آيةٌ القتال ما كان قبلها من الترك.
ثم قال: ﴿وَذَرْنِي والمكذبين أُوْلِي النعمة...﴾.
هذا وعيد وتَهَدُّدٌ من الله جل ذكره للمشركين أي: ودعني يا محمد والمكذبين بآياتي أصحاب التنعم في الدنيا.
-﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً﴾.
أي: أمهلهم بالعذاب حتى يبلغ الكتاب أجله.
وكان بين نزول هذه الآية وَبَدْرٍ يسير [قالته] عائشة رضي الله عنها.
- قوله: ﴿إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً...﴾ إلى آخر السورة.
أي: عندنا لهؤلاء المكذبين قيوداً [وناراً] تسعر وطعاماً يُغَصُّ آكِلُهُ به،
صفحة رقم 7797
فلا هو نازل من حلقه ولا هو خارج منه.
-﴿وَعَذَاباً أَلِيماً﴾.
ي: وصنوفاً من العذاب [مؤلمة] موجعة.
وواحد الأنكال نِكل. قال حماد ﴿أَنكَالاً﴾ قيوداً سوداً من نار جهنم ".
قال ابن عباس: ﴿وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ﴾ قال: " هو شوك يَأْخُذُ بالحلق فلا يدخل ولا يخرج ".
وقال مجاهد: هو " شجرة الزقوم ".
وروى حمزة [الزيات] أن [حُمْرَانَ بن أَعْيَنَ] قال: قرأ النبي - ﷺ - هذة
صفحة رقم 7798
الآية فصعق - ﷺ -؟
- ثم قال تعالى: ﴿يَوْمَ (تَرْجُفُ) الأرض (والجبال)...﴾.
أي: أعتدنا هذا العذاب في يوم تضطرب فيه الأرض والجبال، وذلك يوم القيامة.
- ثم قال: ﴿وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً﴾.
أي: وصارت الجبال ذلك اليوم رملاً سائلاً. (متناثراً). يقال: هِلْتُ التراب إذا [حركت أسفله] (فسقط أعلاه). قاله الفراء.
وقال أبو عبيدة: يقال لكل شيء [أرسلته] إرسالاً من رمل أو تراب أو
صفحة رقم 7799
طعام أو نحو ذلك قد هلته [أهيله] هيلا فهو مهيل.
قال ابن عباس: ﴿كَثِيباً مَّهِيلاً﴾: رملاً سائلاً.
والأصل في مهيل [مهيول] فألقيت حركت الياء [على الهاء وبقيت] الياء ساكنة وبعدها الواو ساكنة.
فمذهب الخليل وسيبويه أن الواو حذفت لأنها زائدة وكسرت الهاء لمجاورتها الياء فصار مَهِيلاً.
ومذهب الكسائي والفراء والأخفش أن الياء هي المحذوفة لأن الواو جاءت لمعنى فلا تحذف، ولكن الهاء لما جاورت الياء كسرت، فلما حذفت الياء لالتقاء الساكنين انقلبت الواو (ياء) [لانكسار] ما قبلها وسكونها.
صفحة رقم 7800
وكلهم يجيز أن يأتي على الأصل فيقال: مهيول. ولا يجيز البصريون ذلك في ذوات الواو ولا يجيزون: " كلام مقول " لثقل ذلك.
وكلهم أجاز: " رجل مهول " و " ثوب مبوع " على لغة من قال: بوع الثوب.
- ثم قال: ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَآ/ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ﴾.
يعمي محمداً، والخطاب لجميع الخلق أي يشهد لمن آمن به وعلى من كذبه في الآخرة.
- ثم قال: ﴿كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً﴾.
أي: أرسلنا محمداً [إرسالاً (كما) أي]: مثلما أرسلنا موسى إلى فرعون.
-﴿فعصى فِرْعَوْنُ...﴾ موسى ﴿فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً﴾.
أي: شديداً، فغرَّقناه ومن معه في البحر وأقررناه في عذاب مستقر حتى يصير إلى النار يوم القيامة، فكذلك يأخذكم بالعذاب أيها الخلق إن عصيتم رسولكم.
ودخلت الألف واللام في لفظ " رسول " الثاني لتقدم ذكره، وعلى هذا يختار في أول الكتب: " سَلاَمٌ عَلَيْكَ " وفي آخرها: والسْلاَمُ عَلَيْكَ. وعلى هذا اختار بعض
صفحة رقم 7801
العلماء (في التسليم)، في التسليمة الأولى: سْلاَمٌ عَلَيْكَم، وفي الثانية: السْلاَمُ عَلَيْكَم.
فأَعْلَمَ الله قريشاً أنه أرسل إليهم محمداً رسولاً كما أرسل موسى إلى فرعون رسولاً. وقد كان أمرُ موسى ورسالاته مشهورة عندهم ولذلك قال الشاعر في النبي - ﷺ -.
شَهِدْتُ بِإذْنِ اللهِ أَنَّ مُحَمَداً
رَسُولٌ كَمُوسَى (أُوتِيَ) الصُحْفَ والْكُتْبَا
لَهُ دَعْوَةٌ مَيْمُونَةٌ رِيحُها الصِّبَا
بِهَا يُنْبِتُ اللهً [الحَصِيدَةَ] وَالأبَّا
صفحة رقم 7802
- ثم قال: -ayah text-primary">﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً﴾.
أي: كيف (لا) تخافون أيها الناس يوماً يجعل الولدان الصغار أصحاب شيب من هَوْلِهِ وصعوبته إن كفرتم بالله ولم تصدقوا رسولكم؟!.
قال قتادة: معناه: كيف تتقون يوما هذه صعوبته وأنتم قد كفرتم به.
-﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ...﴾.
قال ابن عباس تشقق السماء حين ينزل الرحمن ذكره.
وقال مجاهد: السماء مثقلة به أي بيوم القيامة.
وقال الحسن: مثقلة. أي: محزونة بيوم القيامة.
صفحة رقم 7803
وقال عكرمة: ممتلئة [به].
وقيل: (به) بمعنى " فيه "، (أي): السماء منفطرة في يوم القيامة، والضمير في (يجعل) ليوم القيامة، ويجوز أن يكون لله جل ذكره.
- ثم قال: ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً﴾.
أي: ليس لوعده خُلْفٌ.
قال ابن مسعود: إذا كان يوم القيامة دعا ربُّنَا المَلِكُ آدمَ عليه السلام فيقول: يا آدم، قم فابعث (بعث) النار، فيقول: (أي) رب! لا علم لي إلا ما علمتني، فيقول الله جل ذكره: أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين: فيساقون إلى النار سوداً مقرنين زُرْقاً فيشيب هنالك كل وليد.
صفحة رقم 7804
قال بان زيد: يشيب الصغار من كرب ذلك اليوم.
- ثم قال: ﴿إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ...﴾.
أي: هذه الآيات - في ذكر هول القيامة - عبرة وعظة لمن اتعظ.
-﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً...﴾.
هذا تهدد، والمعنى: فمن شاء اتخذ إلى (رحمة) ربه طريقا بتركه العصيان وقبوله للإيمان، ومن لم يشاء ذلك فالله له بالمرصاد.
- ثم قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ اليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الذين مَعَكَ...﴾.
هذا حين فرض الله عليهم قيام الليل بقوله: ﴿قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾.
صفحة رقم 7805
فالمعنى: على قراءة من خفض ﴿وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ﴾: إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم للصلاة أحياناً أدنى من ثلثي الليل [وأحياناً أدنى] من نصفه وأحياناً أدنى من ثلثه، فأَعْلَمَهُ أنه [لا] علم له بالمقدار وأن الله هو العالم بمقدار الوقت الذي يقوم فيه. ودل على ذلك ﴿عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ﴾ أي: علم الله أنك لا تعرف مقدار قيامك.
فأما من قرأ بنصب (نصفه وثلثه) فمعناه: إن ربك يا محمد يعلم أنك تقوم للصلاة أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصفَه وتقوم ثلثَه، فيكون المعنى أن النبي قد أصاب المقدار في قيامه النصِّفَ: (و) الثُّلَثَ، ويكون قوله ﴿قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً﴾ هو أدنى من الثلثين، ﴿نِّصْفَهُ﴾ هو النصف المذكور هنا، ﴿أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً﴾ هو الثلث
صفحة رقم 7806
المذكور هنا، ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ هو أدنى من الثلثين أيضا المذكور هنا.
ويكون على هذا التأويل معنى ﴿أَن لَّن تُحْصُوهُ﴾ أي تطيقوه. وعلى القول الأول معناه: [أن] لن تعرفوا مقداره.
- وقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ...﴾.
أي تاب عليكم من فرض القيام إذ عجزتم وضعفتم عنه أي: رجع لكم إلى التخفيف عنكم. هذا كله ناسخ لفرض القيام في أول السورة.
- ثم قال: ﴿فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن...﴾.
أي: ما خف عليكم مما هو دون الثلث.
- ثم قال: ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى...﴾.
أي: أنه سيكون منكم مرضى (فلا يقدرون) على القيام فخفف عنكم ذلك.
ثم قال/: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله...﴾.
صفحة رقم 7807
أي: وعلم أنه سيكون منكم مسافرون للتجارة فيَشِقَّ عليهم القيام [لشغلهم] مع تعبهم من سفرهم، وعلم أنه سيكون منكم آخرون يجاهدون العدو فيشق عليهم القيامة لشغلهم مع عدوهم فخفف عنهم القيام لذلك.
- ثم قال: ﴿فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ...﴾.
أي: من القرآن، أي ما خف عليكم.
قال الحسن وابن سيرين: صلاة الليل فرض على كل مسلم لو قَدْرَ حَلْبَ شاةٍ بقوله ﴿فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ قال الحسن: ولو خمسين آية.
وسئل الحسن عن رجل استظهر القرآن ولا يقوم به فقال: يتوسد القرآن، لعن الله ذلك.
وقال السدي ﴿مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾: " مائة آية ".
وقال الحسن: (من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن).
صفحة رقم 7808
قال كعب: من قرأ مائة في ليلة كتب من القانتين.
وقيل: الآية منسوخة لأنه ثبت عن النبي - ﷺ - أنه لا فرض إلا خمس صلوات، وعلى ذلك أجمع المسلمون وهو الصواب إن شاء الله.
- ثم قال: ﴿وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة﴾.
صفحة رقم 7809
يعني الفرض من ذلك، أي: أقيموا ذلك بحدوده وفروضه في أوقاته.
- ثم قال: ﴿وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضاً حَسَناً...﴾.
أي: أنفقوا في سبيله من أموالكم.
قال ابن زيد: القرض هنا: النواف سوى الزكاة.
- ثم قال: ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله...﴾.
أي: ما تقدموا في الدنيا من صدقة أو نفقة في سبيل الله أو غير ذلك من فعل الخير لطلب ما عند الله تجدوه في [معادكم] يجازيكم به الله.
- ثم قال: ﴿هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً﴾.
أي: هو [خير] مما علتم في الدنيا للدنيا، وأعظم ثوابا عند الله.
صفحة رقم 7810
- ثم قال: -ayah text-primary">﴿واستغفروا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
أي: واسألوا الله المغفرة، إنه (غفور)، أي: ذو غفران لذنوب المؤمنين وستر عليهم (رحيم) بم أن يعذبهم [على ذنوبهم] بعد توبتهم منها وغفرانه لهم.