آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

وقد روى أن النضر هو الذي أنزل فيه «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً» فقد اشترى قينة جميلة تغنى الناس بأخبار الأمم لصرفهم عن سماع القرآن، وهذا منتهى الجحود والعناد.
وقد كان زعماء قريش كالنضر بن الحارث وأبي جهل والوليد بن المغيرة يتواصون بالإعراض عن سماع القرآن ويمنعون الناس عنه، ثم يختلفون أفرادا إلى بيت النبي ﷺ ليلا يستمعون إليه ويعجبون منه ومن تأثيره وسلطانه على القلوب حتى قال الوليد بن المغيرة كلمته المشهورة: إنه يعلو ولا يعلى عليه، وإنه يحطم ما تحته، فخافوا أن تسمعها العرب وما زالوا يلحون عليه ليقول كلمة منفرّة فقال: «إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ».
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]
وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣) وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)
المعنى الجملي
روى أنه لما قال النضر: إن هذا إلا أساطير الأولين، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك إنه كلام رب العالمين فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، الآية.

صفحة رقم 201

الإيضاح
(وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي اللهم إن كان هذا القرآن وما يدعو إليه هو الحق منزلا من عندك ليدين به عبادك كما يدّعى محمد ﷺ فافعل بنا كذا وكذا.
وفى هذا إيماء إلى أنهم لا يتبعونه وإن كان هو الحق المنزل من عند الله، بل يفضلون الهلاك بحجارة يرجمون بها من السماء أو بعذاب أليم سوى ذلك، كما أن فيه تهكما وإظهار للحزم واليقين بأنه ليس من عند الله- وحاشاه- ومنه يعلم أيضا أن دعاءهم كفر وعناد، لا لأن ما يدعوهم إليه قبيح وضار.
روى أن معاوية قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة! فقال: أجهل من قومى قومك حين قالوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) ولم يقولوا: فاهدنا له.
ثم قال تعالى بيانا للموجب لإمهالهم والتوقف فى إجابة دعائهم.
(وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) أي وما كان من سنة الله ولا من مقتضى رحمته وحكمته أن يعذبهم وأنت الرسول فيهم، لأنه إنما أرسلك رحمة ونعمة لا عذابا ونقمة- إلى أنه قد جرت سنته أيضا ألا يعذب أمثالهم من مكذبى الرسل وهم بين أظهرهم، بل كان يخرج الرسل أوّلا كما حدث لهود وصالح ولوط.
(وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي وما كان الله ليعذبهم هذا العذاب الذي عذّب بمثله الأمم قبلهم فاستأصلهم، وهم يستغفرون، وهم المسلمون الذين بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله ﷺ من المستضعفين.
روى ابن جرير قال: كان رسول الله ﷺ بمكة فأنزل الله:
(وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) ثم خرج إلى المدينة فأنزل الله: (وَما كانَ اللَّهُ

صفحة رقم 202

مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
وكان من بقي فى مكة من المؤمنين يستغفرون فلما خرجوا أنزل الله: (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الآية فأذن الله فى فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم به.
(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي وأىّ شىء يمنع تعذيبهم بما دون عذاب الاستئصال عند زوال المانع منه، وكيف لا يعذبون وهم يمنعون المسلمين من دخول المسجد الحرام ولو لأداء النسك؟ فما كان مسلم يقدر أن يدخل المسجد الحرام فإن دخل مكة عذبوه إذا لم يكن فيها من يجيره، والمراد بالعذاب هنا عذاب بدر إذ قتل صناديدهم ورءوس الكفر كأبى جهل وأسر سراتهم.
(وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) أي وما كانوا مستحقين للولاية عليه لشركهم وعمل المفاسد فيه كطوافهم فيه عراة رجالا ونساء، وهذا ردّ لقولهم: نحن ولاة البيت والحرام، نصد من نشاء وندخل من نشاء.
(إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) أي إنه لا يلى أمره إلا من كان برّا تقيا، لامن كان كافرا عابدا للصم.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنهم ليسوا أولياء الله، ولا أن أولياءه ليسوا إلا المتقين فهم الآمنون من عذابه بمقتضى عدله فى خلقه والجديرون بولاية بيته.
وقد نسب هذا الجهل إلى الأكثر، إذ كان فيهم من لا يجهل حالهم فى جاهليتهم وضلالهم فى شركهم وكون الله لا يرضى عنهم، كما كان فيهم من يكتم إيمانه خوفا من الفتنة ومنهم المستعدون له بسلامة الفطرة، وقد جرت سنة القرآن أن يدقق فى الحكم، ولا يقول إلا الحق ولا يقول كما يقول الناس: إن القليل لا حكم له.
هذا، وإن جماهير المسلمين الآن صاروا يجهلون ولاية الله لأوليائه، فصارت هذه الولاية عندهم تشمل المجانين والمجاذيب الذين يسيل اللعاب من أشداقهم وترتع الحشرات فى ثيابهم وأجسادهم، وتشمل أصحاب الدجل والخرافات، والدعاوى الباطلة للكرامات، وصاروا يؤيدون دعاويهم من رؤيا الأنبياء والأقطاب فى المنام.

صفحة رقم 203
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية