آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ۚ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

لك المكر ويدبرون المكايد بشأنك «وَيَمْكُرُ اللَّهُ» بما أعده لهم من العقاب لينزله عليهم ويريك الطريق الموجب لخلاصك منهم بما فيه الخير والمصلحة لك وللمؤمنين بك «وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) » أقوى وأعظم تدبيرا. منهم. وأنفذ وأبلغ تدبيرا وتأثيرا فيهم، وسمي جزاء الله مكرا للمقابلة والمشاكلة، وقدمنا قسما من قصة الهجرة في الآية ٤٠ من سورة العنكبوت، وكان فيها الخير والكرامة له ولأمته إذ كان ما وعده الله به من النصر وانتشار الدعوة متوقفا عليها، وإلا لما هاجر، لأن أكثر أهل مكة من أقاربه وبوسعهم حمايته ممن عاداه وناوأه منهم، فضلا عن أنه بحماية الله القادر على هلاك من يرومه بلحظة واحدة، ولو كانوا أهل الأرض كلهم، لهذا فلا يقال إنه هاجر خوفا من القتل أو غيره، تدبر هذا واقمع به قول من قال بخلافه وراجع ما ذكرناه في قصة الهجرة من سورتي العنكبوت والمطففين في ج ٢.
قال تعالى «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا» كفار مكة عنادا ومكابرة «قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا» الذي يتلوه محمد «إِنْ هذا» ما هو «إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) » خرافاتهم وأكاذيبهم، كان النضر ابن الحارث بن علقمة من بني عبد الدار في بلاد فارس وكان أتى بنسخة من حديث رستم وإسفنديار وأحاديث العجم، وكان يخالط أهل الكتاب ويسمع منهم ويطلع على عادتهم وعبادتهم، فقال ما هذا الذي يقوله محمد ويزعم أنه من عند الله إلا من ذلك ولو أردت لقلت مثله، فقال له الرسول ويلك هذا كلام الله فكيف تقول مثله، وهو كقول ابن سرح الذي أشرنا إليه في الآية ٩٣ من سورة الأنعام في ج ٢، فنعى الله عليه كذبه في هذه الآية، وأنزل في أبي جهل وأضرابه قوله عزّ قوله «وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا» الذي يتلوه محمد «هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) » ولم يقولوا لجهلهم اللهم اهدنا إليه. وقد نزل في هذا الخبيث بضع عشرة آية منها (سَأَلَ سائِلٌ) فحاق به العذاب، وقتله يوم بدر حضرة الرسول بيده هو ورفيقه طعيمة بن عدي وعقبة بن معيط، وشر الناس من يقتله خير الناس، ثم أشار جلّ شأنه لحضرة الرسول بأن هؤلاء مرصدون بالعذاب إذا هاجرت عنهم بقوله

صفحة رقم 288

«وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» يا سيد الرسل، أي أن عذاب الاستئصال لا يحل بهم وأنت بين أظهرهم، لأنك بعثت رحمة لهم وللعالمين أجمع، وإن إيقاع عذاب الاستئصال على أمة حال وجود رسولهم خارج عن عادة الله التي سنها في خلقه. ويجوز أن يكون المعنى لو كنت فيهم لم يعذبوا بالقتل والأسر في الدنيا لأن منهم من سبقت له العناية بالإيمان كأبي سفيان وصفوان بن أمية وعكرمة ابن أبي جهل وسهيل بن عمرو وحكيم بن خزام وغيرهم، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم إن الله أنزل علي أمانين لأمتي (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) الآية، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة- أخرجه الترمذي عن ابن عباس عن أبي موسى الأشعري-.
«وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) » فلو استغفروا لم يعذبهم أيضا، وقد نزلت هذه الآية لأن كفار قريش قالوا عند نزولها إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفره، ولا يعذب أمة ونبيها معها، فأصروا على ما هم عليه جهلا منهم، ولم يعدّوا ذلك نعمة عليهم فيرجعوا إلى الله، بل لازمهم الغرور فرد الله عليهم بقوله «وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ» أي شيء يمنعه من تعذيبهم بعد خروجك منهم وكيف لا يعذبهم «وَهُمْ يَصُدُّونَ» الناس وأنفسهم «عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» من هم أولى به منهم كالرسول وأصحابه «وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ» أي المسجد كما يزعمون. وهذه الآية من دلائل النبوة إذ آل أمر البيت بعد نزول هذه الآية بثماني سنين إلى الرسول وأصحابه وجاءت ردا لهم إذ يقولون إنا أولى به منهم «إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ» الكفر والمعاصي لا المقيمون عليها «وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) » ذلك جهلا منهم، وبعضهم يعلم ويقول ذلك عنادا. روى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أبو جهل (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) الآية فنزلت (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) الآية، قال ولما خرج من بيته حين بعثوا عليه شبانهم ليقتلوه خرج خفية وترك عليا بمكانه وذهب إلى بيت أبي بكر ثم إلى الغار نزلت (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ) الآية.
قال تعالى «وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً» صفيرا «وَتَصْدِيَةً» تصفيقا ومن كانت هذه صلاتهم فليسوا بأهل لأن يكونوا أولياء له، ولهذا يقال

صفحة رقم 289

لهم في الآخرة «فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) » في الدنيا وتكذبون الرسل والكتب. قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا» الناس «عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» بين الله في الآية السابقة كيفية عبادتهم الدينية بأنها عبارة عن سخرية واستهزاء، وذكر في هذه الآية عبادتهم المالية بأنها في مناوأة الله ورسوله، ولهذا قال جل قوله «فَسَيُنْفِقُونَها» بهذا القصد عبثا وسدى في الدنيا «ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً» وندامة يوم القيامة «ثُمَّ يُغْلَبُونَ» فلا يظفرون بما يؤملون وتكون عليهم خسارة في الدارين، وأن صدّهم الموقت سيزول ويتولى البيت أهله، «وَالَّذِينَ كَفَرُوا» وماتوا على كفرهم «إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) » لا إلى غيرها، وإنما كان ذلك جزاءهم في الآخرة «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» فينجي الطيب «وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ» يجمعه ويضم بعضه إلى بعض «جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ» فريق الخبثاء «هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧) » أنفسهم وأموالهم المغبونون في الدنيا والآخرة. وهذا آخر الآيات السبع التي نزلت في مكة قبل الهجرة، فلم ينزل بعدها شيء فيها، وهي ثماني آيات، وقد أمر رسول الله بوضعها هنا من هذه السورة بإشارة من الأمين جبريل عليه السلام، وهو طبق ما هو مدون في لوح الله المحفوظ. وبقية آي السورة هذه كلها مدنية، وتقديم نزول بعض الآيات على بعض كما هو الواقع بأكثر سور القرآن العظيم المدني منها، والمكي كان بسبب الحوادث والوقائع والسؤال، وترتيب الآيات والسور على ما هو ثابت في المصاحف هو الموافق لما في علم الله المطابق لما أنزله إلى بيت العزّة، وان عمل عثمان رضي الله عنه مقصور على نسخه في المصاحف وأمر الكتبة الأمناء بإثباته ونقله من الصحف التي كانت عند عائشة رضي الله عنها المرتبة يعلم وامر حضرة الرسول، وتحرير بعض حروف الكلمات على لغة قريش عند الاختلاف بالنطق بها من إمالة وإشباع ومد وقصر وقطع ووصل وهمز وتسهيل وفكّ وإدغام وتفخيم وترقيق وفصل وإيصال وتشديد وتخفيف وما أشبه ذلك مما لا يخالف رسم الكلمة بزيادة حرف أو نقصه، كما أوضحناه في المقدمة وتطرقنا له عند كل مناسبة كهذه.

صفحة رقم 290

قال الكلبي والضحاك ومقاتل: نزلت هاتان الآيتان الأخيرتان في المطعمين يوم بدر وهم أبو جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البحتري والنضر وحكيم بن خزام وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود والحارث بن عامر والعباس بن عبد المطلب، وكان كل منهم يذبح عشر جزر. قال ابن اسحق إنهما نزلتا في أصحاب العير، وذلك أنهم لما رجعوا من بدر طاف الذين فقدوا آباءهم على قريش وكلفوهم بالإنفاق عليهم كي يدركوا ثأرهم، ومعظمه العير كان لأبي سفيان، وبسببه وقعت حادثة بدر. وقال سعيد بن جبير ومجاهد نزلتا في أبي سفيان نفسه، لأنه جهز ألفين من الحبشة غير الذين استجاشهم لحرب أحد وأنفق عليهم أربعين أوقية من ذهب كل أوقية اثنان وأربعون درهما. واعلم أن هذه الحوادث الثلاث وإن كانت كل واحدة منها صالحة لأن تكون سببا للنزول ولكن ثبوت كون الآيات نازلة بمكة قبل حادثة بدر بسنتين وحادثة أحد بثلاث سنين ينفي ذلك، وكون الآيتين مسوقتين على كيفية نفقاتهم بعد بيان كيفية صلاتهم ومشعرتين بالتوبيخ على نوع الاتفاق والإنكار عليه يبعد القول بسبب النزول وسياق الآية الأولى لبيان غرض الإنفاق والثانية لبيان عاقبته يؤذن بأن المراد هو العموم، وانطباق الحوادث على ما جريات الآيات لا يعني أنها سبب لنزولها، وعاية ما فيها التشنيع على أعمال الكفار والتباعد عن مثلها والتحذير عن الوقوع فيما يستوجب الذم في الدنيا والعذاب في الآخرة. قال تعالى «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا» يا سيد الرسل «إِنْ يَنْتَهُوا» عن الشرك ودواعيه ويكفوا عن عداوة الرسول وأصحابه ويؤمنوا بالله إيمانا حقيقيا لا لعرض ولا لغرض عن طيب نفس وحسن نية «يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» من جميع أفعالهم مهما كانت «وَإِنْ يَعُودُوا» إلى حالتهم الأولى التي كانوا عليها قبل حادثة بدر ولم يتعظوا بها ويعتبروا بما حل
بهم فيها، فلا مناص لهم من عذاب يصيبهم مثل ما أصاب قومهم في بدر، وهي عادة جرى فيها أمر الله بأمثالهم «فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٩) » الذين لم ينتهوا إلى ما يحل بهم بعد أن شاهدوا وسمعوا ما وقع بمن قبلهم، أي أنه لا بد وأن يجري عليهم من الهلاك والدمار مثل ما جرى على من قبلهم نصرة لنبيه وإعلاء لكلمته،

صفحة رقم 291
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية