
البحتري الطائي قال: سمعت من سمع من رسول الله قوله: «لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم» وحديثا آخر عن النبي ﷺ أنه قال: «لا يدخل أحد النار إلّا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنّة» وهذا وذاك متساوق مع ما أخبر الله به من مما سيكون من اعتراف الكفار بذنوبهم واستحقاقهم للنار. ومتصل فيما يتبادر لنا بالهدف الذي استهدفته الآيات.
[سورة الملك (٦٧) : آية ١٢]
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢)
. احتوت هذه الآية بيان مصير المؤمنين الذي يتّقون الله وعذابه المغيّب عنهم مقابلة لبيان مصير الكفار جريا على الأسلوب القرآني. فإنّ لهم من ربّهم المغفرة والأجر الكبير. وفي الآية بشرى وتطمين وتثبيت للمؤمنين في الوقت نفسه.
[سورة الملك (٦٧) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)
. المتبادر أن الخطاب في الآية الأولى موجّه للمكذبين، وفي الآيات والحالة هذه عود على بدء إلى التنديد بالكفار وإنذارهم.
وقد تضمنت الأولى تحديا لهم: فسيّان عند الله أن تسروا ما تقولون أو تجهروا به فهو عليم به لأنه عليم بكل ما يجول في صدور الناس وأفكارهم.
وتضمنت الثانية حجّة برهانيّة على ذلك: فالله هو الذي خلق الناس ومن الطبيعيّ أن يعلم أعمالهم وما يدور في أفكارهم وما تخفيه صدورهم. وهو اللطيف الذي يعرف دقائق الأمور، الخبير الذي لا يعزب عن علمه شيء.
[سورة الملك (٦٧) : آية ١٥]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)

(١) ذلولا: مسخّرة للانتفاع بها بيسر وسهولة.
(٢) مناكبها: أرجائها.
في الآية:
١- تذكير بفضل الله على الناس بما كان من تسخيره الأرض وتيسيره الانتفاع بخيراتها ليسعوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه.
٢- وتقرير بأن مرجع الناس إليه ليحاسبهم على أعمالهم.
وواضح أن الآية استمرار للآيات السابقة سياقا وموضوعا.
تعليق على آية هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ
ومع أن من المحتمل أن يكون الخطاب فيها موجها للكافرين الذين هم موضوع الخطاب في الآيات السابقة فإنها تنطوي على ما هو المتبادر على تلقينات جليلة المدى:
١- فقد سخّر الله الدنيا للجميع فليس لأحد أن يمنع أحدا من السعي في مناكبها والانتفاع منها.
٢- وقد حثّ الجميع على السعي في مناكبها فليس لأحد أن يأكل سعي غيره أو يسلبه ثمرات سعيه ويقعد هو عن السعي.
٣- وقد سخّر الدنيا ومنافعها لجميع الناس ولكنه نبههم إلى أن هذه المنافع لا تنال إلّا بالسعي والعمل.
٤- وقد قرر أن الرزق الذي يستخرجه الناس من الأرض هو في الحقيقة