
ونحو الآية قوله: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها».
ثم بين أن الأرزاق تتحول من عسر إلى يسر والعكس بالعكس فقال:
(سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) أي سيجعل الله بعد شدة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى، فالدنيا لا تدوم على حال كما قال سبحانه: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».
وهذا كالبشرى للمؤمنين الذين كان يغلب عليهم الفقر والفاقة فى ذلك الحين.
[سورة الطلاق (٦٥) : الآيات ٨ الى ١١]
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (١١)
شرح المفردات
وكأين من قرية: أي كثير من أهل القرى، عتت: أي تجبرت وتكبرت، نكرا: أي منكرا عظيما، وبال أمرها: أي عاقبة عتوّها، خسرا: أي خسارة فى الآخرة، ذكرا: أي قرآنا، رسولا: أي وأرسل رسولا.

المعنى الجملي
بعد أن أمر بأن الطلاق لا يكون إلا فى أوقات خاصة، وبأنه يجب انقضاء العدة حتى تحل المرأة لزوج آخر، وذكر مدة العدة وما يجب للمعتدة من النفقة والكسوة، ونهى عن تجاوز حدود الله، وأن من يتجاوزها يكون قد ظلم نفسه توعد هنا من خالفوا أمره، وكذبوا رسله، وسلكوا غير ما شرعه، وأنذرهم بأن يحل بهم مثل ما حل بالأمم السالفة التي كذبت رسلها، فأخذها أخذ عزيز مقتدر، وأصبحت كأمس الدابر وصارت مثلا فى الآخرين.
الإيضاح
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) أي وكثير من أهل القرى خالفوا أمر ربهم، فكذبوا الرسل الذين أرسلوا إليهم ولّجوا فى طغيانهم يعمهون، فحاسبناهم حسابا عسيرا، فاستقصينا عليهم ذنوبهم، وناقشناهم على النقير والقطمير، وعذبناهم عذابا نكرا فى الآخرة، وعبر بالماضي عن المستقبل دلالة على التحقق كما فى قوله تعالى: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ».
ثم بين أن هذا جزاء ما كسبت أيديهم فقال:
(فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) أي فجنت ثمار ما غرست أيديها ولا يجنى من الشر إلا الشر كما جاء فى أمثالهم: إنك لا تجنى من الشوك العنب. فكان عاقبة أمرها الخسران والنكال الذي لا يقدر قدره.
ثم أكد هذا الوعيد بقوله:
(أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) أي هيأ الله لهم العذاب المرتقب، لتماديهم فى طغيانهم وإعراضهم عن اتباع الرسل فيما جاءوا به من عند ربهم.
ثم نبه المؤمنين إلى تقوى الله حتى لا يصيبهم مثل ما أصاب من قبلهم فقال: