آيات من القرآن الكريم

إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ
ﰐﰑﰒ

(ونحو هذا روى عطاء عن ابن عباس (١)) (٢)، وهو قول أبي سعيد الخدري (٣)، ومقاتل (٤).
وقال أهل المعاني: سأحمله على مشقة من العذاب (٥) مثل قوله: ﴿يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧]، و"صعودًا" من قولهم: عقبة صعود وكؤود (٦)، أي شاقة المصعد (٧). وهذا وعيد له، وإخبار عما يصنع الله به في الآخرة.
١٨ - قوله: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ يقال: فكر في الأمر، وتفكر، إذا نظر فيه وتدبر (٨)، ومثله: "قدر".
وذلك أن الوليد مر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ قوله: ﴿حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ إلى قوله: ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر: ١ - ٣]، فسمعها الوليد، فلما رجع إلى قومه قال لهم: والله لقد سمعت من محمد

(١) لم أعثر على مصدر لما ذكره.
(٢) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٣) ورد قوله في: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٢. كما روي عنه مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمعناه، رواه عنه الحاكم في "المستدرك" ٢/ ٥٠٧. في التفسير: باب سورة المدثر، وصححه، ووافقه الذهبي، والإمام أحمد ٣/ ٧٥، ورواه الطبراني في الأوسط، وفيه عطية، وهو ضعيف انظر. "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣١.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ.
(٥) وهو قول الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦، وقال به أيضًا الليث، انظر مادة: (صعد) في "تهذيب اللغة" ٢/ ٩.
(٦) في (أ): كؤود وصعود.
(٧) انظر مادة: (صعد) في: "تهذيب اللغة" ٦/ ٩، و"لسان العرب" ٣/ ٢٥١.
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" ١٠/ ٢٠٤ مادة: (فكر).

صفحة رقم 425

آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام (١) الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (٢)، وإنه ليعلو (٣)، وما يعلى. فقالت قريش: صبأ (٤) الوليد، والله لتصبون قريش كلها، فقال أبو جهل -لعنه الله-: أنا أكفيكموه، فانطلق حتى دخل عليه. هذا قول مقاتل (٥)، وعكرمة (٦).
وقال الكلبي: كان الوليد بن المغيرة قال لرؤساء مكة: إن الناس مجتمعون بالموسم غدًا، وقد فشا أمر هذا الرجل (٧) في الناس، وهم سائلوكم عنه، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نقول: إنه مجنون، قال لهم: إذًا

(١) قوله: ولا من كلام: بياض في (ع).
(٢) الطَّلاَوَة: الحسن والقبول، يقال: ما عليه طلاَوَة. "الصحاح" ٦/ ٢٤١٤ مادة: (طلا).
(٣) ليعلوا: هكذا وردت في النسختين.
(٤) صبأ: أي خرج من دين إلى دين، وهذا القول كان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قد صبأ. أي خرج من دين إلى دين. "تهذيب اللغة" ١٢/ ٢٥٧ (صبأ).
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) تفسير عبد الرزاق: ٢/ ٣٢٨، "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٦ بمعناه، و"ابن كثير" ٤/ ٤٧٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٠ وعزاه إلى أبي نعيم في "الحلية" وابن المنذر.
كما وردت رواية عكرمة من طريقه إلى ابن عباس في "المستدرك" ٢/ ٥٥٦، في التفسير باب تفسير سورة المدثر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وانظر رواية عكرمة عن ابن عباس أيضًا في: "أسباب النزول" للواحدي: تح أيمن شعبان: ٣٨١، و"لباب النقول" للسيوطي: ٢٢٣، و"جامع البيان" ٢٩/ ١٥٦.
وعن مجاهد في: "جامع النقول في أسباب النزول" ٢/ ٣٢٣.
ورواه الطبراني مختصرًا، وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك. انظر: "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣١، وانظر: "لباب النقول" مرجع السابق.
(٧) بياض في (ع).

صفحة رقم 426

يخاطبونه فيعلمون أنه غير مجنون، قالوا (١): فنقول: إنه شاعر. قال: هم العرب يعلمون الشعر، ويعلمون أن ما أتى به ليس بشعر. قالوا: فنقول: إنه كاهن. قال: إنهم قد لقوا الكهان، فإذا سمعوا قوله لم يجدوه يشبه الكهانة فيكذبونكم، ثم انصرف إلى منزله، فقالوا: صبأ الوليد، فقال ابن أخيه أبو جهل بن هشام بن المغيرة: أنا أكفيكموه، فانطلق حتى دخل عليه محزونًا، فقال: مالك يا ابن أخي؟ فقال: إنك قد صبوت لتصيب من طعام محمد وأصحابه، وهذه (٢) قريش تجمع لك مالاً لتكون عوضًا فيما تقدر أن تأخذ من أصحاب محمد، فقال: والله ما يسمعوني (٣)، فكيف أقدر أن أخذ منهم مالًا؟ ولكني أكثرت حديث النفس في أمر هذا الرجل، وتفكرت في شأنه، فقوله قول ساحر، والذي يأتي به سحر (٤). فذلك قوله: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ﴾، قال ابن عباس: يريد في القرآن (٥).
وقال مقاتل: في محمد، وقدر مع نفسه ماذا يقول له (٦). فأنزل الله تعالى: ﴿فَقُتِلَ﴾ قال ابن عباس (٧)، (ومقاتل (٨)) (٩)، والمفسرون (١٠):

(١) في (أ): قال.
(٢) في (أ): وهذا.
(٣) في (ع): ما يشبهون.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ، وقد ورد مثل قوله من غير عزو في "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٢.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب، ٢١٦/ أ.
(٩) ساقط من: (أ).
(١٠) قال بذلك: الزجاج في: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٦، والسمرقندي في: =

صفحة رقم 427

لُعن؛ وذكرنا ذلك عند قوله: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ (١) و ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة: ٣٠].
قوله تعالى: ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ قال صاحب النظم: يجوز أن يكون هذا منتظمًا بما قبله على معنى: فلعن علي أي حال قدر ما قدر، كما يقال في الكلام: لأقتلنه كيف صنع، أي على أي حال كانت فيه.
ويجوز أن يكون منقطعًا بما قبله مستأنفًا؛ لأنه لما قال: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ﴾، كان هذا تمامًا، ثم قال على الإنكار، والتعجب (٢): ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾، كما تقول (٣) للرجل إذا أتى منكرًا: كيف فعلت هذا (٤).
وقوله: ﴿ثُمَّ قُتِلَ﴾، أي عوقب بعقاب آخر.
﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ في إبطال الحق، تقديرًا آخر. ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾، أي في طلب ما يدفع به القرآن ويرده. قال الكلبي (٥)، ومقاتل (٦): خلا، فنظر، وتفكر فيما

= "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٢، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٢: ٢٠٩/ أ، والبغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٦، وابن الجوزي في: "زاد المسير" ٨/ ١٢٥، والقرطبي في: "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٣.
(١) سورة الذاريات: ١٠، ومما جاء في تفسيرها: قال الواحدي: "قال جماعة المفسرين، وأهل المعاني: لعن الكذابون. قال ابن الأنباري: هذا تعليم لنا الدعاء عليهم، معناه قولوا: إذا دعيتم عليهم: ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)﴾ قال: والقتل إذا أخبر عنه الله به كان بمعنى اللعنة.
(٢) في (ع): التعجيب.
(٣) في (ع): يقال.
(٤) ورد قول صاحب النظم في الوسيط: ٤/ ٣٨٣ إلى قوله: على أي حال كانت فيه.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ، و"النكت والعيون" بمعناه: ٦/ ١٤٢، والعبارة عنه: "إنه نظر إلى الوحي المنزل من القرآن".

صفحة رقم 428

يقول لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والقرآن.
﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ﴾ قال مقاتل: كلح (١) وتغير لونه (٢).
وقال أبو عبيدة: كره وجهه، وأنشد (قول) (٣) توبة (٤)

وقَدْ رَابَني مِنها صُدُودٌ (٥) رَأيْتُهُ وإعْراضُها عَنْ حَاجَتي وبُسُورُها (٦) (٧)
وقال (٨) أبو إسحاق: نظر بكراهة شديدة (٩).
قال الليث: (عَبَس يَعْبِسُ فهو عَابس، إذ قطَّب ما بين عينيه، فإن أبدى (١٠) عن أسنانه في عبوسته، قيل: كلح (١١)) (١٢)، فإن اهتم لذلك
(١) الكلُوح: العبوس، يقال: كَلَحَ الرجل، وأكْلَحَهُ الهمُّ. النهاية في "غريب الحديث" ٤/ ١٩٦.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ.
(٣) ساقطة من: (أ).
(٤) توبة هو: توبة بن الحمير، من بني عُقَيْل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكان شاعرًا لصًّا، واحد عشاق العرب المشهورين. انظر: "الشعر والشعراء" ٢٨٩.
(٥) صدودًا: في كلا النسختين.
(٦) في (أ): نشورها.
(٧) ورد البيت في "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٦، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٤ برواية "صدود"، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٢، و"فتح القدير" ٥/ ٣٢٧، و"الجامع" و"فتح القدير" لم ينسباه.
وكلام أبي عبيدة في: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٥.
(٨) في (أ): قال.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٧ بنصه.
(١٠) في (أ): أبدأ.
(١١) بياض في (ع).
(١٢) ما بين القوسين من كلام الليث. انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١١٥: (عبس) بتصرف.

صفحة رقم 429

وفكر فيه، قيل (١): بسر (٢)، فإن غضب مع (٣) ذلك قيل: بسل (٤).
وقال (٥) الكلبي: مر الوليد على (٦) أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم جلوس (٧)، فقالوا: هل لك إلى خير الإسلام؟ فعبس في وجوههم وبسر، ثم ولى مستكبرًا وقال: ما يقول صاحبكم إلا (٨) سحرًا (٩)، فذلك قوله:
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ (إلى أهله مكذبًا) (١٠). ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ تعظم عن الإيمان.
وقال مقاتل: أدبر عن الإيمان (١١)، وتكبر حين دعي إليه (١٢).
﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا﴾، ما هذا القرآن (١٣) ﴿إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾، يأثره محمد عن مسيلمة (١٤).

(١) بياض في (ع).
(٢) البَسْرُ: القهر، وبسر يبسر بسرًا وبُسُورًا: عبس. وبسر الرجل وجهه بسورًا، أي: كلح. "لسان العرب" ٤/ ٥٨: مادة: (بسر).
(٣) بياض في (ع).
(٤) البسل: الكريه الوجه. انظر: معجم "مقاييس اللغة" ١/ ٢٤٩: مادة: (بسل).
(٥) في (أ): قال.
(٦) قوله: مر الوليد على: بياض في (ع).
(٧) بياض في (ع).
(٨) في (أ): ألا.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(١١) قوله: أدبر عن الإيمان: غير واضحة في (ع).
(١٢) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب. قال: أعرض عن الإيمان.
(١٣) بياض في (ع).
(١٤) روى هذا القول الثعلبي بصيغة "قيل" انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٩/ أ.

صفحة رقم 430

وقال الكلبي: يأثره عن أهل بابل (١) (٢).
قالا (٣): قال الوليد لقومه لما سألوه عن قوله في محمد بعد ما تفكر ونظر: إن محمدًا ساحر، والذي يقوله سحر، ألا ترونه كيف فرق بين فلان وأهله، وبين فلان وابنه وأخيه؟ فذلك قوله: ﴿إنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ وهو من قولهم: أثرت الحديث أثرًا، إذا حدثت به عن قوم في آثارهم، أي: بعد ما ماتوا. هذا هو الأصل، ثم صار بمعنى الرواية عمن كان، والإخبار، ومنه حديث عمر -رضي الله عنه-: "فما حلفت بها ذاكرًا ولا آثرًا" (٤).

(١) لم أعثر على مصدر لقوله. وقد أورده الثعلبي بصيغة "قيل" من غير عزو.
(٢) بابل: مدينة قديمة بأرض الرافدين، كانت قاعدة إمبراطورية بابل، وتقع على الفرات إلى الشمال من المدن التي ازدهرت في جنوب أرض الرافدين منذ الألف الثالثة ق. م. وعند ياقوت الحموي أن بابل اسم ناحية منها: الكوفة، والحِلة؛ ينسب إليها السحر. وقيل: بابل العراق، وقيل غير ذلك.
انظر: "معجم البلدان" ١/ ٣٠٩، و"الموسوعة العربية الميسرة" ١/ ١٩٦.
(٣) لعله أراد مقاتلًا والكلبي.
(٤) ورد قوله في "غريب الحديث" لأبي عبيد ٣/ ٤٢٧ رقم ٥١١، و"غريب الحديث" لابن الجوزي ١/ ١٠، و"الفائق" للزمخشري ١/ ٢٣، و"مسند الإمام أحمد" ١، ٣٦، ج: ١٢/ ٧ - ٨، و"البخاري" ٣/ ٢١٨ ح: ٦٦٤٧: "كتاب الأيمان" باب ٤، و"صحيح مسلم" ١٢٦٦/ ٣ ح: ٢: "كتاب الأيمان" باب ١.
ونص الحديث كما هو عند البخاري: "قال ابن عمر: سمعت عمر يقول: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذاكرًا ولا آثرًا".
ومعنى قوله: "ذاكرًا" أراد متكلمًا به -وليس من الذكر بعد النسيان- وقوله: "ولا آثرًا" يريد مخبرًا عن غيري أنه حلف بقول: لا أقول إن فلانًا قال: وأبي لا أفعل كذا وكذا.
انظر (أثر) في: "تهذيب اللغة" ١٥/ ١٢، و"معجم مقاييس اللغة" ١/ ٥٣ - ٥٤.

صفحة رقم 431

وقال عطاء عن ابن عباس: يؤثر على جميع السحر (١). وعلى هذا هو من الإيثار.
قوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾، يعني مسيلمة، أو أهل بابل في قول الكلبي.
وقال مقاتل: يعني يسارًا أبا فكيهة، قال: هو الذي يأتيه به من مسيلمة (٢).
وقال عطاء: يريد آية (٣) الشعر (٤)، أو المعنى: أنه كلام الإنس، وليس من الله.
قال الله تعالى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ (أي سأدخله النار، وسقر: اسم من أسماء جهنم. لا ينصرف للتعريف والتأنيث) (٥).
قال ابن عباس: وهي الطبق السادس من جهنم (٦).
ثم ذكر عظم (٧) شأن سقر فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ﴾ (تأويله: وما أعلمك أي شيء سقر) (٨).
ثم أخبر عنها تعظيمًا لشدتها فقال: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ﴾

(١) لم أعثر على مصدر لما ذكره.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٥/ ب.
(٣) في (أ): أيمة. لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ما بين القوسين نقله الزجاج من "معاني القرآن وإعرابه" بتصرف: ٥/ ٢٤٧.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) في (ع): عظيم.
(٨) ما بين القوسين نقله بنصه عن الزجاج من: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٧.

صفحة رقم 432

قال عطاء عن ابن عباس: لا تبقيه حتى تصير فحمًا، ثم تعاد خلقًا جديدًا، فلا تذره حتى يعود عليه بأشد مما كانت -هكذا- أبدًا (١).
وقال الكلبي: لا تبقي له لحمًا إلا أكلته، ولا تذرهم (٢) إذا أعيدوا خلقًا جديدًا (٣).
وقال مقاتل: لا تبقي النار عليهم إذا واقعتهم حتى تأكلهم، ولا تذرهم إذا بدلت جلودهم حتى تواقعهم (٤).
وقال الضحاك (٥): إذا أخذت فيهم لم تبق منهم (٦) شيئًا (٧)، وإذا أعيدوا لم تذرهم حتى تفنيهم (٨).
وقال السدي: لا تبقي لهم لحمًا، ولا تذر (٩) لهم عظمًا (١٠).
قوله تعالى (١١): ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾
قال الليث: (لاحه العطش ولوَّحه إذا غيره، والتاح إذا عطش (١٢)،

(١) بمعناه في: "التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٢.
(٢) قوله: إلا أكلته ولا تذرهم: بياض في (ع).
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد أورده الواحدي في الوسيط من غير عزو: ٤/ ٣٨٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ.
(٥) بياض في (ع).
(٦) في (أ): فيهم.
(٧) بياض في: ع.
(٨) ورد قوله في "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٦.
(٩) بياض في (ع).
(١٠) "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٦.
(١١) ساقطة من: (ع).
(١٢) إذا عطش بياض في (ع).

صفحة رقم 433

ولاحه البرد، والسُّقم، والحزن، وأنشد غيره (١):

ولم يَلُحْها حزنٌ على ابنمٍ ولا أخ ولا أبٍ (٢) فَتَسْهُمِ (٣)) (٤)
قال أبو عبيدة: ﴿لَوَّاحَهٌ﴾ مغيِّرَةٌ، وأنشد (٥):
(يا بنت عمِّي لاحَني الهواجر (٦)) (٧)
والبشر: جمع بشرة، وهي الجلد (٨).
قال الكلبي: يعني تسود بشرة من يطرح فيها (٩).
وقال [أبو رزين] (١٠): يلفح الجلد لفحة فتدعه أشد سوادًا من
(١) بياض في (ع).
(٢) ولا أب ولا أخ: هكذا وردت في (ع).
(٣) البيت غير منسوب. وقد ورد تحت مادة: (لوح) في: "تهذيب اللغة" ٥/ ٢٤٨، و"لسان العرب" ٢/ ٥٨٥، و"تاج العروس" ٢/ ٢١٩ غير منسوبة في جميعها.
(٤) ما بين القوسين نقلاً عن "تهذيب اللغة" ٥/ ٢٤٨ (لوح).
(٥) غير منسوب.
(٦) والبيت كما هو عند القرطبي:
تقول ما لاحك يا مسافر يا ابنة عمي لاحني الهواجر
"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٦، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٩/ أبرواية (السمائم) بدلا من (الهواجر)، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٦، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٦، و"روح المعاني" ٢٩/ ١٢٥ برواية: يا ابنة، وكلها من غير نسبة.
(٧) ما بين القوسين من قول أبي عبيدة في: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٥ بيسير من التصرف.
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٧.
(٩) لم أعثر على مصدر لقوله.
(١٠) أبو زيد: في كلا النسختين. قلت: ولعله تصحيف من الناسخ، وأثبت ما رأيت صحته، وذلك لورود نص القول عن أبي رزين في: الوسيط: المقبوض، والبسيط: تح رأفت عفيفي، و"جامع البيان"، والله أعلم.

صفحة رقم 434

الليل (١).
وقال مقاتل: يعني حراقة (٢) الجلد (٣).
وقال غيره: محرقة للجلد (٤) -وهو معنى، وليس بتفسير-، أي أنها خرق الجلد فتغيره حتى يسود.
وقال عطاء عن ابن عباس: يلوح لأهلها من مسيرة خمسمائة عام (٥).
(وهذا قول الحسن (٦)، وابن كيسان (٧)) (٨).
ولواحة على هذا القول: من لاح الشيء يلوح إذا لمع نحو (٩) البرق (١٠).
و ﴿البَشَرِ﴾ ليس المراد بها الجلود، وإنما معناها الناس.
قوله: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَر﴾ قال المفسرون: يقول على النار تسعة عشر

(١) لم أعثر على مصدر قول أبي زيد، وقد ورد القول بنصه عن أبي رزين في "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٩، وانظر: "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٣. وروي أيضًا عن مجاهد في: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٩/ أ.
(٢) بياض في بعض الحروف في (ع).
(٣) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ أ.
(٤) وهو قول ابن عباس وزيد بن أسلم والضحاك، انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٩، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٩/ أ - ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٥.
(٥) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٦.
(٦) بهذا المعنى جاء في "الكشف والبيان" ١٢/ ٢٠٩/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٦، كما ورد قوله في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٦، و"الجامع" للقرطبي ١٩/ ٩٦.
(٧) المراجع السابقة.
(٨) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٩) بياض في (ع).
(١٠) انظر: "تهذيب اللغة" ٥/ ٢٤٨: مادة، (لوح).

صفحة رقم 435

من الملائكة هم خزنتها، مالك ومعه ثمانية عشر ملكًا (١)، أعينهم كالبرق (٢)، وأنيابهم كالصياصي (٣)، وأشعارهم تمس (أقدامهم) (٤) يخرج لهب النار من أفواههم، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، يسع كف أحدهم مثل ربيعة (٥)، ومضر، نزعت منهم الرأفة والرحمة، يدفع أحدهم سبعين ألفا، فيرميهم حيث أراد من جهنم (٦).
قالوا (٧): ولما نزلت هذه الآية، قال اللعين أبو جهل: أما لمحمد

(١) حكاه الثعلبي عن أكثر المفسرين: "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩/ ب، كما قال بذلك أيضًا البغوي في: "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧، والخازن ٤/ ٣٢٩.
(٢) البرق: لمعان السحاب، يقال برق، وأبرق، وبرق، يقال في كل ما يلمع نحو: سيف بارق وبَرِق وبَرَق. المفردات: ٤٣: مادة: (برق).
(٣) الصياصي: أي قرون البقر، واحدتها صيصة -بالتخفيف-، والصيصة أيضًا: الوتد الذي يقلع به التمر، والصِّنَّارة التي يغزل بها وينسج. "النهاية في غريب الحديث والأثر": ٣/ ٦٧.
(٤) ساقط من: (أ).
(٥) ربيعة: حي من مضر من العدنانية، وهم بنو ربيعة بن نزار بن مضر، وتعرف بربيعة الحمراء، وديارهم ما بين اليمامة والبحرين والعراق. انظر: "نهاية الأرب" للقلقشندي: ٢٤٢، و"جمهرة أنساب العرب" لابن حزم: ٢٩٢.
(٦) أورد هذه الرواية مقاتل في تفسيره: ٢١٦/ أ. كما وردت الرواية من طريق ابن جريح مرفوعة وذلك عند الثعلبي في "الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩/ ب، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٧، كما رويت بالمعنى في: "بحر العلوم" ٣/ ٤٢٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧، الكشاف: ٤/ ١٥٩، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٦، وساق رواية الواحدي الفخر في: "التفسير الكبير" ٣٥/ ٢٠٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٢٩.
(٧) أي المفسرون، وممن قال بذلك: ابن عباس، وقتادة، والضحاك، انظر: "جامع البيان" ٢٩/ ١٥٩، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢٠٩/ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ١٤٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٣.

صفحة رقم 436

من الأعوان إلا تسعة عشر، يخوفكم بتسعة عشر، وأنتم الدهم (١)، أفتعجز كل مائة منكم أن يبطشوا بواحد (٢) منهم، ثم يخرجون من النار؟ فقال أبو الأشدين (٣) -وهو رجل من بني جمح (٤) -: يا معشر قريش، إذا كان يوم القيامة فأنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عنكم عشرة بمنكبي الأيمن، وتسعة بمنكبي الأيسر (٥)، ونمضي فندخل (٦) الجنة، فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾
قال (أبو بكر) (٧) بن الأنباري: لما أنزل الله تعالى قوله: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ قال أبو جهل (٨) وأبو الأشدين ما قالا، قال المسلمون: عس (٩) الملائكة إلى الحدادين (١٠).

(١) الدهم: العدد الكثير. النهاية: ٢/ ١٤٥
(٢) بياض في (ع).
(٣) ورد عند الثعلبي: أبو الأسد بن كلدة بن خلف بن أسد الجمحي. "الكشف والبيان" ج: ٢٠٩: ١٢/ ب، وكذا في "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧، وعند الماوردي: أبو الأشد بن الجمحي، و"النكت والعيون": ٦/ ١٤٥، وعند ابن عطية: أبو الأشدي الجمحي. المحرر: ٥/ ٣٩٦، وعند ابن كثير: أبو الأشدين كلدة بن أسيد بن خلف. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٤.
(٤) بنو جمح: هم بطن من العدنانية، وهم بنو جمح بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي. انظر: "صبح الأعشى في صناعة الإنشا" للقلقشندي: ١/ ٤٠٧، و"معجم قبائل العرب" ٢/ ٢٠٢.
(٥) غير مقروء في (ع).
(٦) غير مقروء في (ع).
(٧) ساقط من: (أ).
(٨) بياض في (ع).
(٩) غير مقروء في النسختين.
(١٠) لم أعثر على مصدر لقوله.

صفحة رقم 437

والمعنى: عس (١) الملائكة إلى السجَّانين من النار، والحداد: السجان الذي يحبس الناس، فأنزل الله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً﴾، يعني خزانها.
"إلا ملائكة" أي: فمن يطيق الملائكة، ومن يغلبهم.
﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ﴾، أي: عددهم في القلة، وقال مقاتل: قلتهم (٢).
﴿إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، قال ابن عباس: يريد ضلاله لهم حتى قالوا ما قالوا (٣).
وقال أبو إسحاق: أي محنة؛ لأن بعضهم قال: أنا أكفي هؤلاء (٤).
والمعنى: جعلنا هذه العدة محنة لهم؟ ليظهروا ما عندهم من التكذيب (٥).
قوله (٦): ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾. قال ابن الأنباري (٧)، والزجاج (٨)؛ لأن عدد الخزنة في كتابهم (٩)، فيستيقنوا صدق محمد -صلى الله عليه وسلم-، موافقًا (١٠) لما في كتابهم؛ لأنه إذا أخبر بذلك على وفق (١١) ما عندهم

(١) غير مقروءة في النسختين.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب، وقد ورد عن الفراء مثله. انظر: "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٤.
(٣) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٧٩ بنحوه.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٨ بيسير من التصرف.
(٥) قوله: من التكذيب: بياض في (ع).
(٦) في (ع): فقال.
(٧) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٦، نقله عنه بالمعنى.
(٩) بياض في (ع).
(١٠) في (ع): موافق.
(١١) قوله: على "وفق" بياض في (ع).

صفحة رقم 438

من غير أن [يقرأ] (١)، كتابًا دل ذلك على صدقه، واللام في قوله: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ﴾ تتعلق بقوله: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ (٢).
قال الكلبي: كان ذلك في كتب أهل الكتاب: تسعة عشر، كما نزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٣).
وقال الفراء: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ يقينًا إلى يقينهم؛ لأن عدد الخزنة في كتابهم تسعة عشر (٤).
قال ابن عباس: يعني الذين آمنوا منهم (٥).
قوله تعالى: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ قال الفراء: لأنهما (٦) في كتاب أهل الكتاب كذلك (٧).
وعلى هذا معناه ليزداد مؤمنو أهل الكتاب تصديقًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- إذا وجدوا ما يخبرهم به من عدد الخزنة موافقا لما في كتابهم (٨)، فيعلمون أنه صادق. وقال أبو إسحاق: لأنهم كلما صدقوا بما يأتي في كتاب الله زاد إيمانهم (٩). والمعنى على هذا: ويزداد المؤمنون إيمانًا بتصديقهم محمدًا في

(١) في النسختين: قرأ، والصواب ما أثبته لاستقامة المعنى به والله أعلم.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٤، برواية: (عدد) بدلًا من: (عدة).
(٥) ورد قوله في: "جامع البيان" ٢٩/ ١٦١، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٠.
(٦) في (أ): لأنهما.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٤ بنصه.
(٨) في (أ): لكتابهم: بدلاً، من: لما في كتابهم.
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٨ بنصه.

صفحة رقم 439

عدد خزنة النار.
قوله تعالى: ﴿وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾، أي لكيلا (١) يشك هؤلاء في أن خزنة جهنم تسعة عشر.
قوله: ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾، أي:

شك ونفاق من منافقي المدينة (٢)، (هذا قول (٣)، والكلبي (٤)، ومقاتل (٥)) (٦).
وذكر عن الحسين بن الفضل أنه (٧) قال: هذه السورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق. فالمرض في هذه الآية لا يكون بمعنى النفاق (٨).
وقول المفسرين صحيح وإن أنكره؛ لأنه كان في معلوم الله تعالى (ذكره) (٩) أن النفاق سيحدث، فأخبر عما يكون.
قوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ﴾، قال مقاتل: يعني مشركي العرب (١٠).
(١) في (أ): لكي لا.
(٢) قال بذلك: قتادة في "جامع البيان" ٢٩/ ١٦١، وحكاه الثعلبي، وابن الجوزي والفخر عن أكثر المفسرين، انظر: "الكشف والبيان" ١/ ٢١٠/ أ، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٧، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٧، وإلى هذا ذهب البغوي ٤/ ٤١٧.
(٣) غير مقروء في (ع).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٠٦/ ب، وروايته قال: يعني الشك، وهم اليهود من أهل المدينة.
(٦) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٧) قوله: الفضل أنه: بياض في (ع).
(٨) ورد قوله في: "الكشف والبيان" ١٢/ ٢١٠/ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٦، و"زاد المسير" ٨/ ١٢٧، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٠، و"البحر المحيط" ٨/ ٣٧٩، و"فتح القدير" ٥/ ٣٣٠.
(٩) ساقط من: (أ).
(١٠) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب.

صفحة رقم 440

وقال عطاء (١)، (والكلبي (٢)) (٣): يعني الكفار من اليهود، والنصارى. والقول قول مقاتل (٤)؛ لأن اليهود والنصارى يؤمنون بما (٥) في كتابهم، فلا ينكرون عدد خزنة النار (٦).
قوله تعالى: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾، مبين في سورة البقرة (٧) إلا أن معنى المثل هناك قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا﴾ [البقرة: ٢٦]، ولم يذكر في هذه "مثل" حتى تنكره (٨) الكفار فيقولوا ماذا أراد الله بهذا مثلاً، ومعنى (٩) المثل -هاهنا- الحديث نفسه.
ومنه قوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [الرعد: ٣٥]، أي: حديثها، والخبر عنها وكذلك قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ﴾ [الفتح: ٢٩]، أي حديثهم والخبر عنه وقصتهم (١٠).

(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) ساقط من: (أ).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) قوله: والنصارى يؤمنون بما: بياض في (ع).
(٦) قوله: خزنة النار: بياض في (ع).
(٧) الآية: ٢٦ من سورة البقرة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾.
(٨) غير واضحة في (ع).
(٩) في (أ): وهنا.
(١٠) لفظ المثل ورد على أربعة أوجه، هي: السنن أو السير، والعبرة، والصفة، والعذاب، وما جاء في الآيتين من سورة الرعد والفتح فالمثل فيها على معنى الصفة أو الشبه. انظر: قاموس القرآن: الدامغاني: ٤٢٨، والوجوه والنظائر في القرآن: القرعاوي: ٥٨٨.
قال ابن كثير في معنى قوله تعالى: ﴿وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾ أي يقولون: ما =

صفحة رقم 441

وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾، أي كما أضل من أنكر عدد الخزنة، ولم يؤمن به، وهدى من صدق ذلك وآمن به.
﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾.
وأنزل في قول أبي جهل: أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾، قال مقاتل: أي من الكثرة (١).
وذلك أنهم استقلوا ذلك العدد، فأخبر الله تعالى عن كثرة جنوده، بأن أعيانهم وعددهم لا يعلمها إلا هو.
وقال عطاء: "جنود ربك" يعني: من الملائكة الذين خلقهم، يعذبون أهل النار، لا يعلم عدتهم إلا الله (٢).
وعلى هذا "تسعة عشر" هم خزنة النار، ولهم الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلا الله.
ثم رجع إلى ذكر سقر فقال: ﴿وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾.
قال ابن عباس (٣)، (ومقاتل (٤)) (٥)، أي: موعظة وتذكرة للعالم.
وقال أبو إسحاق: جاء في التفسير أن النار في الدنيا تذكر النار في

= الحكمة في ذكر هذا هاهنا، قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾، أي: من مثل هذا وأشباهه بتأكيد الإيمان في قلوب أقوام، ويتزلزل عند آخرين، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٤٧٤.
(١) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب.
(٢) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٧.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد في الوسيط: ٤/ ٣٨٥ من غير عزو.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب.
(٥) ما بين القوسين ساقط من: (أ).

صفحة رقم 442

الآخرة (١).
ثم أخبر عن عظم شأنها فأقسم على ذلك فقال:
﴿كَلَّا﴾؛ أي ليس، القول كما يقول من زعم أنه يكفي أصحابه خزنة [النار] (٢)، ﴿وَالْقَمَرِ﴾، قسم، وكذلك.
﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾، قال ابن عباس: إذا ولى (٣). وقال الكلبي (٤)، ومقاتل (٥): إذا ذهب (٦).
ودبر وأدبر بمعنى واحد. قاله الفراء (٧)، والزجاج (٨). قالا: ومثله: قبل وأقبل، يقال: دبر الليل وأدبر (٩)، إذا ولى ذاهبًا، يدل على هذا قراءة من قرأ (١٠): "إذا أدبر" بالألف (١١).

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٨٤ بنصه.
(٢) النار: لا توجد في النسختين، وأثبتها بدلالة السياق عليها، ولعلها تركت سهوًا من الناسخ، أو تكون العبارة "الخزنة" بالألف واللام، وتركت الألف واللام سهوًا.
(٣) "النكت والعيون" ٦/ ١٤٦.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) بياض في (ع).
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٠٤.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٦/ ٢٤٨.
(٩) بياض في (ع).
(١٠) قوله: قراءة من قرأ: بياض في (ع).
(١١) قرأ بذلك عبد الله بن مسعود، وأبي، والحسن، وابن السميفع، انظر: "معاني القرآن" للفراء: ٣/ ٢٠٤. و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٢. وهي قراءة شاذة لعدم صحة سندها، ولعدم ذكرها في كتب التواتر، ولقراءة الحسن وابن السميفع بها، وهم من الشواذ؛ وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وابن =

صفحة رقم 443

روي أن مجاهدًا سأل ابن عباس عن قوله: "دبر" فسكت حتى إذا أدبر الليل قال: يا مجاهد هذا حين دبر الليل (١).
وروى أبو الضحى أن ابن عباس كان يعيب هذه القراءة (٢)، ويقول: إنما يدبر ظهر البعير (٣).
والقرآن عند أهل اللغة سواء على ما ذكرنا - وأنشد (أبو علي) (٤):

وأبي الذي تَرَكَ المُلُوك وجَمْعَهُم بِصُهابَ هَامِدةً كأَمْسِ الدَّابِرِ (٥)
قال (٦) وقد قالوا أيضًا: كأمس المدبر، والوجهان (في القرآن) (٧) حسنان جميعًا (٨).
= عامر، والكسائي: "إذا أدبر" بفتح الدال. وقرأ نافع، وعاصم في رواية حفص وحمزة: "إذا أدبر" بتسكين الدال. انظر: كتاب السبعة: ٦٥٩، "الحجة" ٦/ ٣٣٨، و"الكشف" ٢/ ٣٤٧، و"النشر" ٢/ ٣٩٣.
(١) الحجة: ٦/ ٣٣٩، وانظر: "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٧، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٣٣٥ وعزاه إلى مسدد في مسنده، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أي قراءة: "إذ دبر".
(٣) انظر: "معاني القرآن" الفراء: ٣/ ٢٠٤، و"الكشف والبيان" ج: ١٢: ٢١٠/ ب، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٣.
(٤) ساقط من: (أ).
(٥) البيت ورد في "الحجة" ٦/ ١٧٥ و٣٣٩، وأنشده، الأصمعي ولم ينسبه، وانظر: "الخصائص" لابن جني ٢/ ٢٦٧، و"لسان العرب" ١/ ٥٣٣: (صهب).
ومعنى صهب كما في اللسان: "بين البصرة والبحرين عين تعرف بعين الأصهب"، كما ورد البيت في "المحرر" ٥/ ٢٩٧ برواية: يهضاب، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٨.
(٦) أي: أبو علي.
(٧) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٨) انظر قوله في "الحجة" ٦/ ٣٣٩.

صفحة رقم 444

(وقال أبو عبيدة (١)، وابن قتيبة (٢): دبر، أي: جاء بعد النهار) (٣)، يقال: دبرني، أي جاء خلفي، ودبر الليل (٤)، أي: جاء بعد النهار.
قال قطرب: فعلى هذا معنى "إذا دبر" إذا أقبل بعد مضي النهار (٥).
قوله تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾ أي (أضاء، وتبين، ومنه: الحديث "أسفروا بالفجر" (٦)، يقول: صلاة الفجر بعد ما تبين ويظهر حتى لا يشك فيه، ومن هذا قوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ﴾ (٧)، أي: مضيئة) (٨).
ثم ذكر المقسم عليه فقال: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾.
يعني (أن) (٩) سقر -التي جرى ذكرها- لإحدى الكبر.

(١) "مجاز القرآن" ٢/ ٢٧٥ - ٢٧٦.
(٢) "تفسير غريب القرآن" ٤٩٧.
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): إذ: وهي زيادة لا معنى لها.
(٥) "الكشف والبيان" ١٢/ ٢١٠/ ب بمعناه، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨ بمعناه، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٢٠٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٢ بمعناه
(٦) الحديث -عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أسْفِروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر". أخرجه الترمذي ١/ ٢٨٩ ح ١٥٤: أبواب الصلاة: باب ما جاء في الإسفار بالفجر. وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي في "سننه" ١/ ٢٤٩ ح ٥٤٧ - ٥٤٨ المواقيت، باب الإسفار، والإمام أحمد ٥/ ٤٢٩، قال الحافظ ابن حجر: رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد: "فتح الباري" ٢/ ٥٥.
جاء في "النهاية": ٢/ ٣٧٢: أسفر الصبح إذا انكشف وأضاء.
(٧) سورة عبس: ٣٨.
(٨) ما بين القوسين نقله الواحدي عن الأزهري مختصرًا، و"التهذيب" ١٢/ ٤٠٠ - ٤٠١.
(٩) ساقطة من: (أ).

صفحة رقم 445

قال مقاتل (١)، (والكلبي (٢)) (٣): أراد بـ"الكبر" دركات جهنم، وأبوابها، وهي سبعة: جهنم، ولظى (٤)، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، والهاوية. أعاذنا الله منها.
و"الكبر" جمع الكبرى (٥)، مثل الصُّغْرى (٦)، والصُّغَر.
قال المبرد (٧)، وابن قتيبة (٨): إنها لإحدى العظائم، والعُظَم كما يقال: إحدى الدواهي، و"إحدى" اسم بني ابتداء [للتأنيث] (٩)، وليس بمعنى (١٠) على المذكر، نحو عصا، وأخرى (١١) -ولعل هذا مما سبق الكلام فيه- (١٢).
وألف "إحدى" مقطوع لا يذهب في الوصل.

(١) "تفسير مقاتل" ٢١٦/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨، و"القرطبي" ١٩/ ٨٣ بمعناه.
(٢) "معالم التنزيل" ٤/ ٤١٨.
(٣) ساقط من: (أ).
(٤) في (أ): لظا.
(٥) في (أ): الكبرا.
(٦) في (أ): الصغرى.
(٧) انظر: "المقتضب" ٢/ ٢١٧.
(٨) "تفسير غريب القرآن" ٤٧٩.
(٩) في: أ، وع: التأنيث، والصواب ما أثبته.
(١٠) في (ع): مبني.
(١١) في (أ): أخرا.
(١٢) عند قوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ البقرة: ١٨٤، و ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ آل عمران: ٧، و ﴿أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾ الأنعام: ١٢٣، و ﴿هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ الكهف: ١٠٣، و ﴿وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ الشعراء: ١١١، وغيرها.

صفحة رقم 446

(وروي عن ابن كثير أنه قرأ ﴿إنها لَحْدى (١) الكبر﴾ موصولاً حذف الهمزة حذفًا. كما يقال: وَيْلُمِّهِ (٢)، وقد جاء ذلك في الشعر، قال أبو الأسود:

يا با (٣) المغيرةِ رُبَّ أمرٍ مُعْضلٍ قَرَّبْتَه بالنُكر مني والدَّها (٤)
وأنشد أحمد بن يحيى:
إن لم أقاتلْ فالبِسوني بُرْقعًا وفَتَحـ ـات في اليَدَيْن أربعا (٥)
وقال الفرزدق:
فعليَّ إثمُ عطيَّة بن الخَيْطـ ـفي وإثمُ التي زجرتْكَ إن لم تَجْهَدِ (٦) (٧)
(١) في (أ): لاحدى، وهو خطأ.
(٢) أي: ويل أمه، فلما حذفت الهمزة صارت: ويلمه، وشاهده قول امرئ القيس:
وَيْلُمِّها في هواء الجو طالبة ولا كهذا الذي في الأرض مطلوبُ
انظر: الحجة: ٦/ ٣٤٠.
(٣) في (أ): يا أبا.
(٤) ورد البيت في ديوانه: ١٧٠: تح محمد آل ياسين برواية: "مبهم" بدلًا من "معضل"، و"بالحزم" بدلًا من "بالنكر"، وفي الحجة: ٦/ ٣٤٠ برواية "فرجته" بدلًا من "قربته"، وانظر: ٣/ ٢١١ و٣٠٧.
كما ورد منسوبًا إلى أبي الأسود في: "الأمالي الشجري" لابن الشجري: ٢/ ١٦، برواية "فرجته". "المحرر الوجيز" ٥/ ٣٩٧.
(٥) غير منسوب، وقد ورد في الحجة: ٣/ ٢١١ و٣٠٦، ٦/ ٣٤٠، ولم ينشد أحمد ابن يحيى هذا البيت، إنما أورد بيتًا آخر، و"الخصائص" ٣/ ١٥١، و"المحتسب" ١/ ١٢٠، و"المحرر" ٥/ ٣٩٨، والشاهد فيه: أنه حذف الهمزة حذفًا ولم يخفف على القياس في "فالبسوني".
(٦) قوله: إن لم تجهد: في مقروء في (ع).
(٧) لم أعثر عليه في ديوانه، وقد ذكر محقق الحجة أيضًا أنه لم يعثر عليه في ديوانه. انظر: الحجة: ٦/ ٣٤١.

صفحة رقم 447

وهذا مثل قراءة ابن كثير، ألا ترى أن "لإح" من قوله "لإحدى" مثل واث، من قوله "وإثم التي". وليس هذا الحذف (١) بقياس، والقياس التخفيف، وهو أن يجعل بين بين، ولكنه وجد الهمزة تحذف حذفًا في بعض المواضع فجرى (٢) عليه، وفي (٣) حذفه الهمزة من "لإحدى" ضعف؛ لأنه إذا حذفتها (٤) بقي بعدها حرف ساكن يكون أول الكلمة بعد الحذف [ولهذا] (٥) لم تخفف الهمزة أولًا؛ لأن التخفيف تقريب من الساكن، فإن لا يكون ما يلزم له إلا الابتداء بالساكن أجدر؛ ووجهه على ضعفه: أن اللام اللاحقة أول الكلمة لما لم تفرد صار بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، فصار حذف الهمزة كأنه حذف في تضاعيف الكلمة، ومن ثم قالوا: "لهو" (٦) فخففوه كما خففوا "عضْدًا"، ونحوه مما هو كلمة واحدة) (٧).
قوله تعالى: ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد قم نذيرًا للبشر (٨).
وذكر النحويون هذا القول في نصب "نذيرًا" ذكره الكسائي (٩)،

(١) بياض في (ع).
(٢) في (أ): فجرا.
(٣) في (أ): في.
(٤) في (أ): حذفها.
(٥) في (أ): إذا، وفي (ع): وإذا، والمثبت من الحجة، وبه يستقيم المعنى.
(٦) الحج: ٥٨ ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.
(٧) ما بين القوسين نقله الإمام الواحدي عن أبي على الفارسي بتصرف. انظر: "الحجة" ٦/ ٣٣٩ - ٣٤١.
(٨) "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٤.
(٩) "الوسيط" ٤/ ٣٨٥.

صفحة رقم 448

والزجاج (١).
وقال (٢) الفراء: وليس ذلك بشيء (٣) -والله أعلم-؛ لأن الكلام قد حدث بينهما شيء كثير، ونصبها بالقطع من المعرفة؛ لأن (إحدى الكبر) معرفة، فقطعت منه. قال: ويجوز أن يكون النذير بمعنى الإنذار. ، والمعنى: أنذر إنذارًا للبشر. ودل قوله: ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾ على أنذر بها (٤).
وذكر أبو إسحاق: القول الأول فقال: نصب "نذيرًا" على الحال. وقال: وذكِّر [نذيرًا] (٥)؛ لأن معناه معنى العذاب، أو أراد ذات إنذار، كقولهم: امرأة طاهر وطالق (٦).
قال أبو علي الفارسي في قوله: ﴿نَذِيرًا لِلْبَشَرِ﴾ قولان:
أحدهما: أن يكون حالًا من "قم" المذكورة (٧) في أول (٨) السورة (٩).
والآخر: أن يكون حالاً من قوله: ﴿لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾، وليس يخلو

(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٩، وعبارته قال: "ويجوز أن يكون (نذيرًا) منصوبًا مُعلقًا بأول السورة على معنى: "قم نذيرًا للبشر".
(٢) في (ع). قال: بغير واو.
(٣) يعني القول بنصب "نذيرًا" على معنى: قم نذيرًا للبشر.
(٤) "معاني القرآن" بيسير من التصرف.
(٥) ساقط من النسختين، وما أثبتاه من "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج، ولا يستقيم المعنى إلا بإثباتها.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٢٤٩ بتصرف.
(٧) في (أ): المذكور.
(٨) سقط حرف اللام من أول النسخة: أ.
(٩) ورد هذا القول في "الجامع لأحكام القرآن" ١٩/ ٨٤.

صفحة رقم 449
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية