آيات من القرآن الكريم

جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷ ﭑﭒﭓ ﭕﭖ ﭘﭙ ﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً
أي: رصداً لكل كافر ويقال: سجنا ومحبسا لِلطَّاغِينَ مَآباً أي:
للكافرين مرجعاً، يرجعون إليها.
لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً يعني: ماكثين فيها أبداً دائماً. والأحقاب وأحدها حقب، والحقب ثمانون سنة، واثنا عشر شهراً، وكل شهر ثلاثون يوماً، وكل يوم منها مقدار ألف سنة مما تعدون بأهل الدنيا، فهذا حقب واحد، والأحقاب هو التأييد كلما مضى حقب، دخل حقب آخر. وإنما ذكر أحقاباً، لأن ذلك كان أبعد شيء عندهم. فذكر وتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونه، وهو كناية عن التأبيد، أي: يمكثون فيها أبداً. قرأ حمزة لبثين بغير ألف. والباقون لابثين بالألف، ومعناهما واحد.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٢٤ الى ٤٠]
لاَّ يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لاَ يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨)
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣)
وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لاَّ يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨)
ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠)
ثم قال عز وجل: لاَّ يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً يعني: لا يكون فيها برد يمنعهم من حرها.
وقال القتبي: البرد النوم. وقال الزجاج: يجوز أن يكون البرد نوماً، ويجوز أن يكون معناه: لا يذوقون فيها برد ريح، ولا ظل وَلا شَراباً يعني: شراباً ينفعهم إِلَّا حَمِيماً يعني: ماءً حاراً قد انتهى حره وَغَسَّاقاً يعني: زمهريراً. وقال الزجاج: الغساق ما يغسق من جلودهم، أي: ما يسيل وقد قيل الشديد البرد. قرأ حمزة، والكسائي وعاصم في رواية حفص، وغساقاً بالتشديد. والباقون بالتخفيف، ومعناهما واحد.
ثم قال: جَزاءً وِفاقاً يعني: العقوبة موافقة لأعمالهم، لأن أعظم الذنوب الشرك نعوذ بالله، وأعظم العذاب النار، ووافق الجزاء العمل. ثم قال: إِنَّهُمْ كانُوا لاَ يَرْجُونَ حِساباً

صفحة رقم 538

يعني: لا يخافون البعث بعد الموت. ويقال: كانوا لا يرجون ثواب الآخرة، أنهم كانوا ينكرون البعث. قوله تعالى: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً يعني: جحدوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم، وبالقرآن كذاباً يعني: تكذيباً وجحوداً. ثم قال: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً يعني: أثبتناه في اللوح المحفوظ فَذُوقُوا يعني: يقال لهم: فذوقوا العذاب فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً.
ثم بين حال المؤمنين فقال عز وجل: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً يعني: نجاة من النار إلى الجنة. ويقال: المفاز بمعنى الفوز. يعني: موضع النجاة حَدائِقَ وَأَعْناباً يعني: لهم حدائق في الجنة، والحدائق ما أحيط بالجدار، وفيه من النخيل والثمار، وأعناباً يعني: كروماً وَكَواعِبَ أَتْراباً والكواعب، الجواري مفلكات الثديين أَتْراباً مستويات في الميلاد والسن. وقال أهل اللغة: الكواعب النساء، قد كعب ثديهن وَكَأْساً دِهاقاً كل إناء فيه شراب فهو كأس، فإذا لم يكن فيه شراب فليس بكأس، كما يقال للمائدة إذا كان عليها طعام مائدة، وإذا لم يكن فيها طعام خوان يقال دِهاقاً يعني: سائغاً. وقال الكلبي: وَكَأْساً دِهاقاً يعني: إناء فيه خمر ملآن متتابعاً. وهذا قول عطية وسعيد، والعباس بن عبد المطلب، - رضي الله عنهم-، ومجاهد، وإبراهيم النخعي.
لاَّ يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً يعني: حلفاً وباطلاً. ويقال: ولا يسمعون في مشربها فحشاً خبثا وَلا كِذَّاباً يعني: تكذيباً في شربها. يعني: لا يكذبون فيها. قرأ الكسائي كذاباً بالتخفيف، يعني: لا يكذب بعضهم بعضاً. وقرأ الباقون بالتشديد فهو من التكذيب ثم قال:
جَزاءً مِنْ رَبِّكَ يعني: ثواباً من ربك عَطاءً حِساباً يعني: كثيراً وقال مجاهد: عطاء من الله، حساباً بما عملوا. وقال أهل اللغة: حساباً أي: كثيراً. كما يقال: أعطينا فلاناً عطاء حساباً، أي: كثيراً. وأصله أن يعطيه حتى يقول حسبي. وقال الزجاج: حساباً. أي: ما يكفيهم، يعني: فيه ما يشتهون.
ثم قال: رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: خالق السموات والأرض. قرأ ابن كثير، ونافع وأبو عمرو، رب السموات والأرض بضم الباء والباقون بالكسر فمن قرأ بالضم فمعناه هو رب السموات والأرض ومن قرأ بالكسر فهو على معنى الصفة أي: جزاء من ربك رب السموات والأرض وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ يعني: الرحمن هو رب السموات والأرض لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً يعني: لا يملكون الكلام بالشفاعة، إلا بإذنه يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ قال الضحاك: هو جبريل. وقال قتادة عن ابن عباس، وخلق على صورة بني آدم. ويقال: هو خلق واحد، يقوم صفاً واحداً وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا يعني: صفوفاً. ويقال: الروح لا يعلمه إلا الله، كما قال قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥].
ثم قال عز وجل: لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ يعني: لا يتكلمون بالشفاعة،

صفحة رقم 539

إلا من أذن له الرحمن بالشفاعة وَقالَ صَواباً يعني: لا إله إِلاَّ الله يعني: من كان معه من التوحيد، وهو من أهل الشفاعة. ثم قال عز وجل: ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ يعني: القيامة كائنة فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ يعني: من شاء وجد واتخذ بذلك التوحيد إِلى رَبِّهِ مَآباً يعني: مرجعاً.
ويقال: من شاء اتخذ بالطاعة إلى ربه مرجعاً.
ثم خوفهم فقال: نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
يعني: خوفناكم بعذاب قريب، وهو يوم القيامة. ثم خوف المؤمنين، ووصف ذلك اليوم وْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ
يعني: ما عملوا من الخير والشر يعني: ينظر المؤمن إلى عمله، وينظر الكافر إلى عمله يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
يعني: لو كنت بهماً منها فأكون تراباً، أستوي بالأرض. وذلك، إن الله تعالى يقول للسباع والبهائم، كوني تراباً فعند ذلك، يتمنى الكافرا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً.
وروى عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، أنه قال: إن الله يحشر البهائم والدواب والناس، ثم يقتص لبعضهم من بعض، حتى يقتص للشاة. الجماء من الشاة القرناء.
ثم إن الله تعالى يقول لها: كوني تراباً، فيراها الكافر ويتمنى أن يكون مثلها تراباً. ويقول: الَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
يعني: يا ليتني لم أبعث كقوله: يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ [الحاقة: ٢٥] إلى قوله:
يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ [الحاقة: ٢٧] والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وسلم.

صفحة رقم 540
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية