آيات من القرآن الكريم

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ
ﰘﰙﰚﰛﰜ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨ

الحض التحريك كالحث الا ان الحث يكون بسير وسوق والحض لا يكون بذلك وأصله من الحث على الحضيض وهو قرار الأرض والمعنى ولا يحث اهله وغيرهم على إعطاء طعام يطعم به الفقير فضلا عن ان يعطى ويبذل من ماله على ان يكون المراد من الطعام العين فاضمر مثل إعطاء او بذل لان الحث والتحريض لا يتعلق بالأعيان بل بالأحداث وأضيف الطعام الى المسكين من حيث ان له إليه نسبة أو المعنى ولا يحثهم على إطعامه على ان يكون اسما وضع موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء فالاضافة الى المفعول وذكر الحض دون الفعل ليعلم ان تارك الحض بهذه المنزلة فيكف بتارك الفعل يعنى يكون ترك الفعل أشد فى ان يكون سبب المؤاخذة الشديدة وجعل حرمان المسكين قرينة للكفر حيث عطفه عليه للدلالة على عظم الجرم ولذلك قال عليه السلام البخل كفر والكافر فى النار فتخصيص الامرين بالذكر لما ان أقبح العقائد الكفر واشنع الرذائل البخل والعطف للدلالة على ان حرمان المسكين صفة الكفرة كما فى قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة فلا يلزم ان يكون الكفار مخاطبين به بالفروع وفى عين المعاني وبه تعلق الشافعي فى خطاب الكفار بالشرائع ولا يصح عندنا لان توجيه الخطاب بالأمر ولا امر هاهنا على انه ذكر الايمان مقدما وبه نقول انتهى وقال ابن الشيخ فيه دليل على تكليف الكفار بالفروع على معنى انهم يعاقبون على ترك الامتثال بها كعدم اقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والانتهاء عن الفواحش والمنكرات لا على معنى انهم يطالبون بها حال كفرهم فانهم غير مكلفين بالفروع بهذا المعنى لانعدام اهلية الأداء فيهم لان مدار اهلية الأداء هو استحقاق الثواب بالاداء ولا ثواب لاعمال الكفار واهلية الوجوب لا تستلزم اهلية الأداء كما تقرر فى الأصول انتهى والحاصل ان الكفار مخاطبون بالفروع فى حق المؤاخذة لا غير وعن أبى الدرداء رضى الله عنه انه كان يحض امرأته على تكثير المرق لاجل المساكين وكان يقول خلعنا نصف السلسلة بالايمان أفلا نخلع نصفها الآخر بالاطعام والحض عليه

جوى باز دارد بلاي درشت عصايى شنيدى كه عوجى بكشت
كسى نيك بيند بهر دو سراى كه نيكى رساند بخلق خداى
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ وهو يوم القيامة هاهُنا اى فى هذا المكان وهو مكان الاخذ والغل حَمِيمٌ اى قريب نسبا او ودا يحميه ويدفع عنه ويحزن عليه لان أولياءه يتحامونه ويفرون منه كقوله ولا يسأل حميم حميما وقال فى عين المعاني قريب يحترق له قلبه من حميم الماء وقال القاشاني لاستيحاشه من نفسه فكيف لا يستوحش غيره منه وهو من تتمة ما يقال للزبانية فى حقه اعلاما بانه محروم من الرحمة وحثالهم على بطشه وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ قال فى القاموس الغسلين بالكسر ما يغسل من الثوب ونحوه كالغسالة وما يسيل من جلود أهل النار والشديد الحر وشجر فى النار انتهى والمعنى ولا طعام الا من غسالة اهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم بعصر قوة الحرارة النارية وبالفارسية زردابه وريمى كه از تنهاى ايشان ميرود (روى) انه لو وقعت قطرة منه على الأرض لأفسدت على الناس معايشهم

صفحة رقم 147

يقال للنار دركات ولكل دركة نوع طعام وشراب وسيجيئ وجه التلفيق بينه وبين قوله ليس لهم طعام الا من ضريع فى الغاشية وهو فعلين من الغسل فالياء والنون زائدتان وفى الكواشي او نونه غير زائدة وهو شجر فى النار وهو من أخبث طعامهم والظاهر ان الاستثناء متصل ان جعل الطعام شاملا للشراب كما فى قوله تعالى ومن لم يطعمه فانه منى فانهم فسروه بمن لم يذقه من طعم الشيء إذا ذاقه مأكولا كان او مشروبا لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ صفة غسلين والتعبير بالأكل باعتبار ذكر الطعام اى لا يأكل ذلك الغسلين الا الآثمون اصحاب الخطايا وهم المشركون كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما وقد جوز أن يرادبهم الذين يتخطون الحق الى الباطل ويتعدون حدود الله من خطئ الرجل من باب علم إذا تعمد الخطا اى الذنب فالخاطئ هو الذي يفعل ضد الصواب متعمدا لذلك والمخطئ هو الذي يفعله غير متعمد أي يريد الصواب فيصير الى غيره من غير قصد كما يقال المجتهد قد يخطئ وقد يصيب وفى عين المعاني الخاطئون طريق التوحيد وفى التأويلات النجمية ولا يحض مساكين الأعضاء والجوارح بالأعمال الصالحات والأقوال الصادقات والأحوال الصافيات فليس له اليوم هاهنا من يعينه ويؤنسه لان المؤنس ليس الا الأعمال والأحوال ولا طعام لنفسه الميشومة الا غسالة اعماله وأفعاله القبيحة الشنيعة لا يأكله الا المتجاوزون عن اعمال الروح والقلب القاصدون مراضى النفس والهوى متبعون للشهوات الجسمانية واللذات الحيوانية فَلا أُقْسِمُ اى فأقسم على ان لا مزيدة للتأكيد واما حمله على معنى نفى الاقسام لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم فيرده تعبين المقسم به بقوله بما إلخ وقال بعضهم هو جملتان والتقدير وما قاله المكذبون فلا يصح إذ هو قول باطل ثم قال اقسم بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ قسم عظيم لانه قسم بالأشياء كلها على سبيل الشمول والإحاطة لانها لا تخرج عن قسمين مبصر وغير مبصر فالمبصر المشاهدات وغير المبصر المغيبات فدخل فيهما الدنيا والآخرة والأجسام والأرواح والانس والجن والخلق والخالق والنعم الظاهرة والباطنة وغير ذلك مما يكون لائقا بأن يكون مقسما به إذ من الأشياء ما لا يليق بأن يكون مقسما به واليه الاشارة بقول القاشاني اى الوجود كله ظاهرا وباطنا وبقول ابن عطاء آثار القدرة واسرارها وبقول الشيخ نجم الدين بما تبصرون من المشهودات والمحسوسات بابصار الظواهر وما لا تبصرون من المغيبات ببصائر البواطن يعنى بالمظاهر الاسمائية والمظاهر الذاتية وبقول الحسين اى بما اظهر الله لملائكته والقلم واللوح وبما اختزن فى علمه ولم يجر القلم به ولم تشعر الملائكة بذلك وما اظهر الله للخلق من صفاته وأراهم من صنعه وأبدى لهم من علمه فى جنب ما اختزن عنهم الا كذرة فى جنب الدنيا والآخرة ولو أظهر الله ما اختزن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن حمله وقال الشيخ أبو طالب المكي قدس سره فى قوت القلوب إذا كان العبد من اهل العلم بالله والفهم عنه والسمع منه والمشاهدة له شهد ما غاب عن غيره وابصر ما عمى عنه سواه كما قال تعالى فلا اقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إِنَّهُ اى القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ وقوله قول الحق كما قال وما ينطق عن الهوى وكما قال فأجره حتى يسمع كلام الله

صفحة رقم 148
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية