آيات من القرآن الكريم

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ
ﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐ ﰒﰓﰔﰕﰖﰗ ﰙﰚﰛﰜﰝﰞﰟ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

أحوال الكفار المكذبين بالرسول صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا والآخرة
[سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٤]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)
الإعراب:
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ما: في موضع رفع مبتدأ، وخبره: لِ الَّذِينَ وكَفَرُوا: صلة «الذين»، وقِبَلَكَ: ظرف مكان في موضع الحال من ضمير كَفَرُوا أو من المجرور: لِ الَّذِينَ أي كائنين قبلك.
ومُهْطِعِينَ: حال بعد حال، وعِزِينَ: حال من ضمير مُهْطِعِينَ أو (الذين).
وعَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ: من صلة عِزِينَ. وعِزِينَ جمع عزة، وأصلها عزوة أو عزهة مثل سنة، ثم حذفت اللام، وجمعت بالواو والنون عوضا عن المحذوف، مثل سنون.
إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ عَلى: في موضع نصب، متعلق ب (قادرون) ونُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ: تقديره نبدّلهم بخير منهم، فحذف المفعول الأول، وحرف الجر من الثاني.
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً يَوْمَ: بدل من قوله: يَوْمَهُمُ في قوله تعالى: حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ أي حتى يلاقوا يوم يخرجون. وسِراعاً: حال من واو يَخْرُجُونَ.
وكذلك قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ حال من ضمير يَخْرُجُونَ.
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ حال من واو يُوفِضُونَ وكذلك تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ.

صفحة رقم 126

ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ تقديره: ذلك اليوم الذي كانوا يوعدونه، فحذف المفعول العائد إلى الاسم الموصول وهو الَّذِي تخفيفا، مثل: أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا [الفرقان ٢٥/ ٤١] أي بعثه. وذلِكَ: مبتدأ وما بعده الخبر.
البلاغة:
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ.. استفهام إنكاري للتقريع والتوبيخ.
كَلَّا، إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ كناية عن المني، مع نزاهة التعبير، وحسن التذكير.
كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ تشبيه مرسل مجمل، وفي التشبيه تهكم بهم، وتعريض بسخف عقولهم، وتجهيل لهم بعبادة غير الله.
المفردات اللغوية:
قِبَلَكَ حولك وناحيتك أو نحوك. مُهْطِعِينَ مسرعين مديمي النظر نحوك.
عِزِينَ جماعات متفرقين حلقات، جمع عزة، وأصلها عزوة من العزو، كأن كل فرقة تعتزي وتنتسب إلى غير من تعتزي إليه الأخرى وتستقل برأي خاص، وعزين من المنقوص الذي جاز جمعه بالواو والنون عوضا من المحذوف، مثل عضين. أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ إنكار لقولهم: لو صح ما يقوله محمد لنكون فيها أفضل حظا منهم كما في الدنيا. كَلَّا ردع لهم عن الطمع في الجنة.
إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ أي خلقناهم وغيرهم من نطف مهينة، فمن لم يستكمل نفسه بالإيمان والطاعة ولم يتخلق بأخلاق الملائكة، لم يتأهل لدخول الجنة.
فَلا أُقْسِمُ أي أقسم، ولا: زائدة. بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ أي للشمس والقمر وسائر الكواكب. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ أي نهلكهم ونأتي بخلق أمثل منهم، أو نأتي بدلهم.
بِمَسْبُوقِينَ بعاجزين أو بمغلوبين. فَذَرْهُمْ اتركهم. يَخُوضُوا يتحدثوا في باطلهم.
وَيَلْعَبُوا في دنياهم. حَتَّى يُلاقُوا يلقوا. الَّذِي يُوعَدُونَ فيه العذاب.
الْأَجْداثِ القبور، جمع جدث. سِراعاً مسرعين إلى المحشر، جمع سريع.
نُصُبٍ والنّصب جمع أنصاب، والنصب: كل شيء منصوب كالعلم أو الراية، والمراد هنا:
ما ينصب للعبادة، وقرئ: نصب بالسكون. يُوفِضُونَ يسرعون. خاشِعَةً ذليلة كسيرة.
تَرْهَقُهُمْ تغشاهم. ذلِكَ الْيَوْمُ أي يوم القيامة.

صفحة رقم 127

سبب النزول: نزول الآية (٣٨) :
أَيَطْمَعُ: قال المفسرون: كان المشركون يجتمعون حول النبي صلّى الله عليه وسلّم يستمعون كلامه، ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزئون ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة، لندخلنها قبلهم، وليكوننّ لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ «١».
المناسبة:
بعد أن وعد الله تعالى المتصفين بصفات عشر بالجنات والإكرام، ذكر أحوال الكفار في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيسرعون إلى الكفر، لذا توعدهم الله بالإبادة والهلاك، وأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالإعراض عنهم حتى يوم البعث، وأما في الآخرة فيخرجون من قبورهم مسرعين إلى معبوداتهم الباطلة من الأصنام والأوثان، وتكون أبصارهم ذليلة، وتغشاهم المذلة بسبب تكذيبهم بيوم القيامة.
التفسير والبيان:
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ أي ما بال هؤلاء الكفار حواليك أيها النبي مسرعين إلى الكفر والتكذيب والاستهزاء بك، وتراهم عن يمين النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن شماله جماعات متفرقة، شاردين فرقا فرقا، وشيعا شيعا، فارين منه، متفرقين عنه، كما قال تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدّثر ٧٤/ ٤٩- ٥١].
وقيل: مهطعين: مادّي أعناقهم، مديمي النظر إليك.
ثم تهكم الله تعالى بتمنياتهم الجنة وأيأسهم من دخول الجنات، فقال:

(١) أسباب النزول للواحدي: ص ٢٥٠

صفحة رقم 128

أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ؟ أي أيطمع هؤلاء المشركون، وحالتهم هذه من الكفر والتكذيب والفرار من الرسول صلّى الله عليه وسلّم ونفرتهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم؟! كلا، بل مأواهم جهنم، كما قال تعالى:
كَلَّا، إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ أي كلا، لا أمل في دخولهم الجنة، فإنا خلقناهم من المني الضعيف، كما قال تعالى: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [المرسلات ٧٧/ ٢٠]. وهذا تقرير لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا حدوثه واستبعدوا وجوده، بدليل الخلق الأول أو البداءة التي يعترفون بها، فتكون الإعادة في تقدير البشر أهون منها، أما بالنسبة لله عز وجل فالبدء والإعادة سواء. وبما أنهم خلقوا من الشيء الضعيف، فهم ضعاف لا ينبغي منهم هذا التكبر.
أخرج أحمد وابن ماجه وابن سعد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قرأ فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ.. إلى قوله: كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ثم بزق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على كفّه، ووضع عليها أصبعه، وقال: «يقول الله: ابن آدم، أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه؟ حتى إذا سوّيتك وعدّلتك، مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي أتى أوان الصدقة».
ثم أنذرهم الله تعالى بالهلاك إن داموا على الكفر، وهددهم بإيجاد آخرين مكانهم لكي يؤمنوا، فقال:
فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ، عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ، وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي فأقسم بمشارق الشمس والقمر والكواكب ومغاربها كل يوم من أيام السنة، على أن نخلق أمثل منهم، وأطوع لله ممن عصره، ونهلك

صفحة رقم 129

هؤلاء، ولن يعجزنا شيء، وما نحن بمغلوبين إن أردنا ذلك، بل نفعل ما أردنا، لكن اقتضت مشيئتنا وحكمتنا تأخير عقابهم.
وهذا دليل على كمال قدرته تعالى على الإيجاد والإعدام مؤكدا بالقسم، وأنه لا يعجزه شيء من الممكنات. وهو تهكم بهم وتنبيه على تناقض كلامهم، حيث إنهم ينكرون البعث، ثم يطمعون في دخول الجنة، وهم يعترفون بأن الله خالق السموات والأرض وخالقهم مما يعلمون، ثم لا يؤمنون بأنه قادر على خلقهم مرة ثانية.
ثم أمر الله تعالى رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالإعراض عنهم حتى يوم البعث زيادة في التهديد، فقال:
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا، حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ أي اتركهم يا محمد يتحدثون في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم، ويعاندوا في تكذيبهم وكفرهم وإنكارهم يوم البعث، حتى يلقوا يوم القيامة وما فيه من أهوال، ويذوقوا وباله، ويجازوا بما عملوا.
ومن أحوالهم في هذا اليوم:
- يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً، كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ أي اذكر يوم يقومون من القبور بدعوة الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب، مسرعين، متسابقين، كأنهم في إسراعهم إلى الموقف، كما كانوا في الدنيا يهرولون أو يسرعون إلى شيء منصوب، علم أو راية، والمراد بالنصب هنا: كل ما ينصب فيعبد من دون الله سبحانه. وقوله: يُوفِضُونَ: يسرعون ويتسابقون إليه.
- خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ أي وتكون أبصارهم ذليلة كسيرة، وتغشاهم المذلة الشديدة، لهول العذاب الذي

صفحة رقم 130

يواجههم، وفي مقابلة استكبارهم عن الطاعة في الدنيا، ذلك اليوم المشتمل على الأهوال العظام هو اليوم الذي أوعدهم الله به، وأنذرهم بملاقاته، وكانوا يكذبون به، وليتهم آمنوا به، فنجوا من العذاب.
وعبر عن ذلك اليوم بلفظ الماضي لأن ما وعد الله به يكون آتيا لا محالة.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١- أنكر الله تعالى على الكفار حول النبي صلّى الله عليه وسلّم مسارعتهم إلى الكفر والتكذيب برسالته والاستهزاء به، فما بالهم يسرعون إليه ويجلسون حواليه، ولا يعملون بأوامره، وتراهم عن يمينه وشماله حلقا حلقا، وجماعات متفرقين.
٢- ثم أنكر عليهم تناقضهم وتعارض أقوالهم ومواقفهم، فهم يكذّبون برسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم ويستهزئون بأصحابه، وينكرون البعث، ثم يقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم، ولئن أعطوا منها شيئا لنعطين أكثر منه!! فرد الله عليهم بقوله: أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ أي إنهم منكرون للبعث، فكيف يطمعون في دخول الجنة؟
٣- أيأسهم الله تعالى من دخول الجنة، فأخبر بأنهم لا يدخلونها، لاستكبارهم، فهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة كما خلق سائر جنسهم، فلا يليق بهم هذا التكبر، وليس لهم فضل يستوجبون به الجنة، وإنما تستوجب الجنة بالإيمان والعمل الصالح ورحمة الله تعالى.
روي أن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير رأى المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف «١» خزّ، وجبّة خزّ، فقال له: يا عبد الله، ما هذه المشية التي يبغضها

(١) المطرف: واحد المطارف: وهي أردية من خز مربعة لها أعلام.

صفحة رقم 131

الله؟ فقال له: أتعرفني؟ قال: نعم، أولك نطفة مذرة «١»، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة، فمضى المهلب وترك مشيته.
٤- أقسم الله لإثبات البعث والرد على المشركين المنكرين له بمشارق الشمس ومغاربها على أنه قادر على إهلاكهم والذهاب بهم، والمجيء بخير منهم في الفضل والطوع والمال، لا يفوته شيء، ولا يعجزه أمر يريده. ولم يقع التبديل، وإنما هدد تعالى القوم بذلك ليؤمنوا.
٥- أوعد الله تعالى المشركين وهددهم بعذاب القيامة، آمرا نبيه عليه السلام أن يتركهم يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم، على جهة الوعيد، وأن يشتغل بما أمر به، ولا يهمه شركهم، فإن لهم يوما يلقون فيه ما وعدوا.
٦- وصف الله حال المشركين يوم البعث بأنهم حين يسمعون الصيحة الآخرة إلى إجابة الداعي يخرجون مسرعين من القبور، كأنهم كما كانوا في الدنيا يسرعون ويتسابقون إلى النّصب: أي ما نصب فعبد من دون الله.
ووصفهم أيضا بأن أبصارهم تكون ذليلة خاضعة، لا يرفعونها لما يتوقعونه من عذاب الله، وتغشاهم مذلة وهوان.
٧- إن هذا اليوم وهو يوم القيامة الذي يكون فيه الكفار على تلك الأوصاف هو اليوم الذي كانوا يوعدونه في الدنيا أن لهم فيه العذاب، ووعد الله آت لا محالة.

(١) مذرة: الفساد. [.....]

صفحة رقم 132

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة نوح عليه السلام
مكيّة، وهي ثمان وعشرون آية.
تسميتها:
سميت سورة نوح باسم نبي الله عليه السلام وقصته مع قومه من بداية دعوته إلى الطوفان، كما جاء في مطلع السورة: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً...
مناسبتها لما قبلها:
هناك وجهان لاتصال هذه السورة بما قبلها:
١- تشابه مطلع السورتين في ذكر العذاب الذي وعد به الكفار: قوم محمد صلّى الله عليه وسلّم في سورة المعارج، وقوم نوح عليه السلام في هذه السورة.
٢- لما قال تعالى في أواخر المعارج: إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ [٤١] عقبه بقصة نوح المشتملة على إغراق قومه إلا من آمن، وتبديلهم بمن هم خير منهم، فوقعت موقع الاستدلال وإثبات خبر القدرة على التبديل، كما وقعت قصة أصحاب الجنة في سورة ن موقع الاستدلال على ما ختم به تَبارَكَ.
ما اشتملت عليه السورة:
هذه السورة كغيرها من السور المكية التي عنيت بغرس أصول العقيدة،

صفحة رقم 133

وتبيان عناصر الإيمان، من عبادة الله وطاعته، وإبطال عبادة الأصنام والأوثان، والاستدلال على وجود الله ووحدانيته وقدرته.
افتتحت السورة ببيان إرسال الله تعالى نوحا إلى قومه، وقيامه بإنذارهم ومطالبتهم بالإقلاع عن ذنوبهم، ليغفر الله لهم، وليمدهم بالأموال والبنين، وليجعل لهم جنات، يفجر فيها الأنهار، ولكنهم أبوا دعوته، وأمعنوا في الضلال والعصيان: إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً.. [الآيات ١- ١٤].
ثم أمرهم تعالى للاستدلال على وجوده ووحدانيته وقدرته والإقبال على طاعته وتعرف نعمه بالنظر في خلق السموات والأرض، والتأمل في خلق الإنسان، وفيما أنعم به على الناس من تذليل الأرض وتسخيرها للنفع، وإيداع لكنوز والمعادن فيها، والتنقل في نواحيها، وسلوك السبل الواسعة فيها: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً.. [الآيات ١٥- ٢٠].
وختمت السورة ببيان كفر قومه وإصرارهم على عبادة الأصنام، وعقابهم في الدنيا والآخرة، ودعاء نوح عليه السلام على قومه بالهلاك والدمار بعد جهاد طويل في الدعوة دام تسع مائة وخمسين سنة، دون أن يقلعوا عن الشرك، ولم ينتفعوا بالإنذار والتذكير: قالَ نُوحٌ: رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي..
[الآيات ٢١- ٢٨].

صفحة رقم 134
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية