آيات من القرآن الكريم

يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ
ﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲ ﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔ

يقدم قبائحه وإذا كان كذلك فدعه ولا تعنفه، وأنى يسمع منك فيرتدع وينزجر وهو يريد الإدمان على الفجور حالا ومستقبلا ولا يريد أن يتوب أو ينزع هما هو عليه ومعنى الفجور في
الأصل الميل وسمي الكافر فاجرا لميله عن الحق وكذا الفاسق «يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ ٦» إلى متى يكون استبعادا له فقل له يا حبيبي يكون ذلك لا محالة «فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ ٧» شخص عند الموت لما يشاهد من أهواله وعجائبه قال ذو الرمة: ولو أن لقمان الحكيم تعرضت لعينيه ميّ سافرا كاد يبرق وقرىء برق بكسر الراء أي دهش من شدة الفزع «وَخَسَفَ الْقَمَرُ ٨» ذهب ضوءه بحيلولة الأرض ما بينه وبين الشمس وكذلك كسوف الشمس يكون بحيلولة الأرض بينهما وبين ما تشرق عليه منها. هذا في الدنيا أما بالآخرة وهو المراد هنا فيذهب ضوءه وضوءها ويسقطان يدل عليه قوله «وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ٩» بطلوعهما معا من جهة المغرب وذهاب نورهما ثم يسقطان كسائر الكواكب راجع أول سورة التكوير المارة وللبحث صلة في سورتي الانفطار والانشقاق في ج ٢، وهذا لا يكون بالحيلولة كما يقوله الفلكيون ولا شيء آخر مما يقوله علماء الهيئة حيث تضمحل هناك المعارف والعوارف أما ما قاله الملاحون ان خسوف القمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر فهو انكار لقدرة الله القادر أن يجعله منخسفا سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس أو لم تكن لأن الأجسام متماثلة فيصح على كل منها ما يصح على الآخر، والله قادر على كل الممكنات والمستحيلات، ومن جملة قدرته إزالة ضوء القمر في كل حال، ولهذا لما كسفت الشمس يوم موت إبراهيم، وقال الناس إنها كسفت لأجله لأنهم يزعمون أنها تنكسف لموت عظيم، أو لأمر عظيم وحادث خطير، قال صلّى الله عليه وسلم: إنهما- أي الشمس والقمر- لا ينكسفان لموت أحد أو حياته، وإنهما آيتان يخوّف الله بهما عباده، الحديث. قال تعالى واصفا ذلك الوقت العصيب الذي يحار فيه اللبيب، ويذهل عنه البعيد والقريب «يَقُولُ الْإِنْسانُ» المكذب لذلك «يَوْمَئِذٍ» يوم وقوع هذه الأشياء «أَيْنَ الْمَفَرُّ» والمهرب والمخلص من هذا فيقال
«كَلَّا» انزجر وارتدع «لا وَزَرَ ١١» لا ملجأ

صفحة رقم 240

يلجأ إليه ولا واق يقي منه راجع الآية (٢٠) من سورة ابراهيم في ج ٢ تجد ما يتعلق بهذا، واعلم أن الوزر هو الجبل المنيع، وكل ما يتحصّن به ويلجأ إليه.
قال كعب بن مالك:

الناس آلت علينا ليس فيك لنا إلا السيوف وأطراف القنا وزر
وقال الآخر:
لعمرك ما يلقى من وزر من الموت يدركه والكبر
وكانوا إذا فزعوا من شيء يلجأون إلى الجبال ولذلك قال ابن نوح عليه السلام:
(سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) الآية ٤٣ من سورة هود، في ج ٢، فتقدم الله تعالى لهؤلاء بما يقطع أملهم بأن لا شيء هناك يعصبهم من عذاب الله إلا هو، ولهذا قال «إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ١٢»
، أي يكون قرار خلقه يوم فرارهم إليه، وخلاصهم منوط به وحده، لا يشاركه أحد، وهو إما إلى الجنة أو النار لا توسط بينهما، أما أهل الأعراف فسيأتي بيانهم في الآية ٤٦ من سورتهم الآتية، قال تعالى حينذاك «يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ»
يوم الحساب والجزاء «بِما قَدَّمَ»
من أعماله الحسنة والسيئة «وَأَخَّرَ ١٣»
من آثاره كسنة حسنة سنّها أو وصية خير أوصى بها أو وقف، أوقفه في دنياه، فيفهم هل أراد به وجه الله تعالى، فإن كان فيوضع في جملة أعماله الصالحة، وإلا فإن كانت النيّة سيئة والوصية لحب المال، أو كراهية بالورثة أو رياء، فيكون في جملة أعماله الطالحة، ومما يعد مؤخر الولد ان كان صالحا انتفع به وإلا لا، ومما يدل على حسن النية وسوئها قوله عز قوله «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ»
وكافة جوارحه «بَصِيرَةٌ ١٤»
شاهد لا يحتاج إلى الإشهاد عليه، فهو يعلم مغزى ما يفعل وما يقدم وما يؤخر، والهاء في بصيرة للمبالغة كعلامة وشهامة فالسمع يشهد بما سمع، والبصر بما ابصر، واليد بما بطشت، والرجل بما مشت، والأنف بما شم، والفم بما ذاق وتكلم، وهكذا فلا يظن انه ينجو إذا كان عمله لغير الله «وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ١٥»
كلها بأنواعها وأجناسها فلا ينفعه ذلك لأن شاهده من نفسه قال تعالى «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ» الآية ٢٤ من ت (١٦)

صفحة رقم 241

سورة النور في ج ٣ ومثلها في فصلت الآية ٢٢ في ج ٢ وقال تعالى «كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» الآية ١٤ من الإسراء الآتية وانشد الفراء بما يلائم هذا:

كأن على ذي العقل عينا بصيرة بمجلسه أو منظر هو ناظره
يحاذر حتى يحسب الناس كلهم من الخوف لا يخفى عليه سرائره
وفسر بعضهم المعاذير بالستور وعليه يكون المعنى ولو أرخى ستوره عند ارتكاب المعاصي لئلا يراه أحد فالله يراه وتشهد عليه جوارحه وجاء العذار بمعنى الستر، ومنه سمى الشعر الثابت ما بين الأذن والوجه عذار، ومنه عذار الفرس فانه يستر جزءا من وجهها والأول أولى وأنسب بالمقام، ثم التفت جل شأنه يخاطب رسوله بما يراه يعالجه حين تلقى الوحي فقال «لا تُحَرِّكْ بِهِ»
أي القرآن حينما تتلقاه من جبريل «لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ١٦»
وتسيء تلاوته على اثر فراغك من سماعه لتوقره في صدرك خشية نسيأنه كلا لا تخف هذا «إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ»
وإثباته في لبّك الآن وفي المصاحف بعد، حتى لا يفلت منه حرف «وَقُرْآنَهُ ١٧»
وعلينا وبكفالتنا قراءته بلسانك على قومك وان يقرأه من بعدك الى قرب أن نرث الأرض ومن عليها «فَإِذا قَرَأْناهُ»
عليك يا حبيبي بواسطة أميننا جبريل «فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ١٨»
قراءته واستمع لها وأنصت فهذا الذي عليك «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ١٩» لك وان كان صلّى الله عليه وسلم في بدء الوحي يحفظ ما ينزل عليه، الخمس آيات والأقل والأكثر ولما حمي الوحي احتاج إلى شدة اجتهاد به حرصا على ان لا ينسى منه شيئا، وكان لشدة حرصه على وحي ربه حال سماعه يتلوه اثر سماعه وإذا أشكل عليه شيء سأل جبريل عنه فقال له ربه لا تتعب نفسك بشيء تكفلنا لك بحفظه وبيان ما فيه من أحكام وحلال وحرام، هذا (وقرآنه) في الآيتين بمعنى القراءة وهي لغة معروفة عند العرب قال
ضحوا بأشمط غوان السجود له يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة. روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال كان صلّى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان مما يحرك شفتيه. قال ابن جبير قال ابن عباس أنا أحركهما كما كان صلّى الله عليه وسلم يحرك شفتيه فحرك شفتيه فأنزل الله هذه الآية، وكان بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق قرأه

صفحة رقم 242
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية