكر أبو الفتح كثيرا منها، وقوله الدُّنْيا والْقُصْوى إنما بالإضافة إلى المدينة، وفي حرف ابن مسعود «إذ أنتم بالعدوة العليا وهم بالعدوة السفلى»، ووادي بدر آخذ بين الشرق والقبلة منحرف إلى البحر الذي هو قريب من ذلك الصقع، والمدينة من الوادي من موضع الوقعة منه في الشرق وبينهما مرحلتان، حدثني أبي أنه رأى هذه المواضع على ما وصفت وقال ابن عباس: بدر بين مكة والمدينة، والدُّنْيا من الدنو، والْقُصْوى من القصو، وهو البعد، وكان القياس أن تكون القصيا لكنه من الشاذ، وقال الخليل في العين: شذت لفظتان وهما القصوى والفتوى، وكان القياس فيهما بالياء كالدنيا والعليا، والرَّكْبُ بإجماع من المفسرين غير أبي سفيان، ولا يقال ركب إلا لركاب الإبل وهو من أسماء الجمع، وقد يجمع راكب عليه كصاحب وصحب وتاجر وتجر، ولا يقال ركب لما كثر جدا من الجموع.

صفحة رقم 532

وقال القتبي: الركب العشرة ونحوها، وهذا غير جيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد قال «والثلاثة ركب» الحديث وقوله أَسْفَلَ في موضع خفض تقديره في مكان أسفل كذا قال سيبويه، قال أبو حاتم: نصب «أسفل» على الظرف ويجوز «الركب أسفل» على معنى وموضع الركب أسفل أو الركب مستقرا أسفل.
قال القاضي أبو محمد: وكان الركب ومدبر أمره أبو سفيان بن حرب قد نكب عن بدر حين نذر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ سيف البحر فهو أسفل بالإضافة إلى أعلى الوادي من حيث يأتي، وقال مجاهد في كتاب الطبري: أقبل أبو سفيان وأصحابه من الشام تجارا لم يشعروا بأصحاب بدر ولم يشعر أصحاب محمد بكفار قريش ولا كفار قريش بمحمد ﷺ وأصحابه حتى التقوا على ماء بدر من يسقي لهم كلهم، فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد ﷺ فأسروهم.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا تعقب، وكان من هذه الفرق شعور يبين من الوقوف على القصة بكمالها، وقوله وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ قال الطبري وغيره: لو تواعدتم على الاجتماع ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لخالفتم ولم تجتمعوا معهم، وقال المهدوي: المعنى أي لاختلفتم بالقواطع والعوارض القاطعة بين الناس.
قال القاضي أبو محمد: وهذا نيل واضح، وإيضاحه أن المقصد من الآية نعمة الله وقدرته في قصة بدر وتيسيره ما يسر من ذلك، فالمعنى إذ هيأ الله لكم هذه الجمال ولو تواعدتم لها لاختلفتم إلا مع تيسير الذي تمم ذلك، وهذا كما تقول لصاحبك في أمر سناه الله دون تعب كثير: ولو بنينا على هذا وسعينا فيه لم يتم هكذا، ثم بين تعالى أن ذلك إنما كان بلطف الله عز وجل لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً أي لينفذ ويظهر أمرا قد قدره في الأول مَفْعُولًا لكم بشرط وجودكم في وقت وجودكم، وذلك كله معدوم عنده، وقوله تعالى:
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ الآية، قال الطبري: المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم ببيان من الله وإعذار بالرسالة، وَيَحْيى أيضا ويعيش من عاش عن بيان منه أيضا وإعذار لا حجة لأحد عليه، فالهلاك والحياة على هذا التأويل حقيقتان، وقال ابن إسحاق وغيره: معنى لِيَهْلِكَ أي ليكفر، وَيَحْيى أي ليؤمن، فالحياة والهلاك على هذا مستعارتان، والمعنى أن الله تعالى جعل قصة بدر عبرة وآية ليؤمن من آمن عن وضوح وبيان ويكفر أيضا من كفر عن مثل ذلك، وقرأ الناس «ليهلك» بكسر اللام الثانية وقرأ الأعمش «ليهلك» بفتح اللام، ورواها عصمة عن أبي بكر عن عاصم، و «البينة» صفة أي عن قضية بينة، واللام الأولى في قوله لِيَهْلِكَ رد على اللام في قوله لِيَقْضِيَ.
وقرأ ابن كثير في رواية قنبل وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «من حيّ» بياء واحدة مشددة، وقرأ نافع وابن كثير في رواية البزي وعاصم في رواية أبي بكر «من حيي» بإظهار الياءين وكسر الأولى وفتح الثانية، قال من قرأ «حيّ» فلأن الياء قد لزمتها الحركة فصار الفعل بلزوم الحركة لها مشبها بالصحيح مثل عض وشم ونحوه، ألا ترى أن حذف الياء من جوار في الجر والرفع لا يطرد في حال النصب إذا قلت رأيت جواري لمشابهتها بالحركة سائر الحروف الصحاح، ومنه قوله كَلَّا إِذا بَلَغَتِ

صفحة رقم 533
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية