آيات من القرآن الكريم

إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا
ﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯ ﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷ

أعمالهم، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران، وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان، وأما الذين هم أشدّ نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق الله في أموالهم، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء» «١» وقرئ: وفتحت، بالتشديد والتخفيف. والمعنى: كثرة أبوابها المفتحة لنزول الملائكة، كأنها ليست إلا أبوابا مفتحة، كقوله وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً كأن كلها عيون تتفجر. وقيل:
الأبواب الطرق والمسالك، أى. تكشط فينفتح مكانها وتصير طرقا لا يسدّها شيء فَكانَتْ سَراباً كقوله فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا يعنى أنها تصير شيئا كلا شيء، لتفرّق أجزائها وانبثات جواهرها.
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ٢١ الى ٣٠]
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥)
جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠)
المرصاد: الحدّ الذي يكون فيه الرصد. والمعنى: أن جهنم هي حدّ الطاغين الذي يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم. أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها، لأن مجازهم عليها، وهي مآب للطاغين. وعن الحسن وقتادة نحوه، قالا: طريقا وممرّا لأهل الجنة.
وقرأ ابن يعمر: أنّ جهنم، بفتح الهمزة على تعليل قيام الساعة بأنّ جهنم كانت مرصادا للطاغين، كأنه قيل: كان ذلك لإقامة الجزاء. قرئ: لابثين ولبثين، واللبث أقوى، لأنّ اللابث من وجد منه اللبث، ولا يقال «لبث» إلا لمن شأنه اللبث، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه أَحْقاباً حقبا «٢» بعد حقب، كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية، ولا يكاد يستعمل الحقب والحقبة إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها، والاشتقاق يشهد لذلك. ألا ترى إلى

(١). أخرجه الثعلبي وابن مردويه من رواية محمد بن زهير عن محمد بن الهندي عن حنظلة الدوسي عن أبيه عن البراء بن عازب عنه بطوله.
(٢). قوله «أحقابا» في الصحاح «الحقب» بالضم: ثمانون سنة. والحقبة- بالكسر-: واحدة الحقب، وهي السنون. والحقب: الدهر، والأحقاب: الدهور. (ع)

صفحة رقم 688

حقيبة الراكب، والحقب الذي وراء التصدير «١» وقيل: الحقب ثمانون سنة، ويجوز أن يراد:
لابثين فيها أحقابا غير ذائقين فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب. وفيه وجه آخر: وهو أن يكون من «حقب عامنا» إذا قل مطره وخيره، وحقب فلان: إذا أخطأه الرزق، فهو حقب، وجمعه أحقاب، فينتصب حالا عنهم، يعنى لابثين فيها حقيبين «٢» جحدين. وقوله لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً تفسير له والاستثناء منقطع، يعنى: لا يذوقون فيها بردا وروحا ينفس عنهم حرّ النار، ولا شرابا يسكن من عطشهم، ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا وقيل «البرد» النوم، وأنشد:
فلو شئت حرّمت النّساء سواكم... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا «٣»
وعن بعض للعرب: منع البرد البرد «٤». وقرئ: غساقا، بالتخفيف والتشديد: وهو ما يغسق، أى: يسيل من صديدهم وِفاقاً وصف بالمصدر. أو ذا وفاق. وقرأ أبو حيوة:
وفاقا، فعال من وفقه كذا كِذَّاباً تكذيبا، وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره، وسمعنى بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله.
وقرئ بالتخفيف، وهو مصدر كذب، بدليل قوله:
فصدقتها وكذبتها... والمرء ينفعه كذابه «٥»
وهو مثل قوله أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً يعنى: وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا. أو تنصبه بكذبوا، لأنه يتضمن معنى كذبوا، لأنّ كل مكذب بالحق كاذب، وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه: وكذبوا بآياتنا، فكاذبوا مكاذبة. أو كذبوا بها مكاذبين، لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة. أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر، فيبلغ فيه أقصى جهده. وقرئ: كذابا، وهو جمع كاذب، أى: كذبوا

(١). قوله «والحقب الذي وراء التصدير» في الصحاح «التصدير» : الحزام، وهو في صدر البعير، والحقب عند الثيل. وفيه «الثيل» : وعاء قضيب البعير. (ع)
(٢). قوله «لابثين فيها حقيبين» لعله حقبين من حقب بالكسر كجحدين من جحد: إذا كان ضيقا قليل الخير فيهما، أفاده الصحاح. (ع)
(٣). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٩٤ فراجعه إن شئت اه مصححه.
(٤). قوله «منع البرد البرد» أى: منع البرد النوم. (ع)
(٥). الكذاب- ككتاب-: مصدر مضاف لفاعله. وصدقتها وكذبتها- بتخفيفها- بمعنى: قلت لها قولا صادقا تارة، وقولا كاذبا تارة أخرى. أو قلت لها: أنت صادقة تارة، وأنت كاذبة تارة. والضمير لنفسه أو صاحبته مثلا. وعلل ذلك بأن الكذب قد ينفع.

صفحة رقم 689
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية