
«وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً».
قاسيا، منتشرا، ممتدا.
«وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» أي: على حبّهم للطعام لحاجتهم إليه. ويقال: على حبّ الله، ولذلك يطعمون.
ويقال: على حبّ الإطعام.
وجاء في التفسير: أن الأسير كان كافرا- لأنّ المسلم ما كان يستأسر في عهده- فطاف على بيت فاطمة رضى الله عنها «١» وقال: تأسروننا ولا تطعموننا «٢» ! «إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً» إنما نطعمكم ابتغاء مرضاة الله، لا نريد من قبلكم جزاء ولا شكرا.
ويقال: إنهم لم يذكروا هذا بألسنتهم، ولكن كان ذلك بضمائرهم.
«إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً» أي: يوم القيامة
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ١١ الى ١٧]
فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥)
قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧)
(٢) قال الأسير وهو واقف بالباب: «السلام عليكم أهل بيت محمد، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا! أطعمونى فإنى أسير محمد». فأعطوه الطعام ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح.. حتى لصق بطن فاطمة بظهرها وغارت عيناها من شدة الجوع». فلما رآها النبي (ص) وعرف المجاعة في وجهها بكى وقال:
«واغوثاه يا ألله! أهل بيت محمد يموتون جوعا» فنزلت الآية. ولكن بعض رجال الحديث يطعنون في هذا الخبر.
يقول الترمذي الحكيم في نوادر الأصول: «هو حديث مزوق مزيف لأن الله تعالى يقول: يسألونك ماذا ينفقون قل العفو»، والنبي يقول: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى».

«وَلَقَّاهُمْ» أي: أعطاهم «نَضْرَةً وَسُرُوراً».
«وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً» كافأهم على ما صبروا من الجوع ومقاساته جنّة وحريرا «مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ» واحدها أريكة، وهي السرير في الحجال «١».
«لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً» أي: لا يتأذّون فيها بحرّ ولا برد.
«وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا» يتمكنون من قطافها على الوجه الذي هم فيه من غير مشقة فإن كانوا قعودا تدّلى لهم، وإن كانوا قياما- وهي على الأرض- ارتقت إليهم.
«وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ» الاسم فضة، والعين لا تشبه العين «٢» «وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً» أي: فى صفاء القوارير وبياض الفضة.. قدّر ذلك على مقدار إرادتهم.
«وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا» المقصود منه الطّيب، فقد كانوا (أي العرب) يستطيبون الزنجبيل، ويستلذون نكهته،
(٢) من هذا يتضح أن القشيري برى أن الجنة وصفت بما يمكن أن يكون منتهى تصوراتهم الدنيوية لمجالات النعمة... فالألفاظ هي الألفاظ ولكن الحقائق شىء آخر.