آيات من القرآن الكريم

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ

فِيهِ لَا يَتِمُّ حُصُولُهُ إِلَّا بِالْتِزَامِ هَذِهِ الطَّاعَةِ، فَاحْذَرُوا الْخُرُوجَ عَنْهَا، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: تَرْكُ الطَّاعَةِ يُوجِبُ زَوَالَ الْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِكَلِمَةِ إِنَّ عَلَى الشَّيْءِ عُدِمَ عند عدم ذلك الشيء، وهاهنا الْإِيمَانُ مُعَلَّقٌ عَلَى الطَّاعَةِ بِكَلِمَةِ (إِنْ) فَيَلْزَمُ عَدَمُ الْإِيمَانِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّاعَةِ وَتَمَامُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النِّسَاءِ: ٣١] واللَّه أَعْلَمُ.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢ الى ٤]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَاقْتَضَى ذَلِكَ كَوْنَ الْإِيمَانِ مُسْتَلْزِمًا لِلطَّاعَةِ، شَرَحَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَزِيدَ شَرْحٍ وَتَفْصِيلٍ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ هَذِهِ الطَّاعَاتِ فَقَالَ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الْآيَةَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ حُصُولِ أُمُورٍ خَمْسَةٍ:
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قَالَ الْوَاحِدِيُّ يُقَالُ: وَجِلَ يَوْجَلُ وَجَلًا، فَهُوَ وَجِلٌ، وَأَوْجَلَ إِذَا خَافَ. قَالَ الشَّاعِرُ:

لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَلُ عَلَى أَيِّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّةُ أَوَّلُ
وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنَّمَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إِذَا كَانَ خَائِفًا مِنَ اللَّه، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزُّمَرِ: ٢٣] وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٧] وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٢] وَقَالَ أَصْحَابُ الْحَقَائِقِ: الْخَوْفُ عَلَى قِسْمَيْنِ: خَوْفُ الْعِقَابِ، وَخَوْفُ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ. أَمَّا خَوْفُ الْعِقَابِ فَهُوَ لِلْعُصَاةِ. وَأَمَّا خَوْفُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ فَهُوَ لَا يَزُولُ عَنْ قَلْبِ أَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، سَوَاءً كَانَ مَلَكًا مُقَرَّبًا أَوْ نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ لِذَاتِهِ عَنْ كُلِّ الْمَوْجُودَاتِ/ وَمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ فَمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالْمُحْتَاجُ إِذَا حَضَرَ عِنْدَ الْمَلِكِ الْغَنِيِّ يَهَابُهُ وَيَخَافُهُ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْهَيْبَةُ مِنَ الْعِقَابِ، بَلْ مُجَرَّدُ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْهُ، وَكَوْنِهِ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ يُوجِبُ تِلْكَ الْمَهَابَةَ، وَذَلِكَ الْخَوْفَ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْوَجَلِ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ، فَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مِنْ مُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّه، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ ذِكْرِ عِقَابِ اللَّه. وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِلْزَامُ أَصْحَابِ بَدْرٍ طَاعَةَ اللَّه وَطَاعَةَ الرَّسُولِ فِي قِسْمَةِ الْأَنْفَالِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْوَجَلِ الْقِسْمَ الثَّانِيَ، فَذَلِكَ لَازِمٌ مِنْ مُجَرَّدِ ذِكْرِ اللَّه، وَلَا حَاجَةَ فِي الْآيَةِ إِلَى الإضمار.
فإن قيل: إنه تعالى قال هاهنا وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [الرَّعْدِ: ٢٨] فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟ وَأَيْضًا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: ٢٣] قُلْنَا: الِاطْمِئْنَانُ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ ثَلْجِ الْيَقِينِ، وَشَرْحِ الصَّدْرِ بِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ، وَالْوَجَلُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ خَوْفِ الْعُقُوبَةِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، بَلْ نَقُولُ: هَذَانِ الْوَصْفَانِ اجْتَمَعَا فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: ٢٣] وَالْمَعْنَى:

صفحة رقم 450

تَقْشَعِرُّ الْجُلُودُ مِنْ خَوْفِ عَذَابِ اللَّه، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ عِنْدَ رَجَاءِ ثَوَابِ اللَّه.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَإِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً [التَّوْبَةِ: ١٢٤] ثُمَّ فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: زِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا حَكَاهُ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَتِ الدَّلَائِلُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ وَأَقْوَى كَانَ أَزْيَدَ إِيمَانًا، لِأَنَّ عِنْدَ حُصُولِ كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ وَقُوَّتِهَا يَزُولُ الشَّكُّ وَيَقْوَى الْيَقِينُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَ»
يُرِيدُ أَنَّ مَعْرِفَتَهُ باللَّه أَقْوَى.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ: إِمَّا قُوَّةُ الدَّلِيلِ أَوْ كَثْرَةُ الدَّلَائِلِ. أَمَّا قُوَّةُ الدَّلِيلِ فَبَاطِلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ فَهُوَ مُرَكَّبٌ لَا مَحَالَةَ مِنْ مُقَدِّمَاتٍ، وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَاتُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْزُومًا بِهَا جَزْمًا مَانِعًا مِنَ النَّقِيضِ أَوْ لَا يَكُونَ فَإِنْ كَانَ الْجَزْمُ الْمَانِعُ مِنَ النَّقِيضِ حَاصِلًا فِي كُلِّ الْمُقَدِّمَاتِ، امْتَنَعَ كَوْنُ بَعْضِ الدَّلَائِلِ أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، لِأَنَّ الْجَزْمَ الْمَانِعَ مِنَ النَّقِيضِ لَا يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْجَزْمُ الْمَانِعُ مِنَ النَّقِيضِ غَيْرَ حَاصِلٍ إِمَّا فِي الْكُلِّ أَوْ فِي الْبَعْضِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ دَلِيلًا، بَلْ أَمَارَةً، وَالنَّتِيجَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْهَا لَا تَكُونُ عِلْمًا بَلْ ظَنًّا، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حُصُولَ التَّفَاوُتِ فِي/ الدَّلَائِلِ بِسَبَبِ الْقُوَّةِ مُحَالٌ، وَأَمَّا حُصُولُ التَّفَاوُتِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ فَالْأَمْرُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْجَزْمَ الْحَاصِلَ بِسَبَبِ الدَّلِيلِ الْوَاحِدِ، إِنْ كَانَ مَانِعًا مِنَ النقيض فيمتنع أن يصير أقوى عند اجتماع الدلائل الكثيرة، وإن كان غير مانع مِنَ النَّقِيضِ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا، بَلْ كَانَ أَمَارَةً وَلَمْ تَكُنِ النَّتِيجَةُ مَعْلُومَةً بَلْ مَظْنُونَةً، فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ ضَعِيفٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ الدَّوَامُ وَعَدَمُ الدَّوَامِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُسْتَدِلِّينَ لَا يَكُونُ مُسْتَحْضِرًا لِلدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ إِلَّا لَحْظَةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ مُدَاوِمًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ وَبَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ أَوْسَاطٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَمَرَاتِبُ مُتَفَاوِتَةٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الزِّيَادَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ زِيَادَةِ التَّصْدِيقِ أَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ بِكُلِّ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ عِنْدِ اللَّه، وَلَمَّا كَانَتِ التَّكَالِيفُ مُتَوَالِيَةً فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَاقِبَةً، فَعِنْدَ حُدُوثِ كُلِّ تَكْلِيفٍ كَانُوا يَزِيدُونَ تَصْدِيقًا وَإِقْرَارًا، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ صَدَّقَ إِنْسَانًا فِي شَيْئَيْنِ كَانَ تَصْدِيقُهُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ تَصْدِيقِ مَنْ صَدَّقَهُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ كُلَّمَا سَمِعُوا آيَةً جَدِيدَةً أَتَوْا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ، وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أن كما قُدْرَةِ اللَّه وَحِكْمَتِهِ، إِنَّمَا تُعْرَفُ بِوَاسِطَةِ آثَارِ حِكْمَةِ اللَّه فِي مَخْلُوقَاتِهِ، وَهَذَا بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ، وَكُلَّمَا وَقَفَ عَقْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى آثَارِ حِكْمَةِ اللَّه فِي تَخْلِيقِ شَيْءٍ آخَرَ، انتقل منه إلى طلب حكمة فِي تَخْلِيقِ شَيْءٍ آخَرَ، فَقَدِ انْتَقَلَ مِنْ مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَةٍ أُخْرَى أَعْلَى مِنْهَا وَأَشْرَفَ وَأَكْمَلَ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَرَاتِبُ لَا نِهَايَةَ لَهَا، لَا جَرَمَ لَا نِهَايَةَ لِمَرَاتِبِ التَّجَلِّي وَالْكَشْفِ وَالْمَعْرِفَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْإِيمَانَ هَلْ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ أَمْ لَا؟ أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: الْإِيمَانُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ، فَقَدِ احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: زادَتْهُمْ إِيماناً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِبَارَةً عَنِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ لَمَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ

صفحة رقم 451

تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْأُمُورَ الْخَمْسَةَ. قَالَ: فِي الْمَوْصُوفِينَ بِهَا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ تِلْكَ الْخِصَالِ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»
وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ. قَالُوا: لِأَنَّ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ، وَالْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ لَا يَقْبَلَانِ التَّفَاوُتَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ عِبَارَةً عَنْ مَجْمُوعِ الْإِقْرَارِ وَالِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ، حَتَّى أَنَّ بِسَبَبِ دُخُولِ التَّفَاوُتِ فِي الْعَمَلِ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِي الْإِيمَانِ، / وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّفَاوُتَ بِالدَّوَامِ وَعَدَمِ الدَّوَامِ حَاصِلٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي فِي حُصُولِ التَّفَاوُتِ فِي الْإِيمَانِ، واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً ظَاهِرُهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ نَفْسَ تِلْكَ الْآيَاتِ لَا تُوجِبُ الزِّيَادَةَ، بَلْ إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَالْمُوجِبُ هُوَ سَمَاعُ تِلْكَ الْآيَاتِ أَوْ مَعْرِفَةُ تِلْكَ الْآيَاتِ تُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصْدِيقِ واللَّه أَعْلَمُ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: لِلْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَاعْلَمْ أَنَّ صِفَةَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا وَاثِقِينَ بِالصِّدْقِ فِي وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَأَنْ يَقُولُوا صَدَقَ اللَّه وَرَسُولُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُمْ كَقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الْأَحْزَابِ: ١٢] ثُمَّ نَقُولُ: هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ لَا يَتَوَكَّلُونَ إِلَّا عَلَى رَبِّهِمْ، وَهَذِهِ الْحَالَةُ مَرْتَبَةٌ عَالِيَةٌ وَدَرَجَةٌ شَرِيفَةٌ، وَهِيَ: أَنَّ الْإِنْسَانَ بِحَيْثُ يَصِيرُ لَا يَبْقَى لَهُ اعْتِمَادٌ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا عَلَى اللَّه.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَةَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى أَحْسَنِ جِهَاتِ التَّرْتِيبِ، فَإِنَّ الْمَرْتَبَةَ الْأُولَى هِيَ: الْوَجَلُ مِنْ عِقَابِ اللَّه.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ الِانْقِيَادُ لِمَقَامَاتِ التَّكَالِيفِ للَّه.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: هِيَ الِانْقِطَاعُ بِالْكُلِّيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّه، وَالِاعْتِمَادُ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى فَضْلِ اللَّه، بَلِ الْغِنَى بِالْكُلِّيَّةِ عَمَّا سِوَى اللَّه تَعَالَى.
وَالصِّفَةُ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرَاتِبَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَحْوَالٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْقُلُوبِ وَالْبَوَاطِنِ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهَا إِلَى رِعَايَةِ أَحْوَالِ الظَّاهِرِ وَرَأْسُ الطَّاعَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الظَّاهِرِ، وَرَئِيسُهَا بَذْلُ النَّفْسِ فِي الصَّلَاةِ، وَبَذْلُ الْمَالِ فِي مرضاة اللَّه، ويدخل فيه الزكوات والصدقات والصلاة، وَالْإِنْفَاقُ فِي الْجِهَادِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّهُ تَعَالَى مَدَحَ مَنْ يُنْفِقُ مَا رَزَقَهُ اللَّه، وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِنْفَاقُ مِنَ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ رِزْقًا، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ هَذَا الْكَلَامِ مِرَارًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْخَمْسَ: أَثْبَتَ لِلْمَوْصُوفِينَ بِهَا أُمُورًا ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ:
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وفيه مسائل:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: حَقًّا بِمَاذَا يَتَّصِلُ. فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: بِقَوْلِهِ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ أَيْ هُمُ

صفحة رقم 452

الْمُؤْمِنُونَ بِالْحَقِيقَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ ثُمَّ ابْتَدَأَ وَقَالَ: حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرُوا فِي انْتِصَابِ حَقًّا وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: التَّقْدِيرُ: أُخْبِرُكُمْ بِذَلِكَ حَقًّا، أَيْ إِخْبَارًا حَقًّا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا [النِّسَاءِ: ١٥١] وَالثَّانِي: قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنَّ الَّذِي فَعَلُوهُ كَانَ حَقًّا صِدْقًا. الثَّالِثُ: قَالَ الزَّجَّاجُ.
التَّقْدِيرُ: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ أُحِقُّ ذَلِكَ حَقًّا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا أَمْ لَا؟ فَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّه، وَلَا يَقُولُ أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّه، أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّهُ يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّه، فَلَهُمْ فِيهِ مَقَامَانِ:
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَجْلِ حُصُولِ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْإِيمَانِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ، فَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الْإِنْسَانِ آتِيًا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَمْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالشَّكُّ فِي أَحَدِ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي حُصُولِ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ، فَالْإِنْسَانُ وَإِنْ كَانَ جَازِمًا بِحُصُولِ الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ شَاكًّا فِي حُصُولِ الْعَمَلِ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ يُوجِبُ كَوْنَهُ شَاكًّا فِي حُصُولِ الْإِيمَانِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه، فَلَمَّا كَانَ الْإِيمَانُ اسْمًا لِلِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ، وَكَانَ الْعَمَلُ خَارِجًا عَنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ، لَمْ يَلْزَمْ مِنَ الشَّكِّ فِي حُصُولِ الْأَعْمَالِ الشَّكُّ فِي الْإِيمَانِ. فَثَبَتَ أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ يَلْزَمُهُ وُقُوعُ الشك في الإيمان، ومن قال العمل خارج عن مسمى الإيمان يلزمه نفي الشك عن الْإِيمَانِ، وَعِنْدَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ إِلَّا فِي اللَّفْظِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ قَوْلَهُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إن شاء اللَّه ليس لأجل الشك، فيه وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ كَوْنَ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا أَشْرَفُ صِفَاتِهِ وَأَعْرَفُ نُعُوتِهِ وَأَحْوَالِهِ، فَإِذَا قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ، فَكَأَنَّهُ مَدَحَ نَفْسَهُ بِأَعْظَمِ الْمَدَائِحِ. فَوَجَبَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّه لِيَصِيرَ هَذَا سَبَبًا لِحُصُولِ الِانْكِسَارِ فِي الْقَلْبِ وَزَوَالِ الْعُجْبِ. رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه، قَالَ لِقَتَادَةَ: لِمَ تَسْتَثْنِي فِي إِيمَانِكَ. قَالَ اتِّبَاعًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشُّعَرَاءِ: ٨٢] فقال أبو حنيفة رحمه اللَّه: هلا اقتديت به فِي قَوْلِهِ: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى [الْبَقَرَةِ: ٢٦٠] وَأَقُولُ: كَانَ لِقَتَادَةَ أَنْ يُجِيبَ، وَيَقُولَ: إِنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: بَلَى قَالَ: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي فَطَلَبَ مَزِيدَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ قَوْلِ إِنْ شَاءَ اللَّه.
الثَّانِي: / إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إِلَّا إذا كان موصوفاً بالصفات الخمسة، وَهِيَ الْخَوْفُ مِنَ اللَّه، وَالْإِخْلَاصُ فِي دِينِ اللَّه، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّه، وَالْإِتْيَانُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِوَجْهِ اللَّه تَعَالَى. وَذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ كَذَا وَكَذَا. وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْآيَةِ قَوْلَهُ:
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وَهَذَا أَيْضًا يُفِيدُ الْحَصْرَ، فَلَمَّا دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْقَطْعُ عَلَى نَفْسِهِ بِحُصُولِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْخَمْسِ، لَا جَرَمَ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّه.
رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ سَأَلَهُ رَجُلٌ وَقَالَ: أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ؟ فَقَالَ: الْإِيمَانُ إِيمَانَانِ، فَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْإِيمَانِ باللَّه وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَأَنَا مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كُنْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ

صفحة رقم 453

قُلُوبُهُمْ
فو اللَّه لَا أَدْرِي أَمِنْهُمْ أَنَا أَمْ لَا؟
الثَّالِثُ: أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا، كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْقَطْعُ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فَكَذَا هَذَا. وَنُقِلَ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ باللَّه حَقًّا، ثُمَّ لَمْ يَشْهَدْ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَقَدْ آمَنَ بِنِصْفِ الْآيَةِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ كَمَا لَا سَبِيلَ إِلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَكَذَلِكَ لَا سَبِيلَ إِلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ. الرَّابِعُ: أَنَّ الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ وَعَنِ الْمَعْرِفَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالرَّجُلُ إِنَّمَا يَكُونُ مُؤْمِنًا في الحقيقة عند ما يَكُونُ هَذَا التَّصْدِيقُ وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ حَاصِلَةً فِي الْقَلْبِ حَاضِرَةً فِي الْخَاطِرِ، فَأَمَّا عِنْدُ زَوَالِ هَذَا الْمَعْنَى، فَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ مُؤْمِنًا بِحَسَبِ حُكْمِ اللَّه، أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّه عَائِدًا إِلَى اسْتِدَامَةِ مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَاسْتِحْضَارِ مَعْنَاهُ أَبَدًا دَائِمًا مِنْ غَيْرِ حُصُولِ ذُهُولٍ وَغَفْلَةٍ عَنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُحْتَمَلٌ. الْخَامِسُ: أَنَّ أَصْحَابَ الْمُوَافَاةِ يَقُولُونَ:
شَرْطُ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ حُصُولُ الْمُوَافَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيَكُونُ مَجْهُولًا، وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْمَجْهُولِ مجهل. فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ أَنْ يُقَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّه. السَّادِسُ: أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّه عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْمُرَادُ صَرْفُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْخَاتِمَةِ وَالْعَاقِبَةِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ وَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ، إِلَّا أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَبْقَى ذَلِكَ الْإِيمَانُ فِي الْعَاقِبَةِ كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةٌ أَصْلًا، فَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ هَذَا الْمَعْنَى. السَّابِعُ: أَنَّ ذِكْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا يُنَافِي حُصُولَ الْجَزْمِ وَالْقَطْعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [الْفَتْحِ: ٢٧] وَهُوَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ. فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعْلِيمًا مِنْهُ لِعِبَادِهِ، هَذَا الْمَعْنَى، فكذا/ هاهنا الْأَوْلَى ذِكْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَفْوِيضِ الْأُمُورِ إِلَى اللَّه، حَتَّى يَحْصُلَ بِبَرَكَةِ هَذِهِ الكلمة دوام الإيمان. الثامن: أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ ذَكَرُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَرَأَيْنَا لَهُمْ مَا يُقَوِّيهِ فِي كِتَابِ اللَّه وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ فِي عِلْمِ اللَّه وَفِي حُكْمِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ جَمْعٍ يَكُونُونَ مُؤْمِنِينَ، وَعَلَى وُجُودِ جَمْعٍ لَا يَكُونُونَ كَذَلِكَ. فَالْمُؤْمِنُ يَقُولُ: إِنْ شَاءَ اللَّه حَتَّى يَجْعَلَهُ اللَّه بِبَرَكَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَا مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي. أَمَّا الْقَائِلُونَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذِكْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَقَدِ احْتَجُّوا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُتَحَرِّكَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُتَحَرِّكٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَنَا مُتَحَرِّكٌ إِنْ شَاءَ اللَّه، وَكَذَا القول في القائم والقاعد، فكذا هاهنا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّه، وَكَمَا أَنَّ خُرُوجَ الْجِسْمِ عَنْ كَوْنِهِ مُتَحَرِّكًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ مُتَحَرِّكًا حَالَ قِيَامِ الْحَرَكَةِ بِهِ فَكَذَلِكَ احْتِمَالُ زَوَالِ الْإِيمَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ. الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا فَقَدْ حَكَمَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِكَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ حَقًّا فَكَانَ قَوْلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه يُوجِبُ الشَّكَّ فِيمَا قَطَعَ اللَّه عَلَيْهِ بِالْحُصُولِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ وَصْفِ الْإِنْسَانِ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا، وَبَيْنَ وَصْفِهِ بِكَوْنِهِ مُتَحَرِّكًا، حَاصِلٌ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَعِنْدَ حُصُولِ الْفَرْقِ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ، وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى الْمَوْصُوفِينَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِكَوْنِهِمْ مُؤْمِنِينَ حَقًّا، وَذَلِكَ الشَّرْطُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ. فَهَذَا يُقَوِّي عَيْنَ مَذْهَبِنَا. واللَّه أَعْلَمُ.

صفحة رقم 454

الْحُكْمُ الثَّانِي مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَثْبَتَهَا اللَّه تعالى للموصوفين بالصفات الخمسة قَوْلُهُ تَعَالَى: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَالْمَعْنَى: لَهُمْ مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ قِسْمَانِ: الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ: هِيَ الصِّفَاتُ الْقَلْبِيَّةُ وَالْأَحْوَالُ الرُّوحَانِيَّةُ، وَهِيَ الْخَوْفُ وَالْإِخْلَاصُ وَالتَّوَكُّلُ. وَالِاثْنَتَانِ الْأَخِيرَتَانِ هُمَا الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ وَالْأَخْلَاقُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ تَأْثِيرَاتٌ فِي تَصْفِيَةِ الْقَلْبِ، وَفِي تَنْوِيرِهِ بِالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ كُلَّمَا كَانَ أَقْوَى كَانَتِ الْآثَارُ أَقْوَى وَبِالضِّدِّ، فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ وَالْأَعْمَالُ لَهَا دَرَجَاتٌ وَمَرَاتِبُ. كَانَتِ الْمَعَارِفُ أَيْضًا لَهَا دَرَجَاتٌ وَمَرَاتِبُ، وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَالثَّوَابُ الْحَاصِلُ فِي الْجَنَّةِ أَيْضًا مُقَدَّرٌ بِمِقْدَارِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. فَثَبَتَ أَنَّ مَرَاتِبَ السَّعَادَاتِ/ الرُّوحَانِيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَرَاتِبَ السَّعَادَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي الْجَنَّةِ كَثِيرَةٌ وَمُخْتَلِفَةٌ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ الْمَفْضُولَ إِذَا عَلِمَ حُصُولَ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ لِلْفَاضِلِ وحرمانه عنها، فإنه يتألم قلبه، ويتنغض عَيْشُهُ. وَذَلِكَ مُخِلٌّ بِكَوْنِ الثَّوَابِ رِزْقًا كَرِيمًا؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ اسْتِغْرَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ فِي سَعَادَتِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ حُصُولِ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَحْوَالُ الْآخِرَةِ لَا تُنَاسِبُ أَحْوَالَ الدُّنْيَا إِلَّا بِالِاسْمِ.
الْحُكْمُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ الْمُرَادُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّه عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ وَمِنَ الرِّزْقِ الْكَرِيمِ نَعِيمُ الْجَنَّةِ. قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ: أَمَّا كَوْنُهُ رِزْقًا كَرِيمًا فَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى كَوْنِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ خَالِصَةً دَائِمَةً مَقْرُونَةً بِالْإِكْرَامِ وَالتَّعْظِيمِ، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ هُوَ حَدُّ الثَّوَابِ. وَقَالَ الْعَارِفُونَ: الْمُرَادُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ إِزَالَةُ الظُّلُمَاتِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِ اللَّه، وَمِنَ الرِّزْقِ الْكَرِيمِ الْأَنْوَارُ الْحَاصِلَةُ بِسَبَبِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّه وَمَحَبَّتِهِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ:
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْكَرِيمُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحْمَدُ وَيُسْتَحْسَنُ، وَالْكَرِيمُ الْمَحْمُودُ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، واللَّه تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ كَرِيمٌ وَالْقُرْآنُ مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ كَرِيمٌ. قَالَ تَعَالَى: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ [النَّمْلِ: ٢٩] وَقَالَ:
مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ [الشعراء: ٧ لقمان: ١٠] وَقَالَ: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً [النِّسَاءِ: ٣١] وَقَالَ: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] فَالرِّزْقُ الْكَرِيمُ هُوَ الشَّرِيفُ الْفَاضِلُ الْحَسَنُ. وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: يَعْنِي مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ لَذِيذِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَهَنَاءِ الْعَيْشِ، وَأَقُولُ يجب هاهنا أَنَّ نُبَيِّنَ أَنَّ اللَّذَّاتِ الرُّوحَانِيَّةَ أَكْمَلُ مِنَ اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الرِّزْقَ الْكَرِيمَ هُوَ اللَّذَّاتُ الرُّوحَانِيَّةُ وَهِيَ مَعْرِفَةُ اللَّه وَمَحَبَّتُهُ وَالِاسْتِغْرَاقُ فِي عُبُودِيَّتِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْأُمُورِ الْخَمْسَةِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالنَّجَاةِ مِنَ الْعِقَابِ وَبِالْفَوْزِ بِالثَّوَابِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ لَا تَكْلِيفَ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَأَدَاءِ سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ.

صفحة رقم 455
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية