
نفسه وغيره من الخير والإصلاح. مُعْتَدٍ أَثِيمٍ كثير الاعتداء وارتكاب الآثام والمعاصي مع الناس. عُتُلٍّ جاف غليظ الطبع سىء الخلق، بغيض المعاملة، أكول شروب مادى حقير. بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ بعد هذا كله فهو دعى ليس ذا أصل معروف، وقد كان الوليد كذلك استحلقه أبوه بعد ولادته بثمان عشرة سنة.
لأنه كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال: هي أساطير الأولين وأكاذيبهم، يتداولها الناس من جيل إلى جيل.
هذا المخلوق ومن على شاكلته سيسمه ربك على أنفه «١» وسيلحق به ذل وعار يلزمه لزوم العلامة، وقد تحقق ذلك فسيظل اسم الوليد بن المغيرة مقرونا بالذل والحقارة إلى يوم الدين.
هذا هو محمد صلّى الله عليه وسلّم أكرم الخلق على الله، وهذه بعض صفاته يسجلها ربه في هذه السورة، ومعها توجيهات إلهية له ولكل من يقوم بدعوته، ومع هذا كله صفات عشرة كلها في منتهى الذم والحقارة وصف بها عدو من أعداء الحق والدعوة المحمدية!!!
قصة أصحاب الجنة ومغزاها [سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٧ الى ٣٣]
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١)
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)

المفردات:
بَلَوْناهُمْ: فعلنا معهم فعل المختبر. الْجَنَّةِ المراد: البستان كثير الزروع والثمار والأغصان الملتفة التي تستر ما تحتها، والعرف يخص الجنة بفراديس النعيم في الآخرة. لَيَصْرِمُنَّها الصرام: وقت جنى الثمر. مُصْبِحِينَ: داخلين في الصباح. وَلا يَسْتَثْنُونَ المراد لا يقولون: إن شاء الله. طائِفٌ أى: طرقها في الليل من أمر الله طارق وهو هلاكها. كَالصَّرِيمِ: كالبستان المصروم ثمره أى: المقطوع، وللصريم معان أشهرها أنه الليل المظلم أو الأرض السوداء.
حَرْثِكُمْ: زرعكم والمراد مكان الزرع، أى: الحقل. يَتَخافَتُونَ:
يتكلمون كلاما مهموسا لا يسمعه أحد. وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ: ذهبوا حالة كونهم قادرين في ظنهم على حرد أى: منع للمساكين. أَوْسَطُهُمْ: أعدلهم وأحسنهم رأيا لأن الوسط من كل شيء خياره وعليه قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). لَوْلا تُسَبِّحُونَ: هلا تنزهون الله من كل سوء. يَتَلاوَمُونَ أى: يلوم بعضهم بعضا. يا وَيْلَنا: يا هلاكنا احضر فهذا أوانك.
طاغِينَ: متجاوزين الحد والعقل والشرع. راغِبُونَ أى: متوجهون ومتضرعون.
المعنى:
لقد منّ الله على الناس جميعا بنعم لا تعد ولا تحصى، ومن الناس: أهل مكة، حيث كانت لهم تجارات واسعة وبعض المزروعات، وكانت لهم رحلتان صيفا وشتاء، ثم

أرسل لهم رسول الله بالهدى ودين الحق ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الهدى والعلم، ومع النبي صلّى الله عليه وسلّم قرآن فيه ذكرهم وشرفهم يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ولكنهم كفروا وكذبوا، ولم يراعوا حق الله، وكفروا بالنعم فاستحقوا العذاب والهلاك، أليس هذا بلاء وأى بلاء؟
إنا بلونا أهل مكة بالنعم، ثم بإرسال إمام الرسل، فكفروا واستحقوا من الله عظيم النقم، حيث اغتروا بالمال والأهل والولد، ولم يرعوا حق الله فيهم، كما بلونا أصحاب البستان كثير الخير والبركات عظيم الثمر، ملتف الأغصان، ولكنهم ما عرفوا حق الله وكفروا بالمساكين وحقوقهم، ثم بعد ذلك ندموا، ولات ساعة الندم.
ولأصحاب البستان قصة خلاصتها: كان هناك رجل صالح يخاف الله، ويعطى حقوق المساكين، ويعلن عن يوم الجنى ليحضر كل مستحق فيأخذ من خير الله ما يستحق، ثم توفى هذا الرجل وخلفه أولاده على البستان وكانوا كثرة، ثم لما قرب جنى الثمار تذاكروا فيما بينهم ماذا يفعلون كما كان أبوهم يفعل؟ لا. إنه كان رجلا طيبا، وكان فردا واحدا منهم تبعاته قليلة، أما نحن فجماعة ولنا أولاد، وبأى شيء يستحق المسكين في البستان؟ ونحن الذين قمنا بالحرث والزرع والتسميد. لا. لا. لن نعطى أحدا، قالوا هذا إلا واحدا منهم وعظهم فلم يتعظوا، وأمرهم فلم يأتمروا، وكان واحدا وهم جماعة فنزل على إرادتهم مكرها، ولا تنس قول الله: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا [سورة البقرة آية ٢٦٨].
عقدوا أمرهم عشاء على أن يذهبوا مبكرين في الصباح ليصرموا الجنة وحدهم بدون أن يعلم المساكين ولم يقولوا: إن شاء الله، وظنوا أنهم قادرون على منعهم، وبيناهم كذلك إذ طاف عليها طائف من ربك، وطرقها بلاء عظيم لم يكن للإنسان فيه أى مدخل، فأصبحت كالبستان المصروم ثمره. أصبحت كقطعة الليل ظلاما، أرأيت إلى حقل القطن بعد الجنى؟ إنه كالليل الأسود.
فلما رأوها هكذا، بعد أن ساروا ليلا في السر، وكتموا أنفاسهم حتى لا يعلم مسكين قصدهم، لما رأوها قالوا: يا ويلنا إنّا لضالون حيث منعنا حقوق المساكين وغفلنا عن قدرة الله الكبير، ثم بعد ذلك ذهبوا إلى أبعد من هذا قائلين: لا تظنوا أنا حرمنا المساكين بفعلنا هذا. لا. ليسوا محرومين أبدا فإن الله موجود، ولكن نحن