آيات من القرآن الكريم

وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ
ﯔﯕ

سَائِلًا سَأَلَ وَقَالَ: بِمَاذَا يُنْذِرُ؟ فَقَالَ: أَنْ يُكَبِّرَ رَبَّهُ عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ وَمُشَابَهَةِ الممكنات والمحدثات، ونظير قَوْلُهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ [النَّحْلِ: ٢] وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةِ تَنْزِيهِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّعَوَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَكَبِّرْ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْمَوْصِلِيُّ: يُقَالُ: زَيْدًا فَاضْرِبْ، وَعَمْرًا فَاشْكُرْ، وَتَقْدِيرُهُ زَيْدًا اضْرِبْ وَعَمْرًا اشْكُرْ، فَعِنْدَهُ أَنَّ الْفَاءَ زَائِدَةٌ وَثَانِيهَا: قَالَ الزَّجَّاجُ: دَخَلَتِ الْفَاءُ لِإِفَادَةِ مَعْنَى الْجَزَائِيَّةِ، وَالْمَعْنَى: قُمْ فَكَبِّرْ رَبَّكَ وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَثَالِثُهَا: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْفَاءُ لِإِفَادَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَأَيُّ شيء كان فلا تدع تكبيره.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٤]
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤)
اعلم أَنَّ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْآيَةِ يَقَعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنْ يُتْرَكَ لَفْظُ الثِّيَابِ وَالتَّطْهِيرِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالثَّانِي:
أَنْ يُتْرَكَ لَفْظُ الثِّيَابِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَيُحْمَلُ لَفْظُ التَّطْهِيرِ عَلَى مَجَازِهِ الثَّالِثُ: أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ الثِّيَابِ عَلَى مَجَازِهِ، وَيُتْرَكَ لَفْظُ التَّطْهِيرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالرَّابِعُ: أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظَانِ عَلَى الْمَجَازِ أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يُتْرَكَ لَفْظُ الثِّيَابِ، وَلَفْظُ التَّطْهِيرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَهُوَ أَنْ نَقُولَ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَمَرَ بِتَطْهِيرِ ثِيَابِهِ مِنَ الْأَنْجَاسِ وَالْأَقْذَارِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَظْهَرُ فِي الْآيَةِ ثَلَاثَةُ احْتِمَالَاتٍ أَحَدُهَا: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجُوزُ إِلَّا فِي ثِيَابٍ طَاهِرَةٍ مِنَ الْأَنْجَاسِ وَثَانِيهَا: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ مَا كَانُوا يَصُونُونَ ثِيَابَهُمْ عَنِ النَّجَاسَاتِ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَصُونَ ثِيَابَهُ عَنِ النَّجَاسَاتِ وَثَالِثُهَا:
رُوِيَ أَنَّهُمْ أَلْقَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَى شَاةٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِ وَرَجَعَ إِلَى/ بَيْتِهِ حَزِينًا وتدثر بثيابه،
فقيل: يا أيها الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَلَا تَمْنَعْكَ تِلْكَ السَّفَاهَةُ عَنِ الْإِنْذَارِ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عَنْ أَنْ لَا يَنْتَقِمَ مِنْهُمْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ عَنْ تِلْكَ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ، الِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ يَبْقَى لَفْظُ الثِّيَابِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَيُجْعَلُ لَفْظُ التَّطْهِيرِ عَلَى مَجَازِهِ، فهنا قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: فَطَهِّرْ أَيْ فَقَصِّرْ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُطَوِّلُونَ ثِيَابَهُمْ وَيَجُرُّونَ أَذْيَالَهُمْ فَكَانَتْ ثِيَابُهُمْ تَتَنَجَّسُ، وَلِأَنَّ تَطْوِيلَ الذَّيْلِ إِنَّمَا يُفْعَلُ لِلْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِ، فَنَهَى الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ الثَّانِي:
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ أَيْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الثِّيَابُ الَّتِي تَلْبَسُهَا مُطَهَّرَةً عَنْ أَنْ تَكُونَ مَغْصُوبَةً أَوْ مُحَرَّمَةً، بَلْ تَكُونُ مُكْتَسَبَةً مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ، الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبْقَى لَفْظُ التَّطْهِيرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَيُحْمَلُ لَفْظُ الثِّيَابِ عَلَى مَجَازِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ الثِّيَابِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا كَانُوا يَتَنَظَّفُونَ وَقْتَ الِاسْتِنْجَاءِ، فَأَمَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِذَلِكَ التَّنْظِيفِ وَقَدْ يُجْعَلُ لَفْظُ الثِّيَابِ كِنَايَةً عَنِ النَّفْسِ.
قَالَ عَنْتَرَةُ:
فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الْأَصَمِّ ثِيَابَهُ
(أَيْ نَفْسَهُ) وَلِهَذَا قَالَ:
لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحَرَّمٍ
الِاحْتِمَالُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ الثِّيَابِ، وَلَفْظُ التَّطْهِيرِ عَلَى الْمَجَازِ، وَذَكَرُوا عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ: وَقَلْبَكَ فَطَهِّرْ عَنِ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ وَعَنِ الْحَسَنِ: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ

صفحة رقم 698
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية