آيات من القرآن الكريم

قُمْ فَأَنْذِرْ
ﮭﮮ ﮰﮱ

لَسَاحِرٌ، فَوَقَعَتِ الضَّجَّةُ فِي النَّاسِ أَنَّ مُحَمَّدًا سَاحِرٌ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ مَحْزُونًا فَتَدَثَّرَ بِثَوْبِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ نَائِمًا مُتَدَثِّرًا بِثِيَابِهِ، فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام وأيقظه، وقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ كَأَنَّهُ قَالَ: لَهُ اتْرُكِ التَّدَثُّرَ بِالثِّيَابِ وَالنَّوْمَ، وَاشْتَغِلْ بِهَذَا الْمَنْصِبِ الَّذِي نَصَّبَكَ اللَّهُ لَهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْمُدَّثِّرُ، الْمُتَدَثِّرَ بِالثِّيَابِ، وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ مُتَدَثِّرًا بِدِثَارِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَلْبَسَهُ اللَّهُ لِبَاسَ التَّقْوَى وَزَيَّنَهُ بِرِدَاءِ الْعِلْمِ، وَيُقَالُ: تلبس فلان بأمر كذا، فالمراد يا أيها الْمُدَّثِّرُ بِدِثَارِ النُّبُوَّةِ قُمْ فَأَنْذِرْ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُتَدَثِّرَ بِالثَّوْبِ يَكُونُ كَالْمُخْتَفِي فِيهِ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي جَبَلِ حِرَاءٍ كَانَ كَالْمُخْتَفِي مِنَ النَّاسِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: يَا أَيُّهَا الْمُتَدَثِّرُ بِدِثَارِ الْخُمُولِ وَالِاخْتِفَاءِ، قُمْ بِهَذَا الْأَمْرِ وَاخْرُجْ مِنْ زَاوِيَةِ الْخُمُولِ، وَاشْتَغِلْ بِإِنْذَارِ الْخَلْقِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ بِأَثْوَابِ الْعِلْمِ الْعَظِيمِ، وَالْخُلُقِ الْكَرِيمِ، وَالرَّحْمَةِ الْكَامِلَةِ قُمْ فَأَنْذِرْ عَذَابَ رَبِّكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: عن عكرمة أنه قرئ عَلَى لَفْظِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ دَثَّرَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: دَثَّرْتُ هَذَا الْأَمْرَ وَعَصَيْتُ بِهِ، وقد سبق نظيره في المزمل.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٢]
قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)
في قوله: قُمْ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: قُمْ مِنْ مَضْجَعِكَ وَالثَّانِي: قُمْ قِيَامَ عَزْمٍ وَتَصْمِيمٍ، وَفِي قَوْلِهِ: فَأَنْذِرْ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: حَذِّرْ قَوْمَكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُمْ نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ تعالى: وَأَنْذِرْ [الأنعام: ٥١] وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سَبَأٍ: ٢٨] وهاهنا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ فَاشْتَغِلْ بِفِعْلِ الْإِنْذَارِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَهُ تَهَيَّأْ لِهَذِهِ الْحِرْفَةِ، فَإِنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يُقَالَ تَعَلَّمْ صَنْعَةَ الْمُنَاظَرَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَالَ: نَاظِرْ زَيْدًا.
[سورة المدثر (٧٤) : آية ٣]
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ التَّكْبِيرِ وُجُوهًا أَحَدُهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ: عَظِّمْ رَبَّكَ/ مِمَّا يَقُولُهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَثَانِيهَا: قَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَكْبَرُ،
رُوِي أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، فَكَبَّرَتْ خَدِيجَةُ وَفَرِحَتْ، وَعَلِمَتْ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ»
وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ مِنْهُ التَّكْبِيرُ فِي الصَّلَوَاتِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ فِي أَوَّلِ الْبَعْثِ وَمَا كَانَتِ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قُلْنَا: لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَوَاتٌ تَطَوُّعِيَّةٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُكَبِّرَ رَبَّهُ فِيهَا وَرَابِعُهَا: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ: قُمْ فَأَنْذِرْ قِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ عَنِ اللَّغْوِ وَالْعَبَثِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَا أَمَرَكَ بِهَذَا الْإِنْذَارِ إِلَّا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، وَمُهِمَّاتٍ عَظِيمَةٍ، لَا يَجُوزُ لَكَ الْإِخْلَالُ بِهَا، فَقَوْلُهُ:
وَرَبَّكَ كَالتَّأْكِيدِ فِي تَقْرِيرِ قَوْلِهِ: قُمْ فَأَنْذِرْ وَخَامِسُهَا: عِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بالإنذار، فكأن

صفحة رقم 697
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية