آيات من القرآن الكريم

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ
ﮞﮟﮠﮡﮢ

وقال الكلبي: ﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ يقولون: نستغفر ربنا مما صنعنا (١)، ثم لام بعضهم بعضًا فيما فعلوا من العزم على منع المساكين.
٣٠ - وقوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠)﴾ يقول (٢) هذا لهذا: أنت أشرت علينا بهذا الرأي. ويقول هذا لهذا: أنت (٣) منعتنا أن ندخلها المساكين. فكان هذا هو التلاوم بينهم، قاله عطاء والكلبي (٤).
وقال مقاتل: يلوم بعضهم بعضًا في منع حقوق المساكين (٥).
ثم نادوا على أنفسهم بالويل فقالوا: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد طغينا فيما أعطانا الله ولم نأخذه بالشكر كما صنعت الآباء. فدعوا الله وتضرعوا (٦). ثم اجتمع (٧) القوم وتعاقدوا إن أبدلنا الله (٨) بها خيرًا منها لنصنعن كما صنعت الآباء. فدعوا الله وتضرعوا إليه وسألوه ذلك، وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم الله بها خيرًا منها جنة يقال لها: الحيوان، فيها عنب ليس يحمل البغل منها إلا عنقودًا، فذلك قوله تعالى:

(١) انظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ٢٤٤.
(٢) (ك): (يقولون).
(٣) (ك): (أن).
(٤) (س): (قاله عطاء والكلبي) زيادة. وانظر: "تنوير المقباس" ٦/ ١٢٣، و"التفسير الكبير" ٣٠/ ٩٠.
(٥) انظر: "تفسير مقاتل" ١٦٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٠.
(٦) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٩/ أ، و"الوسيط" ٤/ ٣٣٨، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨٠، ومن نسبه منهم عزاه لابن كيسان.
(٧) (ك): (احتج).
(٨) (ك)، (س): (الله أبدلنا).

صفحة رقم 107

﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (٣٢)﴾ (١)، وفي هذا إشارة إلى أنهم لما بلوا بذهاب ما لهم تذكروا فرجعوا إلى الله تعالى بالرغبة. وهو وعظ لأهل مكة بالتذكير والرجوع إلى الله تعالى. فلما بلاهم بالجدب حين دعا عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر (٢)، واجعلها سنين كسنى يوسف" (٣).
وقال عطاء عن ابن عباس: هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إلى بدر وحلفوا ليقتلن محمدًا وأصحابه وليرجعن إلى مكة حتى يطوفوا بالبيت ويشربوا الخمر ويضرب القيان على رؤوسهم، فأخلف الله ظنهم، وقطع رجاهم فقتلوا وأسروا وانهزموا (٤) كأهل هذه الجنة لما انطلقوا إليها عازمين على الصرام وإحراز المال دون المساكين فلما انتهوا إليها وجدوها سوداء محترقة، فخاب ظنهم وأخلف رجاؤهم، فذلك قوله: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

(١) أخرجه الثعلبي وغيره عن ابن مسعود -رضي الله عنه-.
انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ١٦٩/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٣٨١، و"غرائب القرآن" ٢٩/ ٢١.
(٢) (ك): (أهل مضر).
(٣) متفق عليه. أخرجه البخاري في مواضع من "صحيحه"، كتاب: الجهاد، باب: الدعاء على المشركين ٤/ ٥٢، وكتاب: التفسير، سورة النساء ٦/ ٦١، ومسلم في كتاب: المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة ١/ ٤٦٦، وأحمد في "المسند" ٩/ ٢٣٩.
ولفظ البخاري. "اللهم أنج سلمة بن هشام، الله أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف".
(٤) (س): (وانهزموا) زيادة.

صفحة رقم 108
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية