قال اخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج وماجوج الف ثم قال والذي نفسى بيده أرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبرنا فقال ما أنتم فى الناس الا كالشعرة السوداء فى جلد ثور ابيض او كشعرة بيضاء فى جلد ثور اسود متفق عليه وهذه الجملة صفة ليوم والعائد ضمير الفاعل على المجاز كما فى قولهم صام نهاره والعائد محذوف لقديره يوما يجعل الله فيه الولدان شيبا.
السَّماءُ مع عظمتها وأحكامها مُنْفَطِرٌ منشق والتذكير على تاويل الشقف او إضمار كلمة شىء اى شىء منفطر بِهِ اى بذلك اليوم اى بشدته فكيف غير السماء الجملة صفة ثانية ليوما كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا هذه الجملة صفة ثالثة ليوما والوعد مصدر مضاف الى ضمير المفعول العائد الى اليوم او العائد محذوف والمصدر مضاف الى الفاعل اى كان وعد الله بالعذاب فيه مفعولا أورد الجملتين معطوفتين بغير العطف على طريقة الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان.
إِنَّ هذِهِ الآيات نلقيه عليك تَذْكِرَةٌ تذكر العباد المبدأ والمعاد وتوضيح السبيل الموصل الى الله تعالى الى جوده والى انعامه ورضوانه والرشاد فَمَنْ شاءَ التذكر وسلوك السبيل الى ربه اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا الفاء للسببية اى ليس السبيل الى الله تعالى الا التذكرة فانه سبحانه اقرب إلينا من أنفسنا وليس الحجاب بيننا إلا حجاب الغفلة وحجاب العظمة والكبرياء منه تعالى والى تلك الحجب أشار النبي ﷺ ان لله تعالى سبعون الف حجابا من نور وظلمة فحجب العظمة والكبرياء حجب نورانية قال الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري وحجب الغفلة العباد حجب ظلمانية لو كشف لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وكشف تلك الحجب يتيسر بالتذكير فان التذكير يذيل الغفلة ويستوجب المحبة للمعية كما قال رسول الله ﷺ المرء مع من أحبه فالمحبة يفضى المحب الى المحبوب بحيث لا تمنعه سرادقات العظمة والكبرياء وإحراق سبحات الوجه كناية عن الفناء والبقاء وان كان ذلك فى مرتبة العلم قيل الجملة مضمونها التحير وهو مجاز عن التهديد.
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى اى اقرب مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ قرأ هشام بسكون اللام والباقون بضمها وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ قرأ ابن كثير والكوفيون بنصبهما
عطفا على ادنى يعنى تقوم اقرب من الثلثين وتقوم النصف وتقوم الثلث والباقون بجرهما يعنى اقرب من النصف ومن الثلث وهذه القراءة يدل على القيام اقل من الثلث فوق الربع وانما قلنا فوق الربع لما ذكرنا فيما قبل ان قوله تعالى او انقص منه قليلا يقتضى ان يكون القيام فوق الربع وَطائِفَةٌ عطف على فاعل تقوم مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ط اى جماعة أصحابك يقومون على ذلك المقدار اقتداء لسنتك كذا قال البيضاوي وقال البغوي فى تفسيره يعنى المؤمنين كانوا يقومون معه وهذا التأويل بعيد جدا فان الذين معه هم المؤمنون دون الكفار كما فى قوله نظر محمد رسول الله والذين معه فكلمة من للتبعيض يدل على ان القائمين كانوا بعض الصحابة دون كلهم وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عطف على ان ربك وفيه وضع المظهر موضع المضمر تقديره وهو يقدر الليل والنهار اى يعلم مقاديرهما كما هى وأنتم لا تعلمون كما هى قال البيضاوي تقديم اسم الله مبتداء مبنيا عليه يقدر يشعر بالاختصاص وهى مذهب عبد القاهر والزمخشري دون السكاكي عَلِمَ أَنْ مخففة واسمها ضمير الشان محذوف لَنْ تُحْصُوهُ اى تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات ومن ثم ربط وجوب الصلاة الخمس بامور ظاهرة كطلوع الصبح والشمس وزوالها وغروبها وقدر الظل وغروب الشفق فَتابَ عَلَيْكُمْ اى رجع عليكم من التشديد الى التخفيف فاسقط عنك ذلك القدر كيلا يشق على أمتك التأسي به فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ط الفاء للسببية ومعناه صلوا ما تيسر من الصلاة بالليل عبر عن الصلاة بالقراءة هاهنا كما عبر بالقيام فيما سبق تسمية الكل باسم الجزء فهذه الاية يقتضى كون القراءة ركنا للصلوة كما تقتضى تلك الاية بركنية القيام وعلى هذا العقد الإجماع ايضا فهذه الآية نسخ قيام الليل ذلك المقدار وبقي مطلق القيام بالليل واجبا ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس فصار تطوعا بعد فريضة يدل على ذلك ما ذكر من قول عائشة رض وابن عباس رض ومقاتل وابن كيسان قلت على تقدير كون القيام بالليل واجبا فى الابتداء على النبي ﷺ وعلى أمته فكون ذلك منسوخا فى حق أمته امر مجمع عليه واما كونه منسوخا فى حق النبي ﷺ سواء كان فى الابتداء واجبا عليه خاصة او عليه وعلى أمته عامة فقد اختلف فيه فقيل لم ينسخ فى حق النبي ﷺ بل كان قيام الليل واجبا عليه ﷺ خاصة الى اخر عمره وقيل بل نسخ عنه ﷺ ايضا وكان عليه الصلاة نافلة وهو الصحيح المختار عندى ويدل عليه قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك فانه صريح فى كونه نافلة فان قيل معنى النافلة الزائدة يعنى زائدة فى الوجوب عليك لا على أمتك قلت لو كان كذلك يقال عليك فان صلة الوجوب تكون على
صفحة رقم 115
دون اللامم فان قيل فى وجه تخصيصه به عليه الصلاة والسلام فانها نافلة لجميع الناس غير ممنوعة عن أحد قلنا وجه التخصيص على ما روى عن مجاهد والحسن وابى امامة ان تسميتها نافلة فى حقه ﷺ خاصة باعتبار كونها عامة فى رفع الدرجات بخلاف غيره فانها فى حق غيره نافلة فى تكفير السيئات غالبا ويدل ايضا على كون قيام الليل تطوعا فى حق النبي ﷺ حديث المغيرة قال قام النبي ﷺ حتى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا ولم يقل انها فريضة على خاصة وحديث ابن عمر رض قال كان رسول الله ﷺ يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة الليل الا الفرائض ويوتر على راحلته متفق عليه (مسئلة:) اختلفوا فى ان صلوة الليل فى حق الامة من سنن الهدى المؤكدات او من المستحبات فقيل هى مندوب فى حقنا وهذا قول من قال هى كانت فريضة على النبي ﷺ حتى مات قالوا الادلة القولية يفيد الندب والمواظبة الفعلية لم يكن على
سبيل التطوع والسنة ما واظب عليه النبي ﷺ من التطوع والمختار عندى انها من سنن الهدى كما ذكرنا ان مواظبته ﷺ كان على وجه التطوع وعلى تقدير تسليم كون المواظبة على سبيل الوجوب فمواظبته ﷺ اى وجه كان يقتضى كون الفعل مسنونا ما لم يكن ممنوعا فى حق غيره كصوم الوصال مثلا وممّا يدل على كونه سنة مؤكدة حديث ابن مسعود قال ذكر عند النبي ﷺ رجل فقيل له ما زال نائما حتى أصبح ما قام الى الصلاة قال ذلك رجل بال الشيطان فى اذنه او قال فى اذنيه متفق عليه فان ترك المندوب لا يستحق عليه اللوم والعتاب والله تعالى اعلم- وقيل المراد بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القران القران فى الصلاة الخمس وقال الحسن يعنى فى صلوة المغرب والعشاء قال البغوي قال قيس بن حازم صليت خلف ابن عباس رض بالبصرة فقرأ فى أول ركعته بالحمد وأول اية من البقرة ثم قام فى الثانية فقرأ بالحمد والاية الثانية من البقرة ثم ركع فلما انصرف اقبل علينا بوجهه فقال ان الله عز وجل يقول فاقرؤا ما تيسر منه ويحتمل ان يكون المراد منه فاقرؤا القران بعينه كيف ما تيسر لكم (مسئلة:) اختلفوا فى مقدار القراءة التي لا يجوز الصلاة الا بها ومقدار الواجب منها فى الصلاة فقال ابو حنيفة رض فى احدى الروايات عنه ان ما هو ركن للصلوة ولا يصح الصلاة الا به هو ادنى ما يطلق عليه اسم القران ولم يشبه قصد الخطاب واحد او نحوه ويقتضى هذه الروايات الجواز بدون الاية وبه جزم القدورى وفى رواية عنه وعن احمد هو اية تامة لا يجوز الصلاة بما دون ذلك واختاره صاحب الهداية وفى رواية عنه وبه قال ابو يوسف رض ومحمد رض انه ثلث آيات قصار مثل
سورة الكوثر او اية طويلة تساوى الثلث لكن يجب عند ابى حنيفة رض وصاحبيه قراءة الفاتحة وقدر سورة معه فان ترك شيئا منها يجب سجدة السهو ان كان ترك سهوا فان لم يسجد وترك عمدا يأثم ويجب عليه الاعادة من غير افتراض وقال مالك رض والشافعي رض واحمد رض لا يصح الصلاة الا بفاتحة الكتاب وسن عندهم ضم السورة ولا يجب احتجوا بقوله ﷺ لا صلوة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت ورواه الدار قطنى بلفظ لا يجوز صلوة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقال اسناده صحيح رواه ابن خزيمة وابن حبان بهذه اللفظ من حديث ابى هريرة رض وفيه قال الراوي قلت ان كنت خلف الامام قال فاخذ بيدي وقال اقرأ بها فى نفسك وروى مسلم واحمد عن ابى هريرة رض بلفظ من صلى صلوة لم يقرأ فيها بام القران فهى خداج هى خداج غير تمام فقلت يا أبا هريرة أحيانا أكون وراء الامام فقال اقرأ بها فى نفسك يا فارسى وروى الحاكم من طريق اشهب عن ابى عتبة عن ابى هريرة عن محمد بن الربيع عن عبادة مرفوعا أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها وبما ذكرنا من اختلاف ألفاظ الحديث ظهر لك اندفاع ما قيل ان معنى قوله لا صلوة الا بفاتحة الكتاب صلوة كاملة كما فى قوله عليه الصلاة والسلام لا صلوة لجار المسجد الا فى المسجد لان هذا التأويل لا يجرى فى اكثر ما ذكرنا من الألفاظ على ان متعلق الجار والمجرور الواقع خبر الا يقدر الا عاما اى لا صلوة كائنة وعدم الوجود شرعا هو عدم الصحة غير ان فى حديث لا صلوة الا فى المسجد لما قام الدليل عليه وهو الإجماع قلنا المراد هناك كون خاص اى كاملة فهو من باب حذف الخبر لا من باب وقوع الجار والمجرور خبرا وما مر فى تفسير سورة الفاتحة حديث قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين الحديث يدل على ان الصلاة لا يكون الا بفاتحة الكتاب وابو حنيفة رض أخذ بهذا الحديث قال بوجوب الفاتحة فى الصلاة ووجوب ضم السورة ايضا لما روى فى بعض الروايات لا صلوة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا رواه مسلم وابو داود وابن حبان وروى ابن ماجة عن ابى سعيد بلفظ لا صلوة لمن لم يقرأ
فى كل ركعة بالحمد وسورة فى فريضة او غيرها واسناده ضعيف ولابى داود من طريق همام عن قتادة عن ابى بصر عن ابى سعيد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ان نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر واسناده صحيح ولم يقل ابو حنيفة رض بكون الفاتحة ركنا للصلوة بحيث لا يجوز الصلاة الا بها عملا بهذه الاية فاقرؤا ما تيسر من القرآن قال صاحب الهداية الزيادة على الكتاب القطعي غير الواحد لا يجوز لكنه يوجب العمل
فقلنا بوجوبهما والصحيح عندى ان الفاتحة وكذا ضم السورة ركن للصلوة لا يجوز الصلاة الا بهما والاستدلال بهذه الاية على نفى الركنية لا يصح لان الظاهر فى تاويل الاية كما ذكرنا ان المراد بالقراءة نفس الصلاة بالليل ومعنى قوله تعالى فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر انه خفف عنكم فى قيام الليل فصلوا ما تيسر لكم الصلاة فلا دلالة بهذه الاية على قدر القراءة وما لا بد منه وما قيل فى تأويله انه ما تيسر من القران فى الصلاة الخمس فتاويل بعيد واحتمال ضعيف والاحتمال لا يتصور كونه حجة للوجوب فكيف يحكم عليه بكونه قطعيا لا يجوز الزيادة عليه بخبر الواحد كيف والحديث تلقته الامة بالقبول وانعقد الإجماع على العمل به وتوارث النقل وتواتر المعنى ان النبي ﷺ واحد من السلف والخلف لم يصل بغير الفاتحة وبمثل هذا الخبر والنقل التوارث يزاد على الكتاب اجماعا على ان الصلاة مجمل وأحاديث الآحاد يحتمل ان يكون بيانا للجمل ويبين أركانا لها ولقد قالت الحنفية القعدة الاخرة واستدلوا عليه بحديث ابن مسعود رض فى التشهد إذا قلت هذا او فعلت هذا فقد نمت صلوتك ان شئت ان تقوم فقم وان شئت ان تقعد فاقعد قالوا علق التمام بأحد الامرين فهو فرض مع ان الحديث من الآحاد ايضا والله تعالى اعلم وقد يستدل الحنفية على عدم ركنية الفاتحة بحديث ابى هريرة فى قصة المسيئ صلوته انه قال قال رسول الله ﷺ إذا قمت الى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسرك من القران الحديث متفق عليه والجواب ان هذا الحديث وجوب القراءة مطلقا وما مر من قوله ﷺ الا بفاتحة الكتاب يدل التعيين فالعمل بالحديثين بحمل المطلق على المقيد قلنا بركنية الفاتحة وقد ورد فى بعض طرق حديث المسيئ صلوته بلفظ فكبر ثم اقرأ بام القران ثم اقرأ بما شئت به الحديث رواه احمد من حديث رفاعة بن رافع ورواه الدار قطنى من حديثه بلفظ ثم يكبر الله ويثنى عليه ثم يقرأ بام القران وما اذن له فيه وما تيسر الحديث (مسئلة:) هل يجب القراءة على المقتدى أم لا فقال الشافعي رض يجب عليه قرأة الفاتحة كالامام والمنفرد قال البغوي كذا روى عن عمر رض وعثمان رض وعلى رض وابن عباس رض ومعاذ رض وقال ابو حنيفة رض ومالك رض واحمد رض لا يجب ثم اختلفوا فقال ابو حنيفة رض يكره مطلقا وقال مالك رض واحمد رض يكره فى الجهرية فقط وقال احمد رض يستحب فى السرية وكذا فى الجهرية عند سكتات الامام ان سكت لا مع قرأته وبه قال الزهري رض ومالك رض وابن المبارك رض ويروى ذلك عن ابن عمرو عروة بن الزبير وابو القاسم بن محمد وجه القول بسقوط القراءة عن المقتدى حديث جابر عن النبي ﷺ قال من كان له امام فقرأة الامام قرأة له رواه احمد والدار قطنى من طريق جابر الجعفي وضعفه الدار قطنى وقال ابن الجوزي وثقه الثوري
صفحة رقم 118
وشعبة ورواه الدار قطنى من طريق اخر وفيه لبث وقال ضعفه ابن علية وقال احمد حدث عن الناس ومن طريق اخر فيه يحى بن سلام بلفظة كل صلوة لا يقرأ فيها بام الكتاب فهى خداج الا ان يكون وراء الامام قال الدار قطنى يحى بن سلام ضعيف وقال ابن الجوزي لم نر أحدا ضعفه قال الدار قطنى والبيهقي وابن عدى الصحيح انه مرسل فان الحفاظ كسفيانين وابى الأحوص وشعبة وإسرائيل وشريك وابن خلد الدالاني وجرير وعبد الحميد وزائدة وزهير رووه عن موسى بن عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى
الله عليه وسلم مرسلا قلنا المرسل عندنا حجة وما ذكر فى الطرف المتصلة قد سمعت ان ابن الجوزي أنكر تضعيفه على انه قد رواه ابو حنيفة بسند صحيح على شرط الشيخين روى محمد فى مؤطاه انا ابو حنيفة ثنا ابو الحسن موسى بن ابى عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر عن النبي ﷺ ورواه احمد ابن منيع فى مسنده بسند صحيح على شرط مسلم قال انا اسحق الأرزق ثنا سقيان وشريك عن موسى ابن ابى عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر وفى الباب أحاديث اخر ضعيفة لم نذكرها كراهة الاطناب فان قيل قوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القران عام فى المصلين فلا يجوز تخصيصه بخبر الآحاد وعلى اصل ابى حنيفة قلنا هى عام خص منه البعض وهو المدرك فى الركوع اجماعا فجاز تخصيصها بعده فى المقتدى ووجه القول بالاستحباب فى السرية حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله ﷺ لا يقرأن أحد منكم شيئا من القران إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القران رواه الدارقطني وقال رجاله كلهم ثقات فتخصيص المنع بالجهرية يقتضى الاستحباب فى السرية واستثناء أم القران يقتضى قرأتها عند السكتات جمعا بين الأحاديث وعملا بقوله تعالى وإذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا والله تعالى اعلم وروى عن جماعة من الصحابة ترك القراءة خلف الامام رواه مالك فى المؤطا عن نافع عن ابن عمر انه كان لا يقرأ خلف الامام وروى الطحاوي عن زيد بن ثابت وجابر قالوا لا تقرأ خلف الامام فى شىء من الصلاة وروى محمد فى المؤطا انه سئل ابن مسعود رض عن القراءة خلف الامام قال انصت فان فى الصلاة شغلا ويكفيك الامام وروى محمد بن سعد قال وددت الذي يقرأ خلف الامام فى فيه جمرة وروى نحوه عبد الرزاق الا انه قال فى فيه حجر وروى محمد عن داود بن قيس عن عجلان ان عمر بن الخطاب قال ليت فى فم الذي يقرأ خلف الامام حجرا وروى ابن ابى شيبة فى مصنفه عن جابر قال لا يقرأ خلف الامام ان جهر ولا ان خافت وهذه الأقوال وجه الكراهة فى الجهرية بل فى السرية ايضا بإطلاقها وايضا ترك القراءة فى الجهرية مقتضى فى قوله تعالى
وإذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا وقوله ﷺ إذا قرئ فانصتوا رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة من حديث ابى هريرة وسنذكر تفسير تلك الاية ان شاء الله تعالى (مسئلة:) هل يجب القراءة فى كل ركعة من فرض ونفل فقال الشافعي رض واحمد رض ومالك رض يجب فى كل ركعة مطلقا لان الأمر بالقراءة كالامر بالركوع والسجود وغير انه فى رواية عن مالك ان ترك القراءة فى ركعة واحدة من الفرض الثلاثي والرباعي ينجر بسجود السهو وقال ابو حنيفة فى الوتر والنفل يجب فى كل ركعة ولا ينجر بالسجود فان كل شفعة منه صلوة واما فى الفرض فلا يجب الا فى الركعتين وكان القياس وجوبها فى ركعة واحدة لان الأمر لا يقتضى التكرار ولكن قلنا القراءة وقدرها فلا يلتحقان بهما وهذا الكلام يتوقف على كون المراد بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القران فى القراءة فى الصلاة وذلك ممنوع وللجمهور حديث ابى هريرة قال دخل رجل المسجد فصلى والنبي ﷺ فى المسجد ثم جاء الى النبي ﷺ فسلم عليه فرد عليه السلام وقال ارجع فصل فانك لم تصل ففعل ذلك ثلث مرات فقال والذي بعثك بالحق نبيا ما احسن غير هذا فعلمنى فقال إذا قمت الى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القران ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وفى رواية ثم ارفع حتى تستوى قائما ثم افعل ذلك فى صلوتك كلها متفق عليه وحديث رفاعة الرزقي نحوه رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وحديث ابى قتادة ان النبي ﷺ كان يصلى فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وفى الركعتين الأخريين بام القران وكان يطيل أول ركعة من صلوة الفجر وأول ركعة من صلوة الظهر متفق عليه
وهذا الحديث مع قوله ﷺ صلوا كما رأيتمونى أصلي التحق بيانا بجمل الكتاب وحديث ابى الدرداء ان رجلا قال يا رسول الله أفي كل صلوة قران قال نعم فقال رجل من الأنصار وجبت هذه فان قيل هذه الأحاديث من الآحاد ولا يجوز به الزيادة على الكتاب أجيب بانه على تقدير تسليم هذه المسألة الاصولية نقول بان هذا الحكم انما هو إذا كان الكتاب قطعى الدلالة وقوله تعالى فاقرؤا ليس بل يحتمل وجوه التأويل وان القراءة المأمور بها فى الصلاة مجمل يجوز ان يلتحق أحاديث الآحاد بها بيانا والله تعالى اعلم عَلِمَ الله إِنَّ مخففة من المثقلة وضمير الشان محذوف سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى بدل اشتمال من قوله تعالى علم ان لن تحصوه وتكرار فاقرؤا للتاكيد وقيل استيناف لبيان حكمة اخرى مقتضية للتخفيف
ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه وَآخَرُونَ عطف على اسم يكون يَضْرِبُونَ اى يسافرون فِي الْأَرْضِ للتجارة او لتحصيل العلم وللحج يَبْتَغُونَ حال من ضمير يضربون مِنْ فَضْلِ اللَّهِ الربح فى التجارة او العلم والثواب وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فلا يطيقون هؤلاء الأصناف سنة قيام الليل ذكر البغوي عن ابراهيم عن ابن مسعود رض قال أيما رجل جلب شيئا الى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ثم قرأ عبد الله وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ اى من القرآن فان قيل كلمة ما عام شامل يشتمل جميع ما تيسر فيلزم ان يكون المأمور به ذلك قلنا سوق الكلام يقتضى تخير المكلفين فى جميع افراد ما تيسر فاى فرد منها اتى به فقد اتى بالمأمور به (مسئلة) ويستحب القصد فى العمل والتوسط دون الافراط والتفريط ويستحب المواظبة على المتوسط دون الافراط تارة وترك اخرى واد فى المتوسط يقرأ خمسين اية ومائة وأكثره الف اية حتى يكون الختم فى الأسبوع اخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي ﷺ فاقرءوا ما تيسر منه قال مائة اية قال ابن كثير غريب جدا وروى البغوي بسنده عن انس انه سمع رسول الله ﷺ يقول من قرأ خمسين اية فى يوم وليلة لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائة اية كتب من القانتين ومن قرأ مائتى اية لم تحاجه القران يوم القيامة ومن قرأ خمسمائة اية كتب له قنطار من الاجر وروى الدارمي عن الحسن مرسلا ان النبي ﷺ قال من قرأ فى ليلة مائة اية لم يحاجه القرآن تلك الليلة ومن قرأ فى ليلة مائتى اية كتب له قنوت ليلة ومن قرأ خمسمائة اية الى الف له صحيح فله قنطار من الاجر قالوا وما القنطار قال اثنى عشر الف درجة وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ اقرء القرآن فى كل شهر قال قلت انّى أجد قوة قال فاقرءه فى عشرين ليلة قال قلت انى أجد قوة قال فاقرأ فى سبع ولا تزد على ذلك وفى الصحيحين عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ أحب الأعمال الى الله أدومها وان قل وفيهما عنها قالت قال رسول الله ﷺ خذوا من الأعمال ما يطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا وفيهما عن انس قال قال رسول الله ﷺ ليصل أحدكم نشاطه وإذ فتر فليقعد وفيهما عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم فان أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يستغفر فيسب نفسه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ المكتوبة الجملة مع
صفحة رقم 121
ما عطف عليه معطوفة على فاقرؤا وكلمة الواو للجمعية فهذا العطف يقتضى ان قيام الليل بما تيسر من القران لم ينسخ بالصلوات الخمس كما قيل فثبت ان الأمر كان للندب دون الوجوب والله تعالى اعلم وَآتُوا الزَّكاةَ المفروضة وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قال ابن عباس المراد به الانفاق سوى الزكوة من صلة الرحم وقرى الضيف قلت ويحتمل ان يكون المراد به مطلق الطاعات لله تعالى وان يكون المراد به الزكوة على احسن الوجه يدل عليه قوله تعالى قَرْضاً مفعول مطلق من قبيل أنبته الله نباتا حَسَناً صفة للمصدر
وفيه ترغيب لوعد العوض وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ عبادة بدنية او ما فيه شرط جزاءه تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً ط من الذي توخرونه الى الوصية عند الموت ومن متاع الدنيا وخيرا ثانى مفعولى تجدوه وهو الضمير الفصل لا محل له من الاعراب لان افعل من حكمه حكم المعرفة فلذلك يمتنع من حرف التعريف عن عبد الله قال قال رسول الله ﷺ أيكم ماله أحب اليه من مال وارثه قالوا ما منا أحد الا ماله أحب اليه من مال وارثه قال اعلموا ما تقولون قالوا ما نعلم الا ذلك يا رسول الله قال ما منكم رجل الا مال وارثه أحب اليه من ماله قالوا كيف يا رسول الله قال انما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما اخر رواه البغوي وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ط لذنوبكم الجملة معطوفة على اقيموا الصلاة إلخ وفيه اشارة الى ان الإنسان لا يعتبر باعمال البر ولا يتكل عليه بل لا بد مع ذلك من الاستغفار فان ما صدر منه من الطاعات قلما يخلو من التقصيرات ثم كلما صدر من العبد وان جل فهو بالنسبة الى جناب قدسه وجلالته وعظمته لا يليق به تعالى ما لم ينضم معه الاعتراف بالعجز والقصور والذل إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ عن تقصيراتكم رَحِيمٌ بكم يعطى الثواب الجزيل على العمل القليل.