
ممن يسمع او يعقل لَوْ كُنَّا فى الدنيا نَسْمَعُ كلاما أَوْ نَعْقِلُ شيأ وفيه دليل على ان العقل حجة التوحيد كالسمع وقدم السمع لانه لا بد اولا من سماع ثم تعقل المسموع وقال سعدى المفتى قوله لو كنا إلخ يجوز أن يكون اشارة الى قسمى الايمان التقليدى والتحقيقى اى الاستدلالي لانه يحتاج الى النظر دون التحقيقى العيانى لانه يحصل بالكشف لا العقل ما كُنَّا اليوم فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ اى فى عداد اهل النار الموقدة واتباعهم وهم الشياطين لقوله تعالى واعتدنا لهم عذاب السعير كأن الخزنة قالوا لهم فى تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم من السنة الرسل ولم تعقلوا معانيها حتى لا تكذبوا بها فأجابوا بذلك وفى التأويلات النجمية لو كنا نسمع بأسماع قلوبنا او نعقل بعقول أرواحنا ما كنا فى اصحاب السعير ولكنا سمعنا باسماع محتومة وعقول معلولة مقفولة فَاعْتَرَفُوا اضطرارا حين لا ينفعهم الاعتراف وهو اقرار عن معرفة وفى عين المعاني عرفوا أنفسهم بالجرم بِذَنْبِهِمْ اختيارا بصرف قواهم الى سوء الاقتراف وهو كفرهم وتكذيبهم بآيات الله ورسله وقال بعضهم أفرد الذنب لانه يفيد فائدة الجمع بكونه اسم جنس شامل للقليل والكثير أو أريد به الكفر وهو وان كان على انواع فهو ملة واحدة فى كونه نهاية الجرم واقتضاء الخلود الابدى فى النار فَسُحْقاً مصدر مؤكد اما لفعل متعد من المزيد بحذف الزوائد اى فأسحقهم الله اى ابعدهم من رحمته سحقا اى اسحاقا وابعادا بسبب ذنبهم او لفعل مرتب على ذلك الفعل اى فأسحقهم الله فسحقوا اى بعدوا سحقا اى بعدا ويقال سحق الشيء مثل كرم فهو سحيق اى بعد فهو بعيد قيل هو تحقيق وقيل هو على الدعاء وهو تعليم من الله لعباده أن يدعوا عليهم به كما فى التيسير ومعناه بالفارسية پس دور كرد خداى تعالى دور كردنى ايشان را از رحمت خود. قال بعضهم دعاء عليهم من الله اشعارا بأن المدعو عليهم مستحقون لهذا الدعاء وسيقع عليهم المدعو به من البعد والهلاك لِأَصْحابِ السَّعِيرِ اللام للبيان كما فى هيت لك والمراد الشياطين والداخلون من الكفرة وفيه اشارة الى ان الله تعالى بعد اهل الحجاب من جنة القرب وقربهم من جهنم البعد إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ اى يخافون عذابه وهو عذاب يوم القيامة ويوم الموت ويوم القبر خوفا ورلء عيونهم حال كون ذلك العذاب غائبا عنهم ولم يعايتوه بعد على ان بالغيب حال من المضاف المقدر او غائبين عنه تعالى اى عن معاينة عذابه واحكام الآخرة او عن أعين الناس لانهم ليسوا كالمنافقين الذين إذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا وإذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نجن مستهزؤن على انه حال من الفاعل وهو ضمير يخشون او بما خفى منهم وهو قلوبهم فالباء للاستعانة متعلقة بيخشون والالف واللام اسم موصول وكانوا يشمون من كبد أبى بكر الصديق رضى الله عنه رائحة الكبد المشوى من شد الخوف من الله تعالى وكان عليه السلام يصلى ولصدره ازيز كأزيز المرجل من البكاء والأزيز الغليان وقيل صوته والمرجل قدر من نحاس لَهُمْ مَغْفِرَةٌ عظيمة تأتى على جميع ذنوبهم ولما كان السرور انما يتم بالإعطاء قال وَأَجْرٌ كَبِيرٌ اى ثواب
صفحة رقم 85
ومشروب وملبوس فيه مقدمات كثيرة لو احتاج العبد الى مباشرتها بنفسه لعجز عن ذلك ومن سنة الله سبحانه حفظ كل لطيفة فى طى كل كثيفة كصيانة الودائع فى المواضع المجهولة ألا ترى انه جعل التراب الكثيف معدن الذهب والفضة وغيرهما من الجواهر والصدف معدن الدر والذباب معدن الشهد والدود معدن الحرير وكذا جعل قلب العبد محلا ومعدنا لمعرفته ومحبته وهو مضغة لحم فالقلب خلق لهذا لا لغيره فعلى العبد أن يطهره عن لوث التعلق بما سوى الله فان الله تعالى لطف به بايجاده ذلك القلب فى جوفه ووصف نفسه بانه لطيف خبير مطلع على ما فى الباطن فاذا كان هو المنظر الإلهي وجب تخليته عن الافكار والأغيار وتحليته بأنواع المعارف والعلوم والاسرار وتجليته بتجلى الله الملك العزيز الغفار بوجوه أسمائه وصفاته بل بعين ذاته نسأل الله تعالى نواله وأن يرينا جماله هُوَ وحده الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اى لمنافعكم الْأَرْضَ اختلفوا فى مبلغ الأرض وكميتها فروى عن مكحول انه قال ما بين أقصى الدنيا الى أدناها مسيرة خمسمائة سنة مائتان من ذلك فى البحر ومائتان ليس يسكنها أحد وثمانون فيها يأجوج ومأجوج وعشرون فيها سائر الخلق وعن قتادة انه قال الدنيا ان بسيطها من حيث يحيط بها البحر المحيط اربعة وعشرون الف فرسخ فملك السودان منها اثنا عشر الف فرسخ وملك الروم ثمانية آلاف فرسخ وملك العجم والترك ثلاثة آلاف فرسخ وملك العرب الف فرسخ وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما انه قال ربع من لا يلبس الثياب من السودان اكثر من جميع الناس وقد خرج بطليموس مقدار قطر الأرض واستدارتها فى المجسطي بالتقريب وهو كتاب له يذكر فيه القواعد التي يتوسل بها فى اثبات الأوضاع الفلكية والارضية بأدلتها التفصيلية قال استدارة الأرض مائة الف وثمانون الف اسطاربوس وهى اربعة وعشرون الف ميل فتكون على هذا الحكم ثمانية آلاف فرسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل ثلاثة آلاف ذراع بالمكي والذراع ثلاثة أشبار وكل شبر اثنتا عشرة إصبعا والإصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها الى بعض وعرض الشعيرة الواحدة ست شعرات من شعر بغل والاسطاربوس اربعمائة الف ذراع قال وغلظ الأرض وهو قطرها سبعة آلاف وستمائة وثلاثون ميلا يكون الفين وخمسمائة فرسخ وخمسة وأربعين فرسخا وثلثى فرسخ قال فبسيط الأرض كلها مائة واثنان وثلاثون الف الف وستمائة الف ميل فيكون مائتى الف وثمانية آلاف فرسخ قال صاحب الخريدة فان كان ذلك حقا فهو وحى من الحق او الهام وان كان قياسا واستدلالا فهو قريب ايضا من الحق واما قول قتادة ومكحول فلا يوجب العلم اليقيني الذي يقطع على الغيب به انتهى ذَلُولًا اى لينة منقادة غاية الانقياد لما تفهمه صيغة المبالغة يسهل عليكم السلوك فيها لتتوصلوا الى ما ينفعكم وبالفارسية نرم ومنقادتا آسان باشد سير شما بران. ولو جعلها صخرة خشنة تعسر المشي عليها او جعلها لينة منبتة يمكن فيها حفر الآبار وشق العيون والأنهار وبناء الابنية وزرع الحبوب وغرس الأشجار ولو كانت صخرة صلبة لتعذر ذلك ولكانت حارة فى الصيف جدا وباردة فى الشتاء فلا تكون كفاتا للاحياء والأموات وايضا ثبتها بالجبال الراسيات كيلا
صفحة رقم 88
تتمايل وتنقل بأهلها ولو كانت مضطربة متمايلة لما كانت منقادة لنا فكانت على صورة الإنسان الكامل فى سكوتها وسكونها وكانت هى وحقائقها فى مقابلة القلم الأعلى والملائكة المهيمة والحاصل ان الله تعالى جعل الأرض بحيث ينتفع بها وقسمها الى سهول وجبال وبراري وبحار وانهار وعيون وملح وعذب وزرع وشجر وتراب وحجر ورمال ومدر وذات سباع وحيات وفارغة وغير ذلك بحكمته وقدرته قال سهل قدس سره خلق الله الأنفس ذلولا فمن أذلها بمخالفتها فقد نجاها من الفتن والبلاء والمحن ومن لم يذلها واتبعها أذلته نفسه وأهلكته يقال دابة ذلول بينة الذل او هو بالكسر اللين والانقياد وهو ضد الصعوبة فالذلول من كل شىء المنقاد الذي يذل لك وبالضم الهوان ضد العز قال الراغب الذل ما كان عن قهر يقال ذل يذر ذلا والذل ما كان بعد
تصعب وشماس من غير قهر يقال ذل يذل ذلا وجعلهما البيهقي فى تاج المصادر من الباب الثاني حيث قال فى ذلك الكتاب والباب الذل خورشدن والذل رام شدن. وكذا فى مختار الصحاح وجعل صاحب القاموس الذل ضد الصعوبة بالضم والكسر والذل بمعنى الهوان بالضم فقط والذلول فعول بمعنى الفاعل ولذا عرى عن علامة التأنيث مع ان الأرض مؤنث سماعى فَامْشُوا فِي مَناكِبِها الفاء لترتيب الأمر على الجعل المذكور وهو أمر اباحة عند بعض اى فاسلكوا فى جوانبها وخبر فى صورة الأمر عند آخرين اى تمشون فى أطرافها من حيث اى منكبى الرجل جانباه فشبه الجوانب بالمناكب وإذا مشوا وساروا فى جوانبها وأطرافها فقد احاطوا بها وحصل لهم الانتفاع بجميع ما فيها قال الراغب المنكب مجتمع ما بين العضد والكتف ومنه استعير للارض فى قوله فامشوا فى مناكبها كاستعارة الظهر لها فى قوله ما ترك على ظهرها انتهى او فى جبالها وشبهت بالمناكب من حيث الارتفاع وكان لبشر بن كعب سرية فقال لها ان أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة فقالت مناكبها جبالها فصارت حرة فأراد أن يتزوجها فسال أبا الدرداء رضى الله عنه فقال دع ما يريبك الى ما لا يريبك وهو مثل لفظ التذليل ومجاوزته الغاية اى تذليل البعير لا مطلقا كما فى حواشى سعدى المفتى فان منكب البعير ارق أعضائه وانباها عن أن يطاها الراكب بقدمه فاذا جعل الأرض فى الذل بحيث يتأتى المشي فى مناكبها لم يبق منها شىء لم يتذلل فخرج الجواب عن وجه تخصيص المشي فى الجبال على تقدير أن يراد بالمناكب الجبال لكن من الجبال ما يتعذر سلوكها كجبل السد بيننا وبين يأجوج ومأجوج ورد فى الحديث انه تزالق عليه الا رجل ولا تثبت ومنها ما يشق سلوكها وانما لم تعتبر لندرتها وقلتها وفى التأويلات النجمية هو الذي جعل لكم ارض البشرية ذلولا منقادة فخذوا من ارضها بقدر الحاجة من أعاليها وأسافلها من اللذات الجسمانية المباحة لكم بحكم الشرع لتقوية أبدانكم وتهيئة اسباب طاعاتكم وعباداتكم لئلا تضعف بالكلية وتكل عن العبادة وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ والتمسوا من نعم الله تعالى فيها من الحبوب والفواكه ونحوها والأمر ان كان امر اباحة فالرزق ما يكون حلالا وان كان خبرا فى صورة الأمر بمعنى تأكلون فيجوز أن