آيات من القرآن الكريم

يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَىٰ
ﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰ

[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٣٤ الى ٤١]

فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)
شرح المفردات
الطامة الكبرى: أي الداهية العظمى التي تطمّ على الدواهي أي تغلب وتعلو، وهى النفخة الثانية التي يكون معها البعث قاله ابن عباس، وبرّزت الجحيم: أي كانت فى مكان بارز يراها كل من له عينان، طغى: أي تكبر وتجاوز الحد، آثر:
أي قدّم وفضل، المأوى: المستقر، مقام ربه: أي جلاله وعظمته، ونهى النفس عن الهوى: أي زجرها وكفها عن هواها المردي لها بميلها إلى الشهوات.
المعنى الجملي
بعد أن بيّن أنه تعالى قادر على نشر الأموات كما قدر على خلق الأكوان، بين صدق ما أوحى به إلى نبيه من أن ذلك اليوم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين، كائن لا بد منه، فإذا جاءت طامته الكبرى التي تفوق كل طامة حين تعرض الأعمال على العاملين، فيتذكر كل امرئ ما عمل، ويظهر الله الجحيم وهى دار العذاب للعيان فيراها كل ذى بصر، فى ذلك اليوم يوزع الجزاء على العاملين فأما من جاوز الحدود التي حدها الله فى شرائعه، وفضل لذائذ الدنيا على ثواب الآخرة فدار العذاب مستقره ومأواه وأما من خاف مقامه بين يدى ربه فى ذلك اليوم،

صفحة رقم 33

وزجر نفسه عن هواها، فلم تجر وراء شهواتها فالجنة منزله ومأواه، جزاء ما قدمت يداه.
الإيضاح
(فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) أي فإذا حل ذلك اليوم الذي تشيب من هوله الولدان، وتشاهد فيه النار، فينسى المرء كل هول دونها- فصل الله بين الخلائق، فأدخل الطائعين الأبرار الجنة، وأدخل المتمردين العصاة النار.
وقد وصف هذا اليوم بوصفين:
(١) (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) أي حين يرى الإنسان أعماله مدوّنة فى كتابه وكان قد نسيها فتعاوده الذكرى، كما قال سبحانه: «أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ».
(٢) (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) أي وأظهرت النار حتى يراها كل ذى عينين سواء منهم المؤمن والكافر، سوى أنها تكون مقرّا للكافرين، وينجى الله المؤمنين.
والخلاصة- إذا جاء ذلك اليوم فصل الله بين الخلائق كما فصّله بعد بقوله:
(فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) أي فأما من تكبر وتجاوز الحد وآثر لذات الحياة الدنيا، وشهواتها على ثواب الآخرة، فالنار مثواه ومستقره.
(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) أي وأما من حذر وقوفه بين يدى ربه يوم القيامة، وأدرك مقدار عظمته وقهره، وغلبة جبروته وسطوته، وجنب نفسه الوقوع فى محارمه، فالجنة مثواه وقراره.
وقد ذكر سبحانه من أوصاف السعداء شيئين يضادان أوصاف الأشقياء:
(١) فقوله: «خافَ مَقامَ رَبِّهِ» يقابل قوله: «طَغى» وقوله: «وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى» يضاد قوله: «وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا» وقد مدح الحكماء مخالفة

صفحة رقم 34
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية