آيات من القرآن الكريم

إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀ

جعلها مضغة مخلقة بعد أربعين اخرى اى قطعة لحم قابل لتفريق الأعضاء وتمييز بعضها من بعض وجعل المضغة عظاما تتميز بها الأعضاء بأن صلبها فكسا العظام لحما يحسن به خلقه وتصويره ويستعد لافاضة القوى ونفخ الروح فَسَوَّى فعدله وكمن نشأته (قال الكاشفى) پس راست كرد صورت وأندام او را وروح در دميد. وفى المفردات جعل خلقه على ما اقتضته الحكمة الالهية اى جعله معادلا لما تقتضيه الحكمة وقال بعضهم معنى النسوية والتعديل جعل كل عضو من أعضائه الزوج معادلا لزوجه فَجَعَلَ مِنْهُ اى من الإنسان باعتبار الجنس او من المنى وجعل بمعنى خلق ولذا اكتفى بمفعول واحد وهو قوله الزَّوْجَيْنِ اى الصنفين الذَّكَرَ وَالْأُنْثى بدل من الزوجين ويجوز أن يكونا منصوبين بإضمار أعنى ولا يخفى ان الفاء تفيد التعقيب فلا بد من مغايرة بين المتعاقبين فلعل قوله فخلق فسوى محمول على مقدار مقدر من الخلق يصلح به للتفرقة بين الزوجين وقوله فجعل منه الزوجين على التفرقة الواقعة أَلَيْسَ ذلِكَ العظيم الشان الذي انشأ هذا الإنشاء البديع بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى وهو أهون من البدء فى قياس العقل لوجود المادة وهو عجب الذنب والعناصر الاصلية (روى) ان النبي عليه السلام كان إذا قرأها قال سبحانك اللهم بلى تنزيها له تعالى عن عدم القدرة على الاحياء واثباتا لوقوعها عليه وفى رواية بلى والله بلى والله وقال ابن عباس رضى الله عنهما من قرأ سبح اسم ربك الأعلى اماما كان او غيره فليقل سبحان ربى الأعلى ومن قرأ لا اقسم بيوم القيامة فاذا انتهى الى آخرها فليقل سبحانك اللهم بلى اماما كان او غيره وفى الحديث (من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى الى آخرها أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا اقسم بيوم القيامة فانتهى الى أليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل سبحانك بلى ومن قرأ والمرسلات عرفا فبلغ فبأى حديث بعد، يؤمنون فليقل آمنا بالله) وفى الآية اشارة الى ان الله يحيى موتى اهل الدنيا بالاعراض عنها والإقبال على الآخرة والمولى وايضا يحيى موتى النفوس بسطوع أنوار القلوب عليها وايضا يحيى موتى القلوب تحت ظلمة النفوس الكافرة الظالمة بنور الروح والسر والخفي ومن أسند العجز الى الله فقد كفر بالله نسأل الله تعالى العصمة وحسن الخاتمة تمت سورة القيامة بعون من له الرحمة العامة فى الحادي والعشرين من ذى الحجة من سنة ست عشرة ومائة وألف
تفسير سورة الإنسان
احدى وثلاثون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
هَلْ أَتى استفهام تقرير ونقريب فان هل بمعنى قد والأصل أهل أتى اى قد أتى وبالفارسية آيا آمد يعنى بدرستى كه آمد. تركوا الالف قبل هل لانها لا تقع الا فى الاستفهام وانما لزوم اداة الاستفهام ملفوظة او مقدرة إذا كان بمعنى قد ليستفاد التقرير من همزة الاستفهام والتقريب من قد فانها موضوعة لتقريب الماضي الى الحال والدليل على ان الاستفهام غير مراد

صفحة رقم 258

ان الاستفهام على الله محال فلا بد من حمله على الخبر تقول هل وعظتك ومقصودك أن تحمله على الإقرار بأنك قد وعظته وقد يجيئ بمعنى الجحد تقول وهل يقدر أحد على مثل هذا فتحمله على أن يقول لا يقدر أحد غيرك عَلَى الْإِنْسانِ قبل زمان قريب المراد جنس الإنسان لقوله من نطفة لان آدم لم يخلق منها ثم المراد بالجنس بنوا آدم او ما يعمه وبنيه على التغليب او نسبة حال البعض الى الكل للملابسة على المجاز حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ الحين زمان مطلق ووقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال او قصر وفى المفردات الحين وقت بلوغ الشيء وحصوله وهو مبهم ويتخصص بالمضاف اليه نحو ولات حين مناص ومن قال حين على أوجه للاجل والمنية وللساعة وللزمان المطلق انما فسر ذلك بحسب ما وجده قد علق به والدهر الزمان الطويل والمعنى طائفة محدودة كائنه من الزمن الممتد وهى مدة لبثه فى بطن امه تسعة أشهر او بأن صار شيأ مذكورا على ما ذهب اليه ابن عباس رضى الله عنهما لَمْ يَكُنْ فيه فالجملة صفة اخرى لحين بحذف الضمير شَيْئاً مَذْكُوراً بل كان شيأ منسيا غير مذكور بالانسانية أصلا نطفة فى الأصلاب فما بين كونه نطفة وكونه شيأ مذكورا بالانسانية مقدار محدود من الزمان وتقدم عالم الأرواح لا يوجب كونه شيأ مذكورا عند الخلق ما لم يتعلق بالبدن ولم يخرج الى عالم الأجسام (روى) ان الصديق او عمر رضى الله عنهما كما فى عين المعاني لما سمع رجلا يقرأ هذه الآية بكى وقال ليتها تمت فلا شىء أراد ليت تلك تمت وهى كونه شيأ غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف ومعنى الاستفهام التقريرى فى الآية أن يحمل من ينكر البعث على الإقرار بأنه نعم أتى عليه فى زمان قريب من زمان الحال حين من الدهر لم يكن فيه شيأ مذكورا فيقال له من أحدثه بعد أن لم يكن كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته وقال القاشاني اى كان شيأ فى علم الله بل فى نفس الأمر لقدم روحه ولكنه لم يذكر فيما بين الناس لكونه فى عالم الغيب وعدم شعور من فى عالم الشهادة به وفى التأويلات النجمية اعلم ان للانسان صورة علمية غيبية وصورة عينية شهادية وهو من حيث كلتا الصورتين مذكور عند الله ازلا وابدا لا يعزب عن علمه مثقال ذرة لعلمه الأزلي الابدى بالأشياء قبل إيجاد الأشياء وقبل وجودها خلق الخلق وهم معدومون فى كتم العدم وعلمه بنفسه يستلزم علمه بأعيان الأشياء لان الأشياء مظاهر أسمائه وصفاته وهى عين ذاته فافهم اى ما أتى على الإنسان حين من الأحيان وهو كان منسيا فيه بالنسبة الى الحق وكيف وهو مخلوق على صورته وصورته حاضرة له مشهودة عنده وهل للاستفهام الإنكاري بخلاف المحجوبين عن علم المعرفة والحكمة الالهية وقال جعفر الصادق رضى الله عنه هل أتى عليك يا انسان وقت لم يكن الله ذاكرا لك فيه إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى خلقناه يعنى جسمه والإظهار لزيادة التقرير مِنْ نُطْفَةٍ حتى كان علقة فى أربعين يوما ومضغة فى ثمانين ومنفوخا فيه الروح فى مائة وعشرين يوما كما كان أبوهم آدم خلق من طين فألقى بين مكة والطائف فأقام أربعين سنة ثم من حمأمسنون فأقام أربعين سنة اخرى ثم من صلصال فأقام أربعين سنة اخرى فتم خلقه فى مائة وعشرين سنة فنفخ فيه الروح على ما جاء فى رواية الضحاك عن ابن عباس رضى الله عنهما فما كان

صفحة رقم 259

سنين فى آدم كان أياما فى أولاده وحمل بعضهم الإنسان الاول على آدم والثاني على أولاده على أن يكون الحين هو الزمن الطويل الممتد الذي لا يعرف مقداره والاول وهو حمله فى كلا الموضعين على الجنس اظهر لان المقصود تذكير الإنسان كيفية الخلق بعد أن لم يكن ليتذكر أول امره من عدم كونه شيأ مذكورا او آخر أمره من كونه شيأ مذكورا مخلوقا من ماء حقير فلا يستبعد البعث كما سبق أَمْشاجٍ اخلاط بالفارسية آميختها. جمع مشج كسبب او كتف على لغتيه او مشيج من مشجت الشيء إذا خلطته وصف النطفة بالجمع مع افرادها لما ان المراد بها مجموع الماءين يختلطان فى الرحم ولكل منهما أوصاف مختلفة من اللون والرقة والغلظ وخواص متباينة فان ماء الرجل ابيض غليظ فيه قوة العقد وماء المرأة اصفر
رقيق فيه قوة الانعقاد فيخلق منهما الولد فأيهما علا صاحبه كان الشبه له وما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة على ما روى فى المرفوع وفى الخبر ما من مولود الا وقد ذر على نطفته من تربة حفرته كل واحد منهما مشيج بالآخر وقال الحسن رحمه الله نطفة مشيجة بدم وهو دم الحيض فاذا حبلت ارتفع الحيض واليه ذهب صاحب القاموس حيث قال ونطفة أمشاج مختلطة بماء المرأة ودمها انتهى فيكون النطفتان ودمها جمعا وقال الراغب هو عبارة عما جعل الله بالنطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة الآية انتهى فيكون معنى أمشاج ألوان وأطوار على ما قال قتادة وفى التأويلات النجمية اى من نطفة قوة القابلية الممتشجة المختلطة بنطفة قوة الفاعلية اى خلقناه من نطفة الفيض الأقدس المتعلق بالفاعل ونطفة الفيض المقدس المتعلق بالقابل فالفيض الأقدس الذاتي بمنزلة ماء الرجل والفيض المقدس الاسمائى بمنزلة ماء المرأة نَبْتَلِيهِ حال مقدرة من فاعل خلقنا اى مريدين ابتلاءه واختباره بالتكليف فيما سيأتى ليتعلق علمنا بأحواله تفصيلا فى العين بعد تعلقه بها اجمالا فى العلم وليظهر احوال بعضهم لبعض من القبول والرد والسعادة والشقاوة فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية ومشاهدة الآيات التكوينية فهو كالمسبب عن الابتلاء اى عن إرادته فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء كأنه قيل انا خلقناه مريدين تكليفه فأعطيناه ما يصح معه التكليف والابتلاء وهو السمع والبصر وسائر آلات التفهيم والتمييز وطوى ذكر العقل لان المراد ذكر ما هو من أسبابه والآلة التي بها يستكمل فطريقه الاول لاكثر الخلق من السعداء السمع ثم البصر ثم تفهم العقل وفى اختيار صيغة المبالغة اشارة الى كمال إحسانه اليه وتمام انعامه وبصيرا مفعول ثان بعد ثان لجعلناه وفى التأويلات النجمية فجعلناه سميعا جميع المسموعات بصيرا جميع المبصرات كما قال كنت سمعه وبصره فبى يسمع وبي يبصر فلا يفوته شىء من المسموعات ولا من المبصرات فافهم جدا يا مسكين وقال أبو عثمان المغربي قدس سره ابتلى الله الخلق بتسعة أمشاج ثلاث فتانات هى سمعه وبصره ولسانه وثلاث كافرات هى نفسه وهواه وعدوه الشيطان وثلاث مؤمنات هى عقله وروحه وقلبه فاذا أيد الله العبد بالمعونة قهر العقل على

صفحة رقم 260
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية