آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة التّحريم
وهي مدنية بإجماع من أهل العلم بلا خلاف.
قوله عز وجل:
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣)
روي في الحديث عن زيد بن أسلم والشعبي وغيرهما ما معناه أن رسول الله ﷺ لما أهدى المقوقس مارية القبطية اتخذها سرية، فلما كان في بعض الأيام وهو يوم حفصة بنت عمر، وقيل بل كان في يوم عائشة، جاء رسول الله ﷺ إلى بيت حفصة فوجدها قد مرت إلى زيارة أبيها، فبعث رسول الله ﷺ في جاريته فقال معها، فجاءت حفصة فوجدتهما فأقامت خارج البيت حتى أخرج رسول الله ﷺ مارية وذهبت، فدخلت حفصة غيرى متغيرة اللون فقالت: يا رسول الله أما كان في نسائك أهون عليك مني؟ أفي بيتي وعلى فراشي؟ فقال لها رسول الله ﷺ مترضيا لها: أيرضيك أن أحرمها قالت: نعم، فقال: إني قد حرمتها. قال ابن عباس، وقال مع ذلك والله لا أطؤها أبدا، ثم قال لها: لا تخبري بهذا أحدا، فمن قال إن ذلك كان في يوم عائشة، قال استكتمها خوفا من غضب عائشة وحسن عشرتها، ومن قال: كان في يوم حفصة، قال استكتمتها لنفس الأمر، ثم إن حفصة رضي الله عنها قرعت الجدار الذي بينها وبين عائشة، وأخبرتها لتسرها بالأمر، ولم ترض إفشاءه إليها حرجا واستكتمتها، فأوحى الله بذلك إلى نبيه، ونزلت الآية. وروي عن عكرمة أن هذا نزل بسبب شريك التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وذكر النقاش نحوه عن ابن عباس، وروى عبد بن عمير عن عائشة أن هذا التحريم المذكور في الآية، إنما هو بسبب شراب العسل الذي شربه ﷺ عند زينب بنت جحش، فتمالأت عائشة وحفصة وسودة على أن تقول له: من دنا منها، أكلت مغافير، والمغافير صمغ العرفط، وهو حلو ثقيل الريح، ففعلن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولكني شربت عسلا»، فقلن: جرست نحله العرفط، فقال

صفحة رقم 329

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أشربه أبدا» وكان يكره أن توجد منه رائحة ثقيلة، فدخل بعد ذلك على زينب، فقالت: ألا نسقيك من ذلك العسل؟ قال: «لا حاجة لي به»، قالت عائشة: تقول سودة حين بلغها امتناعه والله لقد حرمتاه. قلت لها: اسكتي.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول إن الآية نزلت بسبب مارية أصح وأوضح، وعليه تفقه الناس في الآية، ومتى حرم رجل مالا أو جارية دون أن يعتق أو يشترط عتقا أو نحو ذلك، فليس تحريمه بشيء، واختلف العلماء إذ حرم زوجته بأن يقول لها: أنت علي حرام، والحلال علي حرام، ولا يستثني زوجته، فقال مالك رحمه الله: هي ثلاث في المدخول بها، وينوي في غير المدخول بها فهو ما أراد من الواحدة أو الاثنين أو الثلاث، وقال عبد الملك بن الماجشون: هي ثلاث في الوجهين ولا ينوي في شيء. وقال أبو المصعب وغيره.
وروى ابن خويز منداد عن مالك: أنها واحدة بائنة في المدخول بها وغير المدخول بها، وروي عن عبد العزيز بن الماجشون، أنه كان يحملها على واحدة رجعية، وقال غير واحد من أهل العلم: التحريم لا شيء، وإنما عاتب الله رسوله ﷺ فيه ودله على تحلة اليمين المبينة في المائدة لقوله:
«قد حرمتها والله لا أطؤها أبدا»، وقال مسروق: ما أبالي أحرمتها أو قصعة من ثريد. وكذلك قال الشعبي ليس التحريم بشيء، قال تعالى: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ [النحل: ١١٦] وقال: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة: ٨٧]، ومحرم زوجته مسم حراما ما جعله حلالا، ومحرم ما أحل الله له، وقال أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وابن مسعود وابن عباس وعائشة وابن المسيب وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وابن جبير وقتادة وأبو ثور والأوزاعي والحسن وجماعة:
«التحريم» يلزم فيه تكفير يمين بالله، والتحلة إنما هي من جهة التحريم ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لا أطؤها»، وقال أبو قلابة: التحريم ظهار، وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون: هو ما أراد من الطلاق، فإن لم يرد بذلك طلاقا فهو لا شيء. وقال: هو ما أراد من الطلاق، فإن لم يرد طلاقا فهو يمين، فدعا الله تعالى نبيه باسم النبوة الذي هو دال على شرف منزلته وعلى فضيلته التي خصه بها دون البشر، وقرره كالمعاتب على سبب تحريمه على نفسه ما أحل الله له، وقوله: تَبْتَغِي جملة في موضع الحال من الضمير الذي في تُحَرِّمُ، و «المرضاة» مصدر كالرضى، ثم غفر له تعالى ما عاتبه فيه ورحمه، وقوله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ أي بين وأثبت، وقال قوم من أهل العلم: هذه إشارة إلى تكفير التحريم، وقال آخرون: هي إشارة إلى تكفير اليمين المقترنة بالتحريم. والتحلة: مصدر ووزنها تفعلة وأدغم لاجتماع المثلين، وأحال في هذه الآية على الآية التي فسر فيها الإطعام في كفارة اليمين بالله والمولى الموالي الناصر العاضد، وقوله تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ الآية معناه اذكر يا محمد ذلك، على وجه التأنيب والعتب لهن، وقال الجمهور الحديث هو قوله في أمر مارية، وقال آخرون: بل هو قوله: «إنما شربت عسلا»، وبعض أزواجه هي حفصة، ونَبَّأَتْ معناه: أخبرت، وهذه قراءة الجمهور، وقرأ طلحة: «أنبأت» وكان إخبارها لعائشة، وهذا ونحوه هو التظاهر الذي عوتبتا فيه، وقال ميمون بن مهران: الحديث الذي أسر إلى حفصة، أنه قال لها: «وأبشري بأن أبا بكر وعمر يملكان أمر أمتي بعدي خلافة»، وتعدت «نبأ» في هذه

صفحة رقم 330
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية