آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا
ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑ

لأنه بني على سبب وهو معلق على وجوده، وذلك مبرم، وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية الثانية من سورة الأنعام المارة فراجعه. ولا شك أنهم لو أطاعوه لعمرهم الله كما عمر أهل السفينة الذي يشير إليه قوله (يؤخركم) ولكنهم لمّا أصروا على كفرهم عجل لهم العذاب «قالَ» نوح عليه السلام على طريق الاعتذار والتقدم بأنه قام بواجبه لحضرة ربه أمام قومه بعد أن رأى نفرتهم عن الإيمان وعدم قبولهم النصح، صار يشكوهم إلى ربه «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً» ٥ دائما مستمرا دائبا في دعوتهم إليك «فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً» ٦ مني وإدبارا عني ونفارا من الإيمان بك «وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ» منذ أمرتني حتى الآن «لِتَغْفِرَ لَهُمْ» ذنوبهم في المدة التي أمهلتهم بها «جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ» لئلا يسمعوا دعوتي وتذكيري بك «وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ» لئلا يروني «وَأَصَرُّوا» على كفرهم «وَاسْتَكْبَرُوا» عن الإيمان وأنفوا من الطاعة «اسْتِكْباراً» ٧ تعاظما وتطاولا علي وهوانا بي واستخفافا بما جئتهم به من لدنك، حتى انهم كرهوا رؤيتي «ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً» ٨ بأعلى صوتي في محافلهم وطرقهم ومجتمعاتهم وحدانا وجماعة «ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ» بدعوتي هذه على ملأ منهم «وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً» ٨ فيما بيني وبينهم إذ لم أترك طريقا من طرق الإرشاد والنصح إلا سلكته معهم ودعوتهم به «فَقُلْتُ» في تلك الحالات كلها «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ» من كفركم ومن ظلم بعضكم «إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً» ١٠ عظيم المغفرة كبير العفو لا يؤاخذ على ما سبق، لأن الإيمان به يجبّ ما قبله فإن أجبتم فإنه بمحض كرمه وفيض جوده
«يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً» ١١ كثيرا يزيل ما حلّ بكم من الجدب، ومفعال يستوي فيه المذكر والمؤنث، وذلك أنه حبس عنهم الغيث وأعقم أرحام نسائهم مدة أربعين سنة لعدم إجابتهم دعوة نبيهم، ولهذا قال لهم ذلك بإلهام من الله تعالى وثقة به أن يفعل لهم ما يقوله، والمراد بالسماء السحاب أو المطر، قال الشاعر:

إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا
وقال لهم أيضا «وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ

صفحة رقم 265

وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً»
١٢ فيها بأن يعطيكم من الخيرات أكثر مما كنتم عليه قبلا، وقال لهم هذا ليحركهم على الإيمان ويرغبهم بما يحدث عنه، لأنهم كانوا يحبون الأموال والأولاد فأتاهم من حيث تميل إليه نفوسهم وطبعهم، روي عن الربيع بن صبيح أن رجلا أتى الحسن البصري (واعلم أنه كلما أطلق لفظ الحسن فقط فالمراد به هذا) فشكا إليه الجدب، فقال استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر، فقال استغفر الله، وشكا إليه آخر قلة النسل فقال استغفر الله، وشكا له آخر قلة ربيع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له الربيع أتاك رجال يشكون أمورا متباينة فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فيكون دواء واحد لعلل مختلفة، فقال ما قلت من نفسي إنما اعتبرت قول الله عز وجل حكاية عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه استغفروا ربكم) الآية. ولما رآهم عليه السلام لا يلتفتون إليه ولا يصغون لهديه هددهم بما حكاه الله عنه بقوله «ما لَكُمْ» يا قوم أي شيء جرى لكم وما شأنكم ولم «لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً» ١٣ فلا تعتقدون عظمته ولا تقدرون هيبته؟ والوقار معنى السكون والحلم، وجاء هنا بمعنى العظمة والجبروت، لأنه يتسبب عنها في الأغلب، وعليه يكون المعنى لماذا لا تأملون لله تعظيما موجبا للإيمان به والطاعة إليه، ومن قال إن رجا بمعنى خاف واستدل بقول الهذلي: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها، غير سديد، لأن الرجاء ضد الخوف في اللغة المتواترة الظاهرة والقول به يوجب ترجيح رواية الآحاد على التواتر، وهو غير جائز لإمكان التوسع بالألفاظ وجعل المثبت منفيا وبالعكس، وهذه الطريقة لا تسلك في الألفاظ القرآنية قطعا.
مطلب أطوار الإنسان رباني عبدة الأوثان وعذاب القبر:
قال تعالى «وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً» ١٤ من حيث الجنسية كالطير في الضعف والاحتياج عند خروجه من البيضة فلا أضعف ولا أخرج للمداراة منه، وفي الصفة في كمال الخلق، فمنكم العالم والجاهل، والجليل والحقير، والغني والفقير، والكريم والبخيل، والسهل والصعب، والمريض والصحيح، وفي الكيفية في الصور من تمام الخلقة وناقصها، وحسن الخلق وسيئه، وحسن الخلق وقبحه، والدميم والقبيح، وفي ابتداء خلقكم أيضا طورا بعد طور، وتارة بعد تارة، وكرة بعد كرة بصورة

صفحة رقم 266

تدريجية، من النطفة إلى علقة، إلى مضغة، إلى لحم وعظام، إلى قوام بديع، وبعد تمام خلقكم جعلكم أصنافا مختلفين أيضا في اللون والشكل واللغة والطبع، راجع الآيتين ٦٤/ ٦٧ من سورة المؤمن المارة، والأطوار هي الأحوال المختلفة قال:

فإن أفاق فقد طارت عمايته والمرء يخلق طورا بعد أطوار
وفي نقصانه أيضا ضعف في القوى والجوارح إلى أضعف تدريجا إلى حالة الهرم والخرف، فسبحان المبدئ المعيد الفعال لما يريد القائل «أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً» ١٥ بعضها فوق بعض «وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً» يضيء ليلا «وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً» ١٦ تضيء نهارا، وإنما سمى الأول نورا والآخر سراجا، لأن نور القمر منعكس عليه من الشمس لاختلاف تشكلاته بالقرب والبعد عنها مع خسوفه بحيلولة الأرض بينه وبينها ونور الشمس، لا بطريق الانعكاس من كوكب آخر، والله أعلم، راجع الآية ٩ من سورة القيامة في ج ١ وما ترشدك إليه تجد ما يتعلق بالكسوف والخسوف. «وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» ١٧ بدأ خلق أصلكم آدم عليه السلام من الأرض والناس كلهم من صلبه ولم يأت المصدر من لفظ الفعل ليكون المعنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا كما هو مشاهد لكم، لأن الإنبات من لفظ الفعل من صفات لله تعالى وصفاته غير محسوسه لنا، فلا نعرف أن ذلك الإنبات إنبات عجيب إلا بإخبار الله تعالى، وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى «ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً» ١٨ بديعا للحشر والحساب، أي يحييكم بعد إماتتكم بصورة لا يعرفها البشر، لأن الإحياء والإماتة من خصائصه جل شأنه، ثم طفق يعدد عليهم بعض نعمه فقال «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً» ١٩ لتمكنوا من التقلب فيها كيفما شئتم، وهذه الآية أيضا لا تنافي كروية الأرض لأنها مبسوطة بالنسبة لما نراه منها، وقد تكون بخلافه، وبسبب عظمها لا تظهر كرويتها للناظرين إلا بأدلة، ثم بين علّة البسط فقال «لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا» طرقا «فِجاجاً» ٢٠ واسعة وضيقة ومختلفة، والطرق تكون في السهل والجبل، والفجاج في الجبل فقط، وبعد أن ذكرهم بذلك كله وعدد عليهم نعم ربه وخوفهم عقابه، علم بإعلام الله إياه عدم إيمانهم، راجع

صفحة رقم 267
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية