آيات من القرآن الكريم

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التحريم
مدنية
- قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ {مَآ أَحَلَّ الله لَكَ)...﴾، إلى قوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾.
نزلت هذه الآية في سبب مارية القبطية أم ولده إبراهيم، سَرِيَّةِ النبي ﷺ، كان النبي قد أصابها في بيت حفصة في يومها، فغارت لذلك حفصة فحرمها النبي

صفحة رقم 7561

على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلباً لرضاء حفصة، فعوتب النبي ﷺ ونُبه على أن ليمينه مخرجاً.
قال زيد بن أسلم: " أَصَابَ النَّبِيُّ ﷺ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِي بَيْتِي وَعَلَى فِرَاشِي! فَجَعَلَهَا عَلَيْهِ حَرَاماً. فقالت: يا رسول الله، كَيْفَ تُحَرِّمُ عليك الحلالَ؟! فَحَلَفَ لها بالله لاَ يُصِيبُهَا، فأنزلَ الله: ﴿يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله...﴾ الآية ".
قال زيد بن أسلم: " قال لها: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَمٌ، وَاللهِ لاَ أَطُؤُكِ ". قال الشعبي: حرمها وحلف ألا يقربها فعوتب [في] التحريم، وجاءت الكفارة في اليمين.

صفحة رقم 7562

قال الضحاك: كانت لرسول الله ﷺ فتاة فغشيها، فبصرت [به] حفصة، وكان اليوم يوم عائشة [وكانتا] مُتَعَاوِنَتَيْنِ، فقال رسول الله ﷺ لحفصة: اكْتُمِي عَلَيَّ وَلاَ تَذْكُرِي لعائشة ما رأيتِ، فَذَكَرَتْ حفصةُ لِعائشةَ الخَبَرَ، فغضبت عائشة، فلم يَزَلْ نَبِيُّ اللهِ حتى حلف لاَ يَقْرَبُها، فأنزل الله الآية، وأمره بكفارة يمينه.
قال ابن عباس: " أمر الله النبي والمؤمنين إذا حرما شيئاً على أنفسهم مما أحل الله لهم أن يكفروا بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ولا يدخل في ذلك طلاق "، فإنما حرم النبي ﷺ على نفسه جاريته ولم يحلف. وروى عبيد بن عمير عن عائشة أنها قالت: " كان النبي ﷺ يمكث عند زينب بنت

صفحة رقم 7563

جحش [يشرب] عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أينا جاءها النبي [فلتقل] له إن أجد منك ريح مغافير، فجاء إلى إحداهما فقالت له ذلك، فقال: بل شربت عسلا، ولن [أعود]، فأنزل الله: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله﴾ وأنزل ﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى الله﴾ يعني عائشة وحفصة ".
ويروى أن النبي - ﷺ - أصاب جاريته مارية في بيت عائشة وهي غائبة وفي يومها، فاطلعت على ذلك حفصة، فقال لها النبي: لا تخبري عائشة بذلك، فأخبرتها، فغضبت عائشة وقالت: في بيتي وفي يومي! فأرضاها النبي ﷺ بأن حلف لها ألا

صفحة رقم 7564

يطأها بعد ذلك وحرمها على نفسه، فأنزل الله السورة في ذلك.
- ثم قال تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ والله مَوْلاَكُمْ.
..﴾
.
أي: قد بين الله لكم تَحِلَّةَ أَيْمَانكم وَحَدَّهَا (لكم)، ﴿والله مَوْلاَكُمْ﴾ أي: يتولاكم بنصره وهدايته - أيها المؤمنون - وهو العليم بمصالحكم، الحكيم في تدبيره خلقه.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ...﴾.
أي: واذكروا أيها المؤمنون (إذا أ) سر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً، وهو (على) قول ابن عباس وزيد بن أسلم ما أسر لحفصة من تحريمه لمارية وقوله لها: لا تذكري ما رأيت لعائشة. وقال منصور بن مهران: أَسَرَّ إلى حفصة أن أبا بكر خليفتي بعدي.

صفحة رقم 7565

وقيل: هو قوله: بل شربت عسلاً، على ما مضى من الخبر.
وقيل: هو ما كان من خلوته بمارية في بيت عائشة.
- ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ...﴾.
أي: أخبرت حفصةُ بذلك عائشة.
- ﴿وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ...﴾.
أي: وأطلع الله نبيه على إعلام حفصةَ لعائشةَ بِسِرِّ النبي.
- ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ...﴾.
(أي: عرف النبي حفصةَ بعض ما أخبرت به عائشة ووبخها عليه وأعرض عن بعض) فلم يوبخها عليه.
قال المفسرون: أخبر النبي عليه السلام حفصة ببعض ما أخبره الله عنها أنها قالته لعائشة.
ومن قرأ بالتخفيف في ﴿عَرَّفَ﴾، فمعناه أن النبي عَرَفَ لحفصةَ ما فعلته،

صفحة رقم 7566

[يعني] غضب على ذلك وجازاها عليه بالطلاق.
وقيل: معنى التشديد أنه مأخوذ من قولك للرجل يَجْنِي عليك: لأُعَرِّفَنَّكَ فِعْلَكَ، على طريق التوعد والتهديد.
ثم قال: ﴿فَلَمَّا [نَبَّأَهَا] بِهِ...﴾.
أي: أخبر حفصة/ بأن الله أَطْلَعَهُ على [إفشائها سِرَّهُ] إلى عائشة.
- ﴿قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا...﴾.
أي: من أخبرك هذا؟! (قال): خَبَّرَنِي به العليم بكل شيء، الخبير بالسرائر والعلانية.

صفحة رقم 7567

ويُروى أن [السِّرَّ] الذي أَسَرَّهُ النبي عليه السلام هو أنه أسرَّ إلى حفصة (أن الخليفة) بعده أبو بكر، وبعده عمر، وأمرها أن تكتم ذلك، فأفشته إلى عائشة، فَأَعَلَمَ اللهُ نبيه ذلك.
و ﴿نَبَّأَنِيَ﴾ تُعَدَّى إلى مفعول واحد، و ﴿مَنْ أَنبَأَكَ هذا﴾ تُعدى إلى مفعولين. [وقد أصل] النحويون أنه يتعدى إلى ثلاثة، لا يقتصر على اثنين دون الثالث.
(وتفسير ذلك أن " نَبَّأَ " و " أَنْبَأَ " بمعنىً في التَّعدِي، وهما يجريان في الكلام على ضربين:
أحدهما: أن [يدخلا] على الابتداء والخبر، فهناك لا يقتصر على (اثنين) دون الثالث)، كما لا يقتصر على الابتداء دون الخبر، لأن الثالث هو خبر الابتداء في الأصل.
والموضع الثاني: [ألا] يدخلا على الابتداء والخبر نحو الآية، فهناك يكفتى باثنين وبواحد.

صفحة رقم 7568

- ثم قال تعالى: -ayah text-primary">﴿إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا...﴾.
[أي: إن تتوبا إلى الله مما فعلتما فقد مالت قلوبكما إلى ما كرهه رسول الله ﷺ] من تحريمه جاريته على نفسه.
قال ابن عباس ﴿صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾: زاغت، أي: أثمت.
قال مجاهد: " كنا نرى أن قوله: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ شيء (هين) حتى سمعت قراءة ابن مسعود " فَقَدْ زَاغَتْ قُلُوبُكُمَا ".
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ...﴾.
يعني حفصة وعائشة، أي: وإن تتعاونا على النبي.
- ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ...﴾.

صفحة رقم 7569

أي: وليه وناصره عليكما وعلى كل (من) بغاه بسوء، وجبريلُ أيضاً وَليُّهُ، وصالحُ المؤمنين أيضاً أولياؤه، يعني خيارهم.
وقال الضحاك وغيره: " هم أبو بكر وعمر رضي الله عنهـ ".
فيجب أن يكون أصلُ ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ على هذين القولين بالواو، وحذفت من الخط على اللفظ.
وقال مجاهد: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عمر، وعنه: هو علي، فيكون لا أصل للواو فيه.
وقال قتادة: ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾: الأنبياء. فيكون أيضاً أصله الواو. وهو

صفحة رقم 7570

قول سفيان.
وقد ذهب أبو حاتم إلى [أن] الوقف (وصالحو) بالواو مثل ﴿سَنَدْعُ﴾ [العلق: ١٨] ﴿وَيَدْعُ الإنسان﴾ [الإسراء: ١١]. وفي هذا مخالفة للسواد.
والأحسن ألا يوقف عليه، فإن وقف عليه [واقف] (وقف) بغير واو، على قول مجاهد أنه عمر أو علي رضي الله عنهـ فَيَتِمُّ له موافقةُ المعنى وموافقة الخط.
وكان الطبري يقول إن ﴿وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ اسم " للجنس: كقوله: ﴿إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢] ونظير ذلك قول الرجل: لا يقربني إلا قارئ القرآن.

صفحة رقم 7571

فهو بلفظ الواحد ومعناه الجنس، فكذلك هذا، فيكون الوقف أيضاً بغير واو اتباعاً للخط والمعنى.
- ثم قال: ﴿وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾.
أي: والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين عوين على نصرة محمد. " وظهير " لفظ واحد، ومعناه جمع. ولو أتى على اللفظ لقال: " ظُهَرَاً ".
- ثم قال تعالى: ﴿عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ...﴾.
أي: عسى رب محمد إن طلقكن يا أزواج محمد أن يبدله منكن أزواجاً خيراً منكن. وهذا تحذير من الله لنساء نبيه لما أجتمعن عليه في الغيرة.
روى أنس بن أنس أن عمر - رضي لله عنه - قال: " اجْتَمَع عَلَى رَسولِ الله ﷺ نِسَاؤُهُ فِي الغِيرَةِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزوجاً خيراً منكن، فنزلت

صفحة رقم 7572

كذلك ". قال عمر: " فَاسْتَقْرَيْتُهُنَّ امرأةً (امرأةً) أعظها وأَنْهَاهاَ عن أَذَى رَسولِ اللهِ وأقول: إِنْ أَبَيْتُنَّ أَبْدَلَهُ (اللهُ خيراً منكن، حتى أَتَيْتُ على زَينبَ فقالت: يا ابن الخطاب، أما في رسول الله ما يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ؟! فَأَمْسَكْتُ. فأنزل الله تعالى ﴿ عسى رَبُّهُ﴾ الآية ".
- وقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾، أي: خاضعات لله بالطاعة ﴿مُّؤْمِنَاتٍ﴾ أي: مصدقات بالله ورسوله ﴿قَانِتَاتٍ﴾ أي: مطيعات لله، ﴿تَائِبَاتٍ﴾ [أي]: راجعات إلى ما

صفحة رقم 7573

يحبه الله ورسوله. ﴿عَابِدَاتٍ﴾ أي: [متذللات] لله بالطاعة. ﴿سَائِحَاتٍ﴾ (أي): صائمات. قاله ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والضحاك، وقال زيد بن أسلم: ﴿سَائِحَاتٍ﴾: مهاجرات، وهو قول ابن زيد.
((وقال) ابن زيد): " ليس في (القرآن) ولا في أمه محمد سياحة إلا الهجرة ".
وقيل للصائم سائح لأنه لا ينال شيئاً بمنزلة السائح في [القفر] لا زاد

صفحة رقم 7574
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية