
وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)
شرح الكلمات:
قبلك مهطعين؟ : أي نحوك مديمي النظر إليك.
عزين: أي جماعات حلقا حلقا يقولون في استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلها قبلهم.
إنا خلقناهم مما يعلمون: أي من مني قذر وإنما يستوجب دخول الجنة بالطاعات المزكية للنفوس.
على أن نبدلهم خيرا منهم: أي إنا لقادرون على أن نهلكهم ونأتي بأناسٍ خير منهم.
وما نحن بمسبوقين: أي بعاجزين عن إيجاد ما ذكرنا من إهلاك القوم والإتيان بخير منهم.
يوم يخرجون من الأجداث: أي من القبور مسرعين إلى المحشر.
سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون: أي كأنهم في إسراعهم إلى المحشر إلى نصب أي شيء منصوب كراية أو علم يسرعون.
ترهقهم ذلة: أي تغشاهم ذلة.
ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون: أي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة.
معنى الآيات:
قوله تعالى فما للذين١ كفروا قبلك مهطعين يخبر تعالى مقبحا سلوك المشركين إزاء رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول ما للذين كفروا من كفار مكة قبلك أي جهتك حيث كنت في المسجد الحرام مهطعين أو مسرعين مديمي النظر إليك عن اليمين وعن الشمال عزين أي عن يمينك وعن شمالك عزين جمع عزة أي جماعة فهم حلق حلق يستمعون إلى قراءتك بحثا عن كلمة يمكنهم أن يشنعوا بها عليك ويجعلونها مطعنا في دعوتك أي سخرية يسخرون بها وبك ويقولون استهزاء بالمؤمنين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم فرد تعالى عليهم منكرا طمعهم الفارغ بقوله {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ٢
٢ هذه الجملة بدل اشتمال من جملة فما للذين كفروا.

مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} أي بستان إكرام وتنعم كلا لن يتم هذا لهم ولن يكون وهم أنجاس الأرواح بالشرك والمعاصي، ولفت النظر إلى أصل الخلقة وهي المني القذر والقذر لا يدخل دار السلام فمن أراد الجنة فليزك نفسه وليطهرها بالإيمان والعمل الصالح مبعداً لها عما يدسيها من الشرك والمعاصي وهو ما تضمنه قوله تعالى ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ١ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾ وقوله عز وجل ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ أي فلا الأمر كما يتصورون من أنهم لا يبعثون بعد موتهم أقسم برب المشارق الثلاثمائة والستين مشرقا ومغربا حيث الشمس تطلع كل يوم في مطلع وتغرب في آخر لا تعود إليه إلا بعد سنة في مثل ذلك اليوم فأقسم تعالى بنفسه، والمقسم عليه قوله ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ أي على أن نهلكهم ونأتي بخير منهم ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أي عاجزين عن ذلك فكيف إذاً لا نعيدهم أحياء بعد موتهم يوم القيامة ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ أي أمر تعالى رسوله أن يتركهم وما يخوضون فيه من اللهو واللعب والباطل في القول والعمل، وهو تهديد خفي لهم ﴿حَتَّى يُلاقُوا﴾ على ما هم عليه من أدران الشرك وأوضار المعاصي يوهم الذي يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة وشرح حال اليوم فقال يوم يخرجون من الأجداث أي القبور جمع جدث سراعاً أي مسرعين كأنهم إلى نصب٢ أي شيء منصوب من راية أو علم أو تذكار يوفضون أي يحشرون مسرعين حال كون أبصارهم خاشعة أي ذليلة من الفزع والخوف ترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة عجيبة عظيمة. وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ أي هذا هو اليوم الذي كانوا يوعدون بالعذاب فيه وهو يوم القيامة الذي أنكروه وكذبوا به هاهو ذا قد حصل فليتجرعوا غصص الندم وألوان العذاب.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان الحال التي كان عليها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مكة بين ظهراني قريش وما كان يلاقي من أذاهم.
٢- بيان أن الجنة تدخل بالطهارة الروحية من قذر الشرك والمعاصي وإلا فأصل الناس واحد المني القذر باستثناء آدم وحواء وعيسى فآدم أصله الطين وحواء خلقت من ضلع آدم، وعيسى كان بنفخ روح القدس في كم درع مريم فكان بكلمة الله تعالى ومن عدا الثلاثة فمن ماء مهين ونطفة قذرة.
٢ النصب بفتح النون وسكون الصاد: الصنم قرأ نافع نصب بفتح وسكون وقرأ حفص نصب بضم كل من النون والصاد والمعنى واحد وهو الصنم قال الشاعر:
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه
لعافية والله ربك فاعبدا

٣- الاستدلال بالنشأة الأولى على إمكان الثانية.
٤- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٥- بيان أن حياة أهل الكفر مهما تراءى لهم ولغيرهم أنها حياة مدنية سعيدة لم تعد كونها باطلا ولهوا ولعباً.