آيات من القرآن الكريم

قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

سورة التحريم
هى مدنية، وآيها ثنتا عشرة، نزلت بعد الحجرات.
ومناسبتها لما قبلها:
(١) أن سورة الطلاق فى حسن معاشرة النساء والقيام بحقوقهن، وهذه السورة فيما حصل منهن مع النبي ﷺ تعليما لأمته أن يحذروا أمر النساء، وأن يعاملوهن بسياسة اللين كما عاملهن النبي ﷺ بذلك، وأن ينصحوهن نصححا مؤثّرا.
(٢) أن كلتيهما افتتحا بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم.
(٣) أن تلك فى خصام نساء الأمة، وهذه فى خصومة نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أفردن بالذكر تعظيما لمكانتهن.
[سورة التحريم (٦٦) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤)
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥)

صفحة رقم 154

شرح المفردات
تحرّم: أي تمتنع، ما أحل الله لك: هو العسل، تبتغى: أي تطلب، فرض:
أي شرع وبيّن كما جاء فى قوله: «سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها»، وتحلة أيمانكم:
أي تحليلها بالكفارة، وتحليلة القسم تستعمل على وجهين:
(١) أحدهما تحليله بالكفارة كما فى الآية.
(٢) ثانيهما بمعنى الشيء القليل وهذا هو الأكثر كما جاء فى الحديث: «لن يلج النار إلا تحلة القسم» أي إلا زمنا يسيرا.
مولاكم: أي وليكم وناصركم، بعض أزواجه: هى حفصة على المشهور، نبأت به: أي أخبرت عائشة به، وأظهره: أي أطلعه وأعلمه قول حفصة لعائشة، عرّف:
أي أعلمها ببعض الحديث الذي أفشته، وأعرض عن بعض: أي لم يخبرها به، إن تتوبا: أي حفصة وعائشة، صغت قلوبكما: أي عدلت ومالت إلى ما يجب للرسول ﷺ من تعظيم وإجلال، وإن تظاهرا عليه: أي تتظاهرا وتتعاونا على إيذاء الرسول، مولاه: اى وليه وناصره، ظهير: أي ظهراء معاونون، وأنصار مساعدون، مسلمات: أي خاضعات لله بالطاعة، مؤمنات: أي مصدّقات بتوحيد الله، مخلصات، قانتات: أي مواظبات على الطاعة، تائبات: أي مقلعات عن الذنوب، عابدات: أي متعبدات متذللات لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، سائحات. أي صائمات، وسمى الصائم بذلك من حيث إن السائح لا زاد معه، ولا يزال ممسكا حتى يجد الطعام كالصائم لا يزال كدلك حتى يجىء وقت الإفطار.

صفحة رقم 155

المعنى الجملي
روى البخاري ومسلم عن عائشة أنها قالت: «كان رسول الله ﷺ يحب الحلواء والعسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، وكان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا، فتواطأت أنا وحفصة أنّ أيّتنا دخل النبي ﷺ عليها فلتقل له: إنى أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير (صمغ حلوله رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له العرفط يكون بالحجاز)، فقال لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود له وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدا.
وقد كانت عائشة وحفصة متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال إن التي دخل عليها النبي ﷺ وحرّم على نفسه العسل أمامها هى حفصة فأخبرت عائشة بذلك، مع أن النبي ﷺ استكتمها الخبر كما استكتمها ما أسرّها به من الحديث الذي يسرّها ويسر عائشة، أن أباها وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتى من بعدي، فالسر كان لها بأمرين:
(١) تحريم العسل الذي كان يبغيه عند زينب.
(٢) أمر الخلافة لأبويهما من بعده.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ؟) أي يا أيها النبي لم تمتنع عن شرب العسل الذي أحله الله لك، تلتمس بذلك رضا أزواجك؟
وهذا عتاب من الله على فعله ذلك، لأنه لم يكن عن باعث مرضى، بل كان طلبا لمرضاة الأزواج.
وفى هذا تنبيه إلى أن ما صدر منه لم يكن مما ينبغى لمقامه الشريف أن يفعله.

صفحة رقم 156

وفى ندائه ﷺ بيا أيها النبي فى مفتتح العتاب حسن تلطف، وتنويه بشأنه عليه الصلاة والسلام، على نحو ما جاء فى قوله: «عفا الله عنك لم أذنت لهم؟».
(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي والله غفور لذنوب التائبين من عباده، وقد غفر لك امتناعك عما أحله لك، رحيم بهم أن يعاقبهم على ما تابوا منه من الذنوب.
وإنما عاتبه على الامتناع عن الحلال وهو مباح سواء كان مع اليمين أو بدونه، تعظيما لقدره الشريف، وإجلالا لمنصبه أن يراعى مرضاة أزواجه بما يشق عليه جريا على ما ألف من لطف الله به، وإيماء إلى أن ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه السامي يعدّ كالذنب وإن لم يكن فى نفسه كذلك.
(قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) أي قد شرع لكم تحليل أيمانكم بالكفارة عنها، فعليك أن تكفر عن يمينك.
وقد روى «أنه عليه الصلاة والسلام كفر عن يمينه فأعتق رقبة (عبدا أو أمة) ».
(وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ) أي والله متولى أموركم بنصركم على أعدائكم، ومسهل لكم سبل الفلاح فى دنياكم وآخرتكم، ومنير لكم طريق الهداية إلى ما فيه سعادتكم فى معاشكم ومعادكم.
(وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) أي وهو العليم بما يصلحكم فيشرعه لكم، الحكيم فى تدبير أموركم، فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا وفق ما تقتضيه المصلحة.
ثم ساق ما هو كالدليل على علمه فقال:
(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً، فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) أي واذكر حين أسر النبي ﷺ إلى حفصة أنه كان يشرب عسلا عند زينب بنت جحش، وقال لن أعود له وقد حلفت، لا تخبري بذلك أحدا، فلما أخبرت عائشة بما استكتمها من السر، وأطلعه الله على ما دار بين حفصة وعائشة بما كان قد طلب من حفصة أن تكتمه- أخبر حفصة

صفحة رقم 157

ببعض الحديث الذي أفشته وهو قوله لها: كنت شربت عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود، وأعرض عن بعض الحديث وهو قوله وقد حلفت، فلم يخبرها به تكرما منه لما فيه من مزيد خجلتها، ولأنه ﷺ ما كان يود أن يشاع عنه اهتمامه بمرضاة أزواجه إلى حد امتناعه عن تناول ما أحل الله له.
(فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا؟ قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) أي فلما أخبر حفصة بما دار بينها وبين عائشة من الحديث، قالت من أنبأك بهذا؟ ظمّا منها أن عائشة قد فضحتها بإخبارها
رسول الله ﷺ قال: أخبرنى ربى العليم بالسر والنجوى الخبير بما فى الأرض والسماء لا يخفى عليه شىء فيهما.
وفى الآية إيماء إلى أمور اجتماعية هامة:
(١) أنه لا مانع من الإباحة بالأسرار إلى من تركن إليه من زوجة أو صديق.
(٢) أنه يجب على من استكتم الحديث أن يكتمه.
(٣) أنه يحسن التلطّف مع الزوجات فى العتب والإعراض عن الاستقصاء فى الذنب.
ثم وجه الخطاب لحفصة وعائشة مبالغة فى العتب فقال:
(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي إن تتوبا من ذنبكما وتقلعا عن مخالفة رسوله ﷺ فتخبّا ما أحب وتكرها ما كرهه- فقد مالت قلوبكما إلى الحق والخير، وأديتما ما يجب عليكما نحوه ﷺ من إجلال وتكريم لمنصبه الشريف.
روى عن ابن عباس أنه قال: لم أزل حريصا أن أسأل عمر رضى الله عنه عن المرأتين من أزواج النبي ﷺ اللتين قال الله لهما «إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ» الآية.
حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق نزل ليتوضأ فصببت على يديه، فقلت يا أمير المؤمنين: من المرأتان من أزواج النبي ﷺ اللتان

صفحة رقم 158

قال الله لهما «إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ» الآية؟ فقال وا عجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة ثم أخذ يسوق الحديث.
ثم ذكر سبحانه أنه حافظه وحارسه فلا يضره أذى مخلوق فقال:
(وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ، وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) أي وإن تتعاونا على العمل لما يؤذيه ويسوؤه من الإفراط فى الغيرة وإفشاء سره- فلن يضره ذلك شيئا، فإن الله ناصره فى أمر دينه وسائر شئونه على كل من يتصدى لما يكرهه، وجبريل والمؤمنون الصالحون والملائكة مظاهرون له ومعينون.
وقد أعظم سبحانه شأن النصرة لنبيه على هاتين الضعيفتين، للإشارة إلى عظم مكر النساء، وللمبالغة فى قطع أطماعهما بأنه ربما شفع لهما مكانتهما عند رسول الله ﷺ وعند المؤمنين لأمومتهما لهم، وكرامة له ﷺ ورعاية لأبويهما، ولتوهين أمر تظاهرهما، ودفع ما عسى أن يتوهمه المنافقون من ضرره فى أمر النبوة، وقهر أعداء الدين، إذ قد جرت العادة بأن الشئون المنزلية تشغل بال الرجال وتضيع زمنا من تفكيرهم فيها، وقد كانوا أحق به فى التفكير فيما هو أجدى نفعا، وأجلّ فائدة.
ثم حذرهما بما يلين من قناتهما، ويخفض من غلوائهما، ويطمئن من كبريائهما فقال:
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) أي عسى الله أن يعطيه (صلى الله عليه وسلم) بدلكن أزواجا خيرا منكنّ إسلاما وإيمانا، ومواظبة على العبادة، وإقلاعا عن الذنوب، وخضوعا لأوامر الرسول، بعضهنّ ثيبات وبعضهنّ أبكارا، إن هو قد طلقكنّ.

صفحة رقم 159
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية