
{وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى
صفحة رقم 35
النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} ﴿قد أنزلَ اللَّهُ إليكم ذِكْراً رَسولاً﴾ الذكر القرآن، وفي الرسول قولان: أحدهما: جبريل، فيكونان جميعاً، منزلين، قاله الكلبي. الثاني: أنه محمد ﷺ، فيكون تقدير الكلام: قد أنزل اللَّه إليكم ذكراً وبعث إليكم رسولاً. ﴿يتلوا عليكم آيات اللَّه﴾ يعني القرآن، قال الفراء: نزلت في مؤمني أهل الكتاب. ﴿مُبَيِّناتٍ ليُخْرِجَ الذين آمَنوا وَعمِلوا الصالِحَاتِ مِن الظُّلُماتِ إلى النُّورِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: من ظلمة الجهل إلى نور العلم. الثاني: من ظلمة المنسوخ إلى ضياء الناسخ. الثالث: من ظلمة الباطل إلى ضياء الحق. ﴿الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله أحاط بكل شيء علماً﴾ ﴿الله الذي خلق سبع سموات﴾ لا اختلاف بينهم في السموات السبع أنها سماء فوق سماء. ثم قال: ﴿ومن الأرض مثلهن﴾ يعني سبعاً، واختلف فيهن على قولين: أحدهما: وهو قول الجمهور أنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض، وجعل في كل أرض من خلقه من شاء، غير أنهم تقلّهم أرض وتظلهم أخرى، وليس تظل السماء إلا أهل الأرض العليا التي عليها عالمنا هذا، فعلى هذا تختص دعوة الإسلام
صفحة رقم 36
بأهل الأرض العليا ولا تلزم من في غيرها من الأرضين وإن كان فيها من يعقل من خلق مميز. وفي مشاهدتهم السماء واستمداد الضوء منها قولان: أحدهما: أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة. والقول الثاني: أنهم لا يشاهدون السماء وإن الله خلق لهم ضياء يستمدونه، وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة. القول الثاني: حكاه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض، تفرق بعض، تفرق بينهن البحار وتظل جميعهن السماء، فعلى هذا إن لم يكن لأحد من أهل هذه الأرض وصول للأخرى اختصت دعوة الإسلام بأهل هذه الأرض، وإن كان لقوم منهم وصول إلى أرض أخرى احتمل أن تلزمهم دعوة الإسلام عند إمكان الوصول إليهم لأن فصل البحار إذا أمكن سلوكها لا يمنع من لزوم ما عم حكمه، واحتل ألا تلزمهم دعوة الإسلام لأنها لو لزمت لكان النص بها وارداً ولكان الرسول بها مأموراً، والله أعلم بصحة ما استأثر بعلمه وصواب ما اشتبه على خلقه. ثم قال تعالى: ﴿يتنزل الأمر بينهن﴾ فيه وجهان: أحدهما: الوحي، قاله مقاتل، فعلى هذا يكون قوله ﴿بينهن﴾ إشارة إلى ما بين هذه الأرض العليا التي هي أدناها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها. الوجه الثاني: أن المراد بالأمر قضاء الله وقدره، وهو قول الأكثرين، فعلى هذا يكون المراد بقوله " بينهن " الإشارة إلى ما بين الأرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلاها. ثم قال ﴿ليعلموا أن الله على كل شيء قدير﴾ لأن من قدر على هذا الملك العظيم فهو على ما بينهما من خلقه أقدر، ومن العفو والانتقام أمكنْ، وإن استوى كل ذلك في مقدوره ومكنته. ﴿وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً﴾ أوجب التسليم بما تفرد به من العلم كما أوجب التسليم بما تفرد به من القدرة، ونحن نستغفر الله من خوض فيما اشتبه وفيما التبس وهو حسب من استعانه ولجأ إليه.
صفحة رقم 37