آيات من القرآن الكريم

قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ

وَجُمْلَةُ قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً بَيَانٌ لِجُمْلَةِ يَدْعُوهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قَالَ بِصِيغَة الْمَاضِي. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ قُلْ بِدُونِ
أَلِفٍ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا. وَالتَّقْدِيرُ: أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي، فَهُوَ مِنْ تَمَامِ مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَيْهِ.
وإِنَّما أَدْعُوا رَبِّي، يُفِيدُ قَصْرًا، أَيْ لَا أَدْعُو غَيْرَهُ، أَيْ لَا أَعْبُدُ غَيْرَهُ دُونَهُ.
وَعُطِفَ عَلَيْهِ وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً تَأْكِيدًا لِمَفْهُومِ الْقَصْرِ، وَأَصْلُهُ أَنْ لَا يُعْطَفَ فَعَطْفُهُ لِمُجَرَّدِ التَّشْرِيكِ لِلْعِنَايَةِ بِاسْتِقْلَالِهِ بِالْإِبْلَاغِ.
[٢١- ٢٣]
[سُورَة الْجِنّ (٧٢) : الْآيَات ٢١ الى ٢٣]
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣)
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ.
هَذَا اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ. وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنْ ذِكْرِ مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَوْجِيهِ خِطَابٍ مُسْتَأْنَفٍ إِلَيْهِ، فَبَعْدَ أَنْ حُكِيَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ من الشؤون الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ مِنِ اتِّبَاعِ مُتَابِعِينَ وَإِعْرَاضِ مُعْرِضِينَ، انْتَقَلَ إِلَى تَلْقِينِهِ مَا يَرُدُّ عَلَى الَّذِينَ أَظْهَرُوا لَهُ الْعِنَادَ وَالتَّوَرُّكَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَخْ، تَكْرِيرًا لِجُمْلَةِ قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي [الْجِنّ: ٢٠] عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَعَاصِمٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ.
وَالضُّرُّ: إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَتَوَرَّكُونَ بِهِ مِنْ طَلَبِ إِنْجَازِ مَا يَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ مِنَ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ: وَلا رَشَداً تَتْمِيمٌ.
وَفِي الْكَلَامِ احْتِبَاكٌ لِأَنَّ الضُّرَّ يُقَابِلُهُ النَّفْعُ، وَالرَّشَدُ يُقَابِلُهُ الضَّلَالُ، فَالتَّقْدِيرُ: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا ضَلَالًا وَلَا رَشَدًا.
وَالرَّشَدُ بِفَتْحَتَيْنِ: مَصْدَرُ رَشَدَ، وَالرُّشْدُ، بِضَمٍّ فَسُكُونٍ: الِاسْمُ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ الصَّوَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [الْجِنّ: ٢].

صفحة رقم 243

وَتَرْكِيبُ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مَعْنَاهُ لَا أَقْدِرُ قُدْرَةً لِأَجْلِكُمْ عَلَى ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ [٤] وَتَقَدَّمَ أَيْضًا
فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَجُمْلَتَا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي إِلَى مُلْتَحَداً مُعْتَرِضَتَانِ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى، وَهُوَ اعْتِرَاضُ رُدٍّ لِمَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْهُ أَنْ يَتْرُكَ مَا يُؤْذِيهِمْ فَلَا يَذْكُرُ الْقُرْآنُ إِبْطَالَ مُعْتَقَدِهِمْ وَتَحْقِيرَ أَصْنَامِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [يُونُس: ١٥].
وَالْمُلْتَحَدُ: اسْمُ مَكَانِ الِالْتِحَادِ، وَالِالْتِحَادُ: الْمُبَالَغَةُ فِي اللَّحْدِ، وَهُوَ الْعُدُولُ إِلَى مَكَانٍ غَيْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يُطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى اللَّجَأِ، أَيْ الْعِيَاذُ بِمَكَانٍ يَعْصِمُهُ.
وَالْمَعْنَى: لَنْ أَجِدَ مَكَانًا يَعْصِمُنِي.
ومِنْ دُونِهِ حَالٌ مِنْ مُلْتَحَداً، أَيْ مُلْتَحَدًا كَائِنًا مَنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ بَعِيدًا عَنِ اللَّهِ غَيْرَ دَاخِلٍ مِنْ مَلَكُوتِهِ، فَإِنَّ الْمُلْتَحَدَ مَكَانٌ فَلَمَّا وُصِفَ بِأَنَّهُ مَنْ دُونِ اللَّهِ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَكَانٌ مِنْ غَيْرِ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي فِي مُلْكِ اللَّهِ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ، وَلِهَذَا جَاءَ لِنَفْيِ وِجْدَانِهِ حَرْفُ لَنْ الدَّال على تأييد النَّفْيِ.
ومِنَ فِي قَوْلِهِ: مِنْ دُونِهِ مَزِيدَةٌ جَارَّةٌ لِلظَّرْفِ وَهُوَ (دُونَ).
وَقَوْلُهُ: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ ضَرًّا ورَشَداً، وَلَيْسَ مُتَّصِلًا لِأَنَّ الضَّرَّ وَالرَّشَدَ الْمَنْفِيَّيْنِ فِي قَوْلِهِ: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً هُمَا الضَّرُّ وَالرَّشَدُ الْوَاقِعَانِ فِي النَّفْسِ بِالْإِلْجَاءِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنْ مُلْتَحَداً، أَيْ بِتَأْوِيلِ مُلْتَحَداً بِمَعْنَى مَخْلَصٍ أَوْ مَأْمَنٍ.
وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ أُسْلُوبِ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ.
وَالْبَلَاغُ: اسْمُ مَصْدَرِ بَلَغَ، أَيْ أَوْصَلَ الْحَدِيثَ أَوِ الْكَلَامَ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْكَلَامِ الْمُبَلَّغِ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ مِثْلَ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ [لُقْمَان: ١١].

صفحة رقم 244
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية