وهذه الأمور التسعة نظرا لحدوثها وإمكانها وتجددها تدل على وجود الفاعل المختار، كما يدل ما فيها من الإتقان والإحكام على كمال العلم والحكمة الذاتية، وإذا ثبت كمال الله تعالى في هذه الأوصاف، ثبت قطعا إمكان الحشر دون أي شك، ثم في إخراج النبات بعد جفافه ويبسه دليل ظاهر حسي قريب للأذهان على إمكان إخراج الموتى من القبور، وبعثهم بعد الموت أحياء.
وفضلا عن ذلك، فإن كل أمر من الأمور التسعة نعمة عظمي، يجب أن تشكر بالتوفر على الطاعة، ولا تكفر بالإقدام على المعصية «١».
٥- آية لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً تشمل كل أنواع النبات الثلاثة التي تنبت من الأرض: وهي ما له أكمام وهو الحب، وما لا يكون له أكمام وهو الحشيش، وهذان النوعان لا ساق لهما، والنوع الثالث: هو ما له ساق وهو الشجر، فإذا اجتمع منها شيء كثير سميت جنة «٢».
أوصاف يوم القيامة وأماراته ونوع عذابه
[سورة النبإ (٧٨) : الآيات ١٧ الى ٣٠]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١)
لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦)
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠)
(٢) تفسير الرازي: ٣١/ ٩
الإعراب:
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ يَوْمَ منصوب على البدل من يوم في قوله تعالى: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ. لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لابِثِينَ حال مقدر، أي مقدّرين اللبث، وأَحْقاباً منصوب على الظرف، وعامله لابِثِينَ. وذكر أَحْقاباً للكثرة، لا لتجديد اللبث، كقولك: أقمت سنين وأعواما.
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً، جَزاءً وِفاقاً لا يَذُوقُونَ جملة في موضع نصب صفة ل لابِثِينَ، أو حال من ضمير لابِثِينَ. وحَمِيماً وَغَسَّاقاً بدل منصوب من بَرْداً وَلا شَراباً. والحميم: يطلق على الحار والبارد من البرودة. فإن كان بمعنى النوم فهو استثناء منقطع، وجَزاءً منصوب على المصدر. والخلاصة: إِلَّا حَمِيماً.. استثناء منقطع في قول من جعل البرد: النوم، ومن جعله من البرودة كان بدلا منه.
كِذَّاباً منصوب على المصدر ل «كذّب» وزيدت الألف في كِذَّاباً كما زيدت الهمزة في «أحسن إحسانا، وأجمل إجمالا».
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً كِتاباً منصوب على المصدر، وعامله إما أَحْصَيْناهُ بمعنى كتبنا، وإما فعل مقدر من لفظه دل عليه. أَحْصَيْناهُ أي كتبناه كتابا.
البلاغة:
فَكانَتْ أَبْواباً تشبيه بليغ، أي كالأبواب في التشقق والتصدع، فحذفت الأداة ووجه الشبه. فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً أمر يراد به الإهانة والتحقير، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب زيادة في التوبيخ. بَرْداً وحَمِيماً بينهما طباق.
أَفْواجاً أَبْواباً سَراباً مَآباً أَحْقاباً شَراباً حِساباً سجع مرصع.
المفردات اللغوية:
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ هو يوم القيامة، وسمي بذلك لأن الله يفصل فيه بحكمه بين الخلائق.
كانَ أي في علم الله، أو في حكمه. مِيقاتاً وقتا للثواب والعقاب، وحدا تنتهي عنده الدنيا. الصُّورِ البوق الذي ينفخ فيه، فيخرج منه صوت شديد، والنافخ فيه: هو إسرافيل عليه السلام. فَتَأْتُونَ من قبوركم إلى الموقف. أَفْواجاً جماعات مختلفة، جمع فوج: أي جماعة.
وَفُتِحَتِ السَّماءُ شققت وصدّعت. فَكانَتْ أَبْواباً ذات أبواب، أو صارت من كثرة الشقوق كأنها أبواب. وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ أزيلت عن أماكنها، وأصبحت في الهواء كالهباء.
سَراباً مثل السراب، إذ ترى على صورة الجبال وليست جبالا في الحقيقة بل غبارا.
مِرْصاداً موضع رصد، يرصد فيه خزنة النار الكفار لِلطَّاغِينَ الكافرين، الذين طغوا بمخالفة أوامر ربهم. مَآباً مرجعا ومأوى. لابِثِينَ مقيمين. أَحْقاباً دهورا لا نهاية لها، جمع حقب، وواحدها حقبة، وهي مدة مبهمة من الزمان.
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً برودة الهواء، ويطلق أيضا على النوم. وَلا شَراباً أي ما يشرب تلذذا لتسكين العطش. إِلَّا حَمِيماً الحميم: الماء الحارّ الشديد الغليان. وَغَسَّاقاً قيح وصديد أهل النار الدائم السيلان من أجسادهم. جَزاءً وِفاقاً أي جوزوا بذلك جزاء موافقا لأعمالهم وكفرهم، فلا ذنب أعظم من الكفر، ولا عذاب أعظم من النار. لا يَرْجُونَ لا يخافون أو لا يتوقعون. حِساباً محاسبة على أعمالهم لإنكارهم البعث. بِآياتِنا القرآن.
كِذَّاباً تكذيبا كثيرا. وَكُلَّ شَيْءٍ أي من الأعمال. أَحْصَيْناهُ ضبطناه. كِتاباً أي ضبطناه بالكتابة. فَذُوقُوا أي فيقال لهم في الآخرة عند وقوع العذاب عليهم: ذوقوا جزاءكم. فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً أي فوق عذابكم.
المناسبة:
بعد إثبات قدرة الله تعالى على تخريب الدنيا، وإيجاد عالم آخر، بإثبات إمكان الحشر وعموم القدرة والعلم، أخبر تعالى عن يوم الفصل وهو يوم القيامة أنه مؤقت بأجل معلوم لا يزاد عليه ولا ينقص منه، ولا يعلم وقته على التعيين إلا الله عز وجل، ثم ذكر علامات ذلك اليوم من نفخ الصور، وتصدع السماء، وتسيير الجبال عن أماكنها وصيرورتها هباء كالهواء، ثم أوضح أن جهنم مرصد للطغاة وهم الكافرون المكذبون بآيات الله، الذين أحصى الله عليهم كل شيء من أعمالهم، وسيلقون جزاء ما صنعوا.
التفسير والبيان:
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً أي إن يوم القيامة وقت ومجمع وميعاد
للأولين والآخرين، ينالون فيه ما وعدوا به من الثواب والعقاب. وسمي يوم الفصل لأن الله تعالى يفصل فيه بحكمه بين خلقه.
ثم ذكر الله تعالى علامات ثلاثا لهذا اليوم، فقال:
١- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَتَأْتُونَ أَفْواجاً أي إن يوم الفصل هو اليوم الذي ينفخ فيه إسرافيل بالبوق أو القرن، فتأتون أيها الخلائق من قبوركم إلى موضع العرض زمرا زمرا، وجماعات جماعات، تأتي فيه كل أمة مع رسولها، كما قال تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء ١٧/ ٧١].
٢- وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً أي وتصدعت السماء وشقت، فصارت ذات أبواب كثيرة وطرقا ومسالك لنزول الملائكة، ونظير الآية كثير، مثل: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق ٨٤/ ١]. إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ [الانفطار ٨٢/ ١]. وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ، وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان ٢٥/ ٢٥]. وهذا يعني تبدل نظام الكون، وذهاب التماسك بين أجزائه.
٣- وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً أي وأزيلت الجبال عن أماكنها، وبددت في الهواء، فكانت هباء منبثا، يظن الناظر أنها سراب، وتبدأ أولا بالدكّ كما قال تعالى: وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ، فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً [الحاقة ٦٩/ ١٤] ثم تصير كالعهن أو الصوف المنفوش كما قال: وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة ١٠١/ ٥] ثم تتقطع وتتبدد وتصير كالهباء، كما قال:
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا، وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [الواقعة ٥٦/ ٤- ٦] ثم تنسف عن الأرض بالرياح، كما جاء في قوله تعالى:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه ٢٠/ ١٠٥] وقوله:
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النمل ٢٧/ ٨٨] ».
ثم ذكر الله تعالى ما يلاقيه المكذبون الضالون الأشقياء يومئذ بقوله:
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً، لِلطَّاغِينَ مَآباً، لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً أي إن نار جهنم كانت في حكم الله وقضائه مرصدة معدّة للطغاة المتجبرين المتكبرين وهم المردة العصاة المخالفون للرسل، ومرجعا ومصيرا ونزلا لهم، حالة كونهم ماكثين فيها ما دامت الدهور. والأحقاب جمع حقب ومفردها حقبة: وهي المدة الطويلة من الزمان، إذا مضى حقب دخل آخر، وهكذا إلى الأبد. والمرصاد:
إما اسم للمكان الذي يرصد فيه، وإما صفة بمعنى أنها ترصد أعداء الله.
والآية دليل على أن جهنم كانت مخلوقة لأن قوله: مِرْصاداً أي معدّة، ومثلها الجنة أيضا إذ لا فرق بينهما.
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً «١» وَغَسَّاقاً، جَزاءً وِفاقاً أي لا يذوقون في جهنم أو في الأحقاب بردا ينفعهم من حرها، ولا شرابا ينفعهم من عطشها إلا الحميم: وهو الماء الحار الشديد الغليان، والغساق: وهو صديد أهل النار، وهذا العذاب موافق الذنب العظيم الذي ارتكبوه نوعا ومقدارا، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار، وقد كانت أعمالهم سيئة، فجوزوا بمثلها، كما قال تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى ٤٢/ ٤٠]. وقيل:
البرد: النعاس والنوم. ويلاحظ أنه تعالى بعد أن شرح أنواع عقوبة الكفار، بين أنه جزاء حق وعدل موافق لأعمالهم.
ثم عدد الله تعالى أنواع جرائمهم، فقال:
إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً، وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً أي إنهم اقترفوا الأعمال السيئة والقبائح المنكرة لأنهم لا يطمعون في ثواب، ولا يخافون من حساب لأنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث. فقوله: إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً أي لا يخافون أو لا يتوقعون حسابا: علة التأبيد في العذاب.
وكذبوا بالآيات القرآنية وبالبراهين الدالة على التوحيد والنبوة والمعاد تكذيبا شديدا. وهذا إشارة إلى فساد عقائدهم، حتى جحدوا الحق وكذبوا الرسل. ثم أخبر الله تعالى عن إحصاء جميع أعمالهم بقوله:
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً أي إننا علمنا جميع أعمال العباد، وكتبناها عليهم، وكتبها الحفظة كتابة تامة شاملة، وسنجزيهم على ذلك، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وقوله كِتاباً مصدر في موضع إحصاء، أو أن «أحصينا» في معنى كتبنا، لالتقاء الإحصاء والكتابة في معنى الضبط والتحصيل «١».
ثم ذكر ما يقال لهم في التعذيب تقريعا وتوبيخا لهم:
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً أي يقال لأهل النار لكفرهم، وتكذيبهم بالآيات، وقبح أفعالهم: ذوقوا ما أنتم فيه من العذاب الأليم، فلن نزيدكم إلا عذابا من جنسه. قال عبد الله بن عمرو: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه الآية: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً فهم في مزيد من العذاب أبدا.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات الكريمات إلى ما يأتي:
١- إن يوم القيامة الذي يفصل الله فيه بين الخلائق وقت، ومجمع، وميعاد للأولين والآخرين، لما وعد الله من الجزاء والثواب.
٢- تحدث في بداية يوم القيامة ظواهر خطيرة ثلاث: هي نفخ إسرافيل في الصور (القرن) فيأتي الناس من قبورهم زمرا وجماعات، وتفتّح وتشقّق أو تفطر السماء، فتصير كلها كأنها أبواب، وتسيير الجبال وإزالتها من أماكنها الأصلية.
٣- أخبر الله تعالى عن حال الأشقياء، وقدم ذكرهم على السعداء لأن الكلام في السورة بنى على التهديد، وهو أن جهنم تكون مكانا مرصدا للطغاة الذين طغوا في دينهم بالكفر، وفي الدنيا بالظلم، أو أنها ترصد أعداء الله وتراقبهم حتى ينزلوا فيها، وتكون المرجع الذي يرجعون فيه إليها.
٤- كيفية استقرارهم في النار: هي أنهم يكونون ماكثين في نار جهنم إلى الأبد ما دامت الأحقاب تتوالى، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حقب جاء حقب، والحقب: الدهر، والأحقاب: الدهور، والحقبة: السنة.
٥- لا يذوق الطغاة في جهنم أو في الأحقاب بردا يخفف الحر أو نوما، ولا شرابا يروي من العطش إلا الماء الحار والغساق: صديد أهل النار.
٦- لا ظلم في هذا الجزاء، وإنما هو موافق لأعمالهم، فإنهم كانوا لا يخافون محاسبة على أعمالهم لأنهم لا يؤمنون بالبعث، وكذّبوا بما جاءت به الأنبياء تكذيبا شديدا. وهذا دليل على أنهم كذبوا بجميع دلائل الله تعالى في التوحيد والنبوة والمعاد والشرائع والقرآن.
وهو جزاء دقيق عادل فإن الله تعالى عالم بأفعالهم علما لا يزول ولا يتبدل، وقد أحصاها عليهم، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ لتعرفه الملائكة، كما أن الحفظة الملائكة الموكلين بأمر العباد كتبوا كل شيء عليهم بأمر الله تعالى إياهم بالكتابة، بدليل قوله تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ، كِراماً كاتِبِينَ [الانفطار ٨٢/ ١٠- ١١] وقوله: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ دليل على كونه تعالى عالما بالجزئيات.
٧- في قوله تعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً أظهر الله تعالى غاية السخط بطريق الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، والتعقيب بفاء الجزاء الدال على أن العقاب سبب عن كفرهم بالحسنات، وتكذيبهم بالآيات.
وزيادة العذاب: إما لازدياد كفرهم وعتوهم حينا بعد حين، كقوله تعالى: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة ٩/ ١٢٥] وإما لأن زيادة العذاب عبارة عن استمراره نفسه لأنه يتزايد بمرور الزمان. والمراد: إنا لن نخلصكم من العذاب إلى خلافه، وإن عذاب أهل النار دائم غير متناه، وإنه تعالى يزيد في عذاب الكافر أبدا.
وهذه الآية دالة على المبالغة في التعذيب من وجوه:
أحدها- قوله: فَلَنْ نَزِيدَكُمْ وكلمة «لن» للتأكيد في النفي.
وثانيها- أنه في قوله: كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً ذكرهم بالغيبة، وفي قوله: فَذُوقُوا ذكرهم على سبيل المشافهة، وهذا يدل على كمال الغضب، كما ذكرت.
وثالثها- أنه تعالى عدد وجوه العقاب، ثم حكم بأنه جزاء موافق لأعمالهم، ثم عدد فضائحهم، ثم قال: فَذُوقُوا فكأنه تعالى أفتى، وأقام الدلائل، ثم أعاد تلك الفتوى بعينها، وذلك يدل على المبالغة في التعذيب «١».