
قوله: ﴿بَصِيرَةٌ﴾ : يجوزُ فيها أوجهٌ، أحدُها: أنَّها
صفحة رقم 570
خبرٌ عن «الإِنسانُ» و «على نفسِه» متعلِّقٌ ب «بَصيرةٌ» والمعنى: بل الإِنسانُ بَصيرةٌ على نفسِه، وعلى هذا فلأيِّ شيءٍ أُنِّث الخبرُ؟ وقد اختلف النَّحْويون في ذلك، فقال بعضهم: الهاءُ فيه للمبالغةِ. وقال الأخفش: «هو كقولِك: فلانٌ عِبْرَةٌ وحُجَّةٌ». وقيل: المرادُ بالإِنسان الجوارِحُ، فكأنَّه قال: بل جوارِحُه بصيرة أي: شاهدةٌ. والثاني: أنها مبتدأٌ، و «على نفسِه» خبرُها. والجملةُ خبرٌ عن «الإِنسانُ»، وعلى هذا ففيها تأويلاتٌ أحدُها: أنْ يكونَ «بصيرةٌ» صفةً لمحذوفٍ أي: عينٌ بصيرةٌ، قاله الفراء. وأنشد:
٤٤١٣ - كأن على ذي العقْل عَيْناً بَصيرةً | بمَقْعَدِه أو مَنْظَرٍ هو ناظرُهْ |
يُحاذِرُ حتى يَحْسَبَ الناسَ كلَّهمْ | من الخوف لا تَخْفَى عليهمْ سرائِرُهْ |

فنسبةُ الإِبصارِ إليها حقيقةٌ. الثالث من الأوجه السابقة: أَنْ يكونَ الخبرُ الجارَّ والمجرورَ، و» بصيرةٌ «فاعلٌ به، وهو أرجحُ مِمَّا قبلَه لأنَّ الأصلَ في الإِخبارِ الإِفرادُ.
صفحة رقم 572