وقال قتادة: الساهرة: جهنم.
وقال: الساهرة: أرض من فضة لم يعص الله عليها، وهو قوله: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض﴾ [إبرهيم: ٤٨].
قال قتادة: لما تباعد البعث في أعيُنِ القوم، قال الله جل ذكره، ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾، فإذا هم بأعلى الأرض.
- قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ موسى﴾، إلى آخر السورة.
أي: هل سمعت يا محمد حديث موسى بن عمران وخبره؟
- ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بالواد المقدس﴾.
أي: المطهر المبارك.
- وقوله: ﴿طُوًى﴾.
قال مجاهد: (هو) اسم الوادي. وقاله ابن زيد.
فمن صرفه على هذا جعله (اسما لمُذكّر)، اسماً لمكان. ومن لم يصرفه جعله اسماً للبقعة.
وقال قتادة: " ﴿طُوًى﴾: كنا نحدث أنه قدس مرتين ". قال: " واسم الوادي: طُوى ".
وقال ابن جريج عن مجاهد: ﴿طُوًى﴾ أي طاء الأرض حافياً.
- وقوله: ﴿اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى﴾.
أي: ناداه ربه، فقال له: اذهب إلى فرعون، إنه تجاوز حده في العدوان والتكبر على ربه وعتا، فقل له. ﴿هَل لَّكَ إلى أَن تزكى﴾.
أي: هل لك يا فرعون في أن تتطهر من دنس (الكفر) وتؤمن بربك؟
قال ابن زيد: ([تز] كى): تسلم. قال: والتزكي في القرآن كله: الإسلام.
وقال عكرمة: ﴿إلى أَن تزكى﴾، أي: تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
- ثم قال: ﴿وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ فتخشى﴾.
أي: وهل لك إلى أن أرشدك إلى ما يرضى به ربك عنك، فتخشى عقابه بأداء ما ألزمك من فرائضه واجتناب معاصيه؟
- ثم قال تعالى: ﴿فَأَرَاهُ الآية الكبرى﴾.
أي: فأرى موسى فرعون الآية العظيمة الكبيرة، وهي في قول الحسن ومجاهد وقتادة: يده وعصاه. أخرج يده بيضاء للناظرين، وحَوّل عصاه ثعباناً مبيناً.
وقال ابن زيد: هي العصا.
- ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿فَكَذَّبَ وعصى﴾.
أي: فكذب فرعو موسى فيما أتى به من الآيات المعجزات، وعصاه فيما أمره به من طاعة الله والإيمان به.
- وقوله: ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ (يسعى)﴾.
أي: ثم ولى معرضاً عما [دعا إليه] موسى. قال مجاهد: ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يسعى﴾، أي: " يعمل الفساد ". وقيل: [معناه] أدبر هارباً من الحية.
- وقوله: ﴿فَحَشَرَ فنادى﴾.
أي: فجحمع قومه فنادى فيهم فقال لهم: ﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾، تمرداً على الله وطغياناً.
- ثم قال تعالى: ﴿فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى﴾.
قال ابن عباس ومجاهد والشعبي: الأولى، قوله: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨]،
والآخرة: قوله: ﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾. وكان بين الكلمتين أربعون سنة. وقاله ابن زيد.
وقال أيضاً: معناه: عذاب الدنيا والآخرة، عجل له الغرق مع ما أعدّ له في الآخرة من العذاب.
وعن الحسن أنه قال: معناه: عذاب الدنيا والآخرة. وهو قول قتادة.
وقال أبو رزين: الأولى عصيانه ربّه وكفْرُه، والآخرة: قوله: ﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾.
وعن مجاهد أيضاً أن معناه: أخذه الله [بأول عمله] وآخره. " ونكالاً " مصدر من معنى " أخذه "، [لأن معنى " أخذه "] نكّل به.
- ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يخشى﴾.
أي: إن في العقاب الذي عاقب الله به فرعون في عاجل الدنيا والآخرة عظةً (و) مُعتَبَراً لمن يخاف الله ويخشى عقابه.
- ثم قال تعالى: ﴿ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء...﴾.
هذا تقرير وتوبيخ للمكذبين للبعث، القائلين: ﴿أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة * أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾. يقول لهم: أأنتم أعظم خلقاً أم السماء [التي] بناها ربكم فرفعها سقفاً للأرض؟! (بل) أنتم أهون خلقاً وأيسر، فمن فعل ذلك فهو قادر على خلق ما هو أهو منه وأيسر، فليس خلقكم بعد مماتكم بأصعب من خلق السماء! ومعنى ﴿بَنَاهَا﴾: رفعها فجعلها للأرض سقفاً.
- ثم قال تعالى: ﴿رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾.
(أي: رفع السماء في الهواء ﴿فَسَوَّاهَا﴾)، أي: جعلها مستوية لا شيء منها/ أرفع من شيء ولا شيء منها أخفض من شيء.
قال مجاهد: " رفع بناءها بغير عمد ".
- ثم قال تعالى: ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾.
أي: وأظلم ليلها، أي ليل السماء. فأضاف الليل إلى السماء، لأنه [يأتي بغروب] الشمس ويذهب بطلوعها، والشمس في السماء. كما [قيل]: نجوم الليل. فأضاف النجوم إلى الليل إذ كان فيه طلوعها وغروبها.
- وقوله: ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾.
أي: ضوء النهار.
- ثم قال تعالى: ﴿والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾.
قال ابن عباس: خلق الله - جل ذكره - الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها،
ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ثم دحا الأرض بعد ذلك.
وقال عكرمة عنه: وضع الله البيت على الماء على [أربعة] أركان قبل أن [يخلق] السماء بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحت البيت.
وقال مجاهد: معناه: والأرض مع ذلك دحاها، بمنزلة قوله: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم: ١٣]، أي: مع ذلك. وروي مثل ذلك عن السدي.
والدحو في كلام العرب: البسط والمد.
قال قتادة والسدي: ﴿دَحَاهَا﴾ " بسطها ".
وقيل: معناه: والأرض قبل ذلك دحاها، أي: قبل خلق السماوات، لأنه قال في موضع آخر: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ﴾، (ثم قال): ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا [وَقَدَّرَ فِيهَآ] أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ﴾، ثم قال: ﴿ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ...﴾ [فصلت: ٩ - ١١].
- وقوله: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا﴾.
أي: فجّر فيها الأنهار وأنبت نباتها.
- ثم قال تعالى: ﴿والجبال أَرْسَاهَا﴾.
- ثم أثبتها في الأرض. والتقدير: والجبال أرساها (فيها، وحذف فيها لدلالة الكلام عليه.
قال قتادة: ﴿أَرْسَاهَا﴾): أثبتها لئلاّ تميل بأهلها.
وروى أبو عبد الرحمن السلمي عن عنلي بن أبي طالب رضي الله عنهـ أنه قال: لما خلق الله الأرض فَمَضَت وقَالت: أتخلق آدم وذرياته يُلقُون عَلَيّ نَتْنَهم ويعملون عَلَيّ بالخطايا؟! فأرساها الله بالجبال، فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون، وكان أول قرار الأرض كحلم والجزور إذا نُحِرت يختلج لحمها.
- ثم قال تعالى: ﴿مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾.
أي: منفعة لكم ومتعة إلى حين. وتقديره: متعكم الله به متاعاً.
- ثم قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الكبرى﴾.
يعني: قيام الساعة. والطامة: اسمٌ من أسماء يوم القيامة، يقال: طَمَّ الأمرُ: إذا ارتفع وعظم. ويقال: طمت الطامة وصخت الصاخة: للداهية.
- ثم قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى﴾.
أي: فإذا قامت القيامة في يوم يتذكر الإنسان فيه ما عمل في الدنيا من خير وشر، وذلك [إذا قرأ كتابه].
- ثم قال: ﴿وَبُرِّزَتِ الجحيم لِمَن يرى﴾.
أي: أظهرت لمن يراها.
- ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن طغى﴾.
أي: عتا على ربه، واستكبر وآثر (مُتَعَ) الحياة الدنيا على الآخرة، فعمل
للدنيا وترك العمل للآخر.
- ﴿فَإِنَّ الجحيم هِيَ المأوى﴾.
أي: هي مصيره، والتقدير: هي المأوى له. وقيل: التقدير: هي مأواه.
- ثم قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾.
أي: خاف مسألة ربه إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه فاتقاه بأداء فرائضه وطاعته واجتناب محارمه، ونهى نفسه [عن] هواها، فإن الجنة هي مأواه.
- ثم قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها﴾.
أي: يسألك - يا محمد هؤلاء [المكذبون بالبعث] عن الساعة متى قيمها، فرسُّو الساعة قيامها، وليس قيامها كقيام القائم، إنما هو بمنزلة قولهم: قد قام العدل، وقد قام الحق.
- ثم قال تعالى: لنبيه: -ayah text-primary">﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذكراها﴾.
أي: في أي شيء أنت من ذكر الساعة والبحث عنها؟!
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " لَمْ يَزَلِ النّبيّ ﷺ يُكثِرُ ذِكرَ السّاعةِ [السّؤالَ] عَنْها حتّى نَزَلت هذه الآية ".
- وقوله: ﴿إلى رَبِّكَ منتهاهآ﴾.
أي: منتهى علمها، أي: لا يعلم وقت قيامها غيره.
- ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها﴾.
أي: إنما أنت - يا محمد - رسولٌ مبعوث تنذر بالساعة من يخاف عقاب الله، ولم [تكلّف] علم وقت قيامها.
- ثم قال تعالى: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ/ ضحاها﴾.
أي: كأن هؤلاء المكذبين بالساعة يوم يرون الساعة قد قامت لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم أو ضُحى تلك العشية. والعرب تقول: " أتيتك العشية أو غداتها "، أو " آتيك الغداة أو عشيتها "، أي: كأن هؤلاء القوم المكذبين إذا رأوا قيام الساعة وهولها وعظيم أمرها لم يلبثوا إلا عشية يوم أو غداة يوم. روي أنهم يخفتون في قبورهم [خفتة] قبل بعثهم، [فعلى] هذا [يقولون]: لبثنا يوماً أو بعض يوم، ويظنون أنهم لم يلبثوا إلا عشية (يوم) أو ضحى يوم.
صفحة رقم 8047