آيات من القرآن الكريم

بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَىٰ صُحُفًا مُنَشَّرَةً
ﯥﯦ ﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲ ﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋ ﰍﰎ ﰐﰑﰒﰓ ﰕﰖﰗﰘﰙ ﰛﰜﰝﰞ ﰠﰡﰢﰣ ﰥﰦﰧﰨ ﰪﰫﰬ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

بابل: إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ يعني: ما هذا القرآن إلا قول الآدمي قال الله تعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ يعني: سأدخله سقر قال مقاتل: يعني: الباب الخامس وقال الكلبي: هو اسم من أسماء النار وَما أَدْراكَ مَا سَقَرُ تعظيماً لأمرها ثم بين قال: لاَ تُبْقِي وَلا تَذَرُ يعني: لا تبقي لحماً إلا أكلته ولا تذرهم إذا أعيدوا فيها خلقاً جديداً، ويقال: لا تبقى ولا تذر يعني: لا تميت ولا تحيي، ويقال: لا تبقى اللحم ولا العظم ولا الجلد إلا أحرقته ولا تذر لحماً ولا عظماً ولا جلداً أي: تدعه محرقاً بل تجده خلقاً جديدا ثم قال عز وجل: لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ يعني: حراقة للأجساد شواهة للوجوه نزاعة للأعضاء وأصله في اللغة التسويد ويقال: لاحته الشمس إذا غيرته وذلك أن الشيء إذا كان فيه دسومة فإذا أحرق اسود ثم قال: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ يعني:
على النار تسعة عشر من الملائكة مسلطون من رؤساء الخزنة وأما الزبانية فلا يحصى عددهم كما قال في سياق الآية: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ. وإنما أراد تسعة عشر ملكاً ومعهم ثمانية عشر أعينهم كالبرق الخاطف ويخرج لهب النار من أفواههم فنزعت عنهم الرأفة غضاب على أهلها يدفع أحدهم سبعين ألفاً فلما نزلت هذه الآية قال الوليد بن المغيرة لعنه الله: أنا أكفيكم خمسة وكل ابن لي يكفي واحداً منهم وسائر أهل مكة يكفي أربعة منهم وقال رجل من المشركين وكان له قوة وأنا أكفيكموهم وحدي أدفع عشرة بمنكبي هذا وتسعة بمنكبي الأيسر فألقيهم في النار حتى يحترقوا وتجوزون حتى تدخلون الجنة فنزلت هذه الآية وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً يعني: ما سلطنا أعوان النار إلا ملائكة زبانية غلاظ شداد لا يغلبهم أحد وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ يعني: ما ذكرنا قلة عددهم وهم تسعة عشر إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعني: بلية لهم لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وذلك أن أهل الكتاب وجدوا في كتابهم أن مالكاً رئيسهم وثمانية عشر من الرؤساء فبين لهم أنما يقوله النبيّ صلّى الله عليه وسلم يقوله: بالوحي وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً يعني: تصديقاً وعلماً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يعني: يعلموا أنه حق وعدتهم كذلك وَالْمُؤْمِنُونَ أيضاً لا يشكون في ذلك وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني: المنافقين وَالْكافِرُونَ يعني: المشركين مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يعني: بذكر خزنة جهنم تسعة عشر يقول الله تعالى: كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ يعني: يخذله ولا يؤمن به أمناً له وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ يعني: يوفقه لذلك وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ يعني: من يعلم قوة جنود ربك وكثرتها إلا هو يعني: الله تعالى ويقال: وما يعلم يعني: لا يعلم عدد جموع ربك إلا الله تعالى: وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ يعني: الدلائل والحجج في القرآن ويقال: ما هي يعني: القرآن ويقال: وما هي يعني: سقر إلا ذكرى للبشر يعني: عظه للخلق ثم أقسم الله تعالى لأجل سقر.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٣٢ الى ٥٦]
كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦)
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١)
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١)
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لاَّ يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦)

صفحة رقم 517

فقال: كَلَّا رداً عليهم وَالْقَمَرِ يعني: وخالق القمر وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ يعني: ذهب أقسم بخالق الليل وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ أقسم بخالق الصبح إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ يعني: سقر إحدى الكبر العظام وباب من أبواب النار قرأ نافع وحمزة وعاصم في رواية حفص والليل إذ بغير ألف أدبر بالألف والباقون إذا بالألف دبر بغير ألف وهما لغتان ومعناهما واحد دبر وأدبر ويقال دبر النهار وأدبر ودبر الليل وأدبر وقال مجاهد: سألت ابن عباس عن قوله وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ فسكت حتى إذا كان آخر الليل قال يا مجاهد هذا حين دبر الليل ويقال: الليل إذا أدبر يعني: إذا جاء بعد النهار والصبح. إذا أسفر يعني: استضاء بأنها أي: سقر لإحدى الكبر يعني: أن سقر لأعظم درجات في النار نَذِيراً لِلْبَشَرِ يعني: محمداً صلّى الله عليه وسلم نذيراً للخلق وإنما صار نعتاً لأنه معناه تم نذيراً للبشر، ويقال: إن العذاب الذي ذكر نذيراً للبشر قوله تعالى:
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ يعني: يتقدم في الخير أو يتأخر إلى المعصية فبينا لكم فهذا وعيد لكم لمن شاء منكم أن يتقدم إلى الطاعة أو يتأخر إلى المعصية كقوله: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: ٢٩] ويقال: معناه: لمن شاء منكم أن يتقدم إلى التوبة فليوحد أو يتأخر عن التوبة فليقم على الكفر يعني: نذيراً لمن شاء. ثم قال: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ يعني: كل كافر مرتهن بعمله إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ يعني: لكن أصحاب اليمين فإنهم ليسوا مرتهنين بعملهم يعني: الذين أعطوا كتابهم بأيمانهم ويقال: هم الذين عن يمين العرش، ويقال: كل نفس بما كسبت رهينة عند المحاسبة إلا أصحاب اليمين قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هم أطفال المسلمين يعني: ليس عليهم حساب لأنهم لم يعملوا شيئاً ثم قال:
فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ يعني: إنهم في بساتين يتساءلون عَنِ الْمُجْرِمِينَ يعني: يرون أهل

صفحة رقم 518

النار يسألونهم مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ يعني: ما الذي أدخلكم في سقر فأجابهم أهل النار:
قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ يعني: لم نك نقر بالصلاة ولم نؤدها وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ يعني: كنا لا نقر بالفرائض والزكاة ولا نؤديها. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ يعني: كنا نستهزئ بالمسلمين ونخوض بالباطل ونرد الحق مع المبطلين المستهزئين وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ يعني: بيوم الحساب حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ يعني: الموت والقيامة قوله تعالى: فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ يعني: لا يسألهم شفاعة الأنبياء وشفاعة الملائكة فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ فما للمشركين يعرضون عن القرآن والتوحيد كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ يشبههم بالحمر الوحشية المذعورة حين فروا من القرآن وكذبوا به قرأ نافع وابن عامر مستنفرة بنصب الفاء والباقون بالكسر فمن قرأ بالنصب فمعناه منفرة فإن الصائد نفرها ومن قرأ بالكسر ومعناه نافرة ويقال: نفر واستنفر بمعنى واحد ثم قال: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: يعني: الأسد وقال سعيد بن جبير رضي الله عنهم القناص يعني: الصيادين وقال قتادة:
القسورة النبل يعني: الرمي بالسهام وهو حس الناس وأصواتهم ثم قال عز وجل: بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يعني: أهل مكة أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً وذلك أن كفار مكة قالوا إن الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ذنباً يصبح وذنبه وكفارته مكتوب عند رأسه فهل ترينا مثل ذلك إن كنت رسولا فنزل بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً يعني: صحفاً مكتوب فيها جرمه وتوبته ويقال: نزلت في شأن عبد الله بن أمية المخزومي حين قال: لن نؤمن حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قال الله تعالى: كَلَّا يعني: هذا لا يكون لهم أبداً ثم ابتداء فقال:
بَلْ لاَّ يَخافُونَ الْآخِرَةَ يعني: البعث يعني: لكن لا يخافون عذاب الآخرة كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ يعني: حقاً إن القرآن عظة للخلق فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ يعني: من شاء أن يتعظ به فليتعظ وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ يعني: إلا أن يشاء اللَّهُ لهم، ويقال إلا أن يشاء الله منهم قرأ نافع وما تَذَكَّرُونَ بالتاء على معنى المخاطبة والباقون بالياء على معنى الخبر عنهم ثم قال عز وجل:
هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ يعني: هو أهل أن يتقي ولا يشرك به ويوحد ولا يعصى وأهل المغفرة يعني: هو أهل أن يغفر لمن أطاعه ولا يشرك ويقال: هو أهل أن يتقي وأهل المغفرة لمن اتقى والله الموفق.

صفحة رقم 519
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية