آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
ﮪﮫ ﮭﮮ ﮰﮱ ﯔﯕ ﯗﯘ

استئناف على تقدير السؤال عن وجه النسخ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ يعنى المفروضة والزكاة الواجبة وقيل: زكاة الفطر، لأنه لم يكن بمكة زكاة. وإنما وجبت بعد ذلك، ومن فسرها بالزكاة الواجبة جعل آخر السورة مدنيا وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يجوز أن يريد: سائر الصدقات وأن يريد: أداء الزكاة على أحسن وجه: من إخراج أطيب المال وأعوده على الفقراء، ومراعاة النية وابتغاء وجه الله، والصرف إلى المستحق، وأن يريد: كل شيء يفعل من الخيز مما يتعلق بالنفس والمال خَيْراً ثانى مفعولي وجد. وهو فصل. وجاز وإن لم يقع بين معرفتين، لأنّ أفعل من أشبه في امتناعه من حرف التعريف المعرفة. وقرأ أبو السمال: هو خير وأعظم أجرا، بالرفع على الابتداء والخبر:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المزمّل دفع الله عنه العسر في الدنيا والآخرة» «١».
سورة المدثر
مكية، وهي ست وخمسون آية [نزلت بعد المزمل] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)
الْمُدَّثِّرُ لابس الدثار، وهو ما فوق الشعار: وهو الثوب الذي يلي الجسد. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «الأنصار شعار والناس دثار» «٢» وقيل: هي أوّل سورة نزلت. وروى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت على جبل حراء فنوديت: يا محمد، إنك رسول الله، فنظرت عن يمينى ويساري فلم أر شيأ، فنظرت فوقى فرأيت شيأ» «٣». وفي
(١). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بسندهم إلى أبى رضى الله عنه.
(٢). تقدم في آل عمران.
(٣). متفق عليه من رواية أبى سلمة عنه وأتم منه.

صفحة رقم 644

رواية عائشة: «فنظرت فوقى فإذا به قاعد على عرش بين السماء والأرض- يعنى الملك الذي ناداه- فرعبت ورجعت إلى خديجة فقلت: دثروني دثروني، فنزل جبريل وقال: «يا أيها المدثر» »
وعن الزهري: أوّل ما نزل: سورة اقرأ باسم ربك إلى قوله ما لَمْ يَعْلَمْ فحزن رسول الله ﷺ وجعل يعلو شواهق الجبال، فأتاه جبريل فقال: إنك نبىّ الله، فرجع إلى خديجة وقال: دثروني وصبوا علىّ ماء باردا، فنزل: يا أيها المدثر «٢». وقيل: سمع من قريش ما كرهه فاغتم، فتغطي بثوبه مفكرا كما يفعل المغموم. فأمر أن لا يدع إنذارهم وإن أسمعوه وآذوه.
وعن عكرمة أنه قرأ على لفظ اسم المفعول. من دثره. وقال: دثرت هذا الأمر وعصب بك، كما قال في المزمّل: قم من مضجعك. أو قم قيام عزم وتصميم فَأَنْذِرْ فحذر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا. والصحيح أنّ المعنى: فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ واختص ربك بالتكبير: وهو الوصف بالكبرياء، وأن يقال: الله أكبر. ويروى أنه لما نزل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر» فكبرت خديجة وفرحت، وأيقنت أنه الوحى، وقد يحمل على تكبير الصلاة، ودخلت الفاء لمعنى الشرط. كأنه قيل: وما كان فلا تدع تكبيره وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ أمر بأن تكون ثيابه طاهرة من النجاسات، لأنّ طهارة الثياب شرط في الصلاة لا تصح إلا بها، وهي الأولى والأحب في غير الصلاة، وقبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبثا. وقيل: هو أمر بتقصيرها، ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول، وذلك ما لا يؤمن معه إصابة النجاسات. وقيل: هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الأفعال ويستهجن من العادات. يقال: فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب والذيل والأردان إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق. وفلان دنس الثياب للغادر، وذلك لأنّ الثوب يلابس الإنسان ويشتمل عليه، فكنى به عنه. ألا ترى إلى قولهم: أعجبنى زيد ثوبه، كما يقولون: أعجبنى زيد عقله وخلقه، ويقولون: المجد في ثوبه، والكرم تحت حلته، ولأنّ الغالب أنّ من طهر باطنه ونقاه عنى بتطهير الظاهر وتنقيته، وأبى إلا اجتناب الخبث وإيثار الطهر في كل شيء وَالرُّجْزَ قرئ بالكسر والضم، وهو العذاب، ومعناه: اهجر ما يؤدى إليه من عبادة الأوثان وغيرها من المآثم. والمعنى: الثبات على هجره، لأنه كان بريئا منه.

(١). لم أره عن عائشة. وإنما هو قصة حديث جابر. ولعل الزمخشري قصد بقوله «وفي رواية عائشة لفظة منه وإلا فالجميع من حديث جابر رضى الله عنه قلت: يوجد ما ذكره الزمخشري من رواية النعمان بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة عند الطبري. [.....]
(٢). أخرجه الطبري من رواية محمد بن ثور عن معمر عن الزهري قال «كان أول شيء نزل على النبي ﷺ اقرأ- فذكره وأتم منه. رواه الحاكم من طريق محمد بن سيرين عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى الله عنها.

صفحة رقم 645
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية