آيات من القرآن الكريم

وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

قَوْله تَعَالَى: ﴿واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم﴾ الْآيَة مشكلة لقَوْله: ﴿إِن ارتبتم﴾ وَاخْتلفت الْأَقْوَال فِي قَوْله: ﴿إِن ارتبتم﴾ أظهر الْأَقَاوِيل: أَن الله تَعَالَى لما بَين عدَّة ذَوَات الْأَقْرَاء قَالَ جمَاعَة من أَصْحَاب رَسُول الله قد عرفنَا عدَّة ذَوَات

صفحة رقم 462

﴿إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر واللائي لم يحضن وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ﴾ الْأَقْرَاء، فَكيف عدَّة الآيسات والصغائر وَذَوَات الْأَحْمَال؟ فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة.
وَقَوله: ﴿إِن ارتبتم﴾ خطاب لأولئك الْجَمَاعَة أَي: شَكَكْتُمْ فِي عدتهن فَلم تعرفوها. وَفِي بعض التفاسير: أم معَاذ بن جبل سَأَلَ رَسُول الله عَن ذَلِك. وَعَن بَعضهم: أَن أبي بن كَعْب سَأَلَ رَسُول الله عَن ذَلِك.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن ارتبتم﴾ أَي: لم تعرفوا أَنَّهَا تحيض، أَو لَا تحيض وَذَلِكَ فِي الْمَرْأَة الشَّابَّة إِذا ارْتَفع حَيْضهَا لعِلَّة. قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: تنْتَظر سَبْعَة أشهر، فَإِن لم تَرَ الْحيض اعْتدت بِثَلَاثَة أشهر، وَهَذَا قَول مَالك، وَحكي عَن مُجَاهِد نَحْو مَا ذكرنَا.
وَالْقَوْل الثَّالِث أَن قَوْله: ﴿إِن ارتبتم﴾ رَاجع إِلَى قَوْله تَعَالَى: ﴿لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن﴾ وَالْمعْنَى إِن ارتبتم فِي انْقِضَاء عدتهَا فَلَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن، ذكره النّحاس. وَأما الآيسة فَهِيَ الَّتِي لَا ترى أَمْثَالهَا الْحيض فعدتها ثَلَاثَة أشهر. وعَلى مَذْهَب أَكثر الْعلمَاء أَن الشَّابَّة وَإِن ارْتَفع حَيْضهَا لعِلَّة لَا تَنْقَضِي عدتهَا بالشهور مَا لم تيئس، قَالُوا: وَلَو شَاءَ الله لابتلاها بِأَكْثَرَ من ذَلِك.
وَقَوله: ﴿واللائي لم يحضن﴾ هن الصَّغَائِر.
وَقَوله: ﴿وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ﴾ هَذَا الحكم مُتَّفق عَلَيْهِ فِي المطلقات الْحَوَامِل، فَأَما الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا اخْتلف الصَّحَابَة فِي ذَلِك، فَقَالَ عَليّ وَابْن عَبَّاس: إِن عدتهَا أبعد الْأَجَليْنِ. وَقَالَ عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأَبُو هُرَيْرَة: إِن عدتهَا بِوَضْع الْحمل، وَهَذَا هُوَ القَوْل الْمُخْتَار. وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: نزلت سُورَة

صفحة رقم 463

﴿وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا (٤) ذَلِك أَمر الله أنزلهُ إِلَيْكُم وَمن يتق الله يكفر عَنهُ سيئاته ويعظم لَهُ أجرا (٥) أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من﴾ النِّسَاء القصوى بعد قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا﴾ فقد نقل ابْن مَسْعُود نسخ تِلْكَ الْآيَة بِهَذِهِ الْآيَة. وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه قَالَ: هَذِه الْآيَة ناسخة لتِلْك الْآيَة. وَرُوِيَ أَن أَبَا هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس اخْتلفَا فِي هَذِه (الْمَسْأَلَة)، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: تَعْتَد بأبعد الْأَجَليْنِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: تَعْتَد بِوَضْع الْحمل؛ فَبعث ابْن عَبَّاس كريبا مَوْلَاهُ إِلَى أم سَلمَة يسْأَلهَا عَن ذَلِك، فروت أَن سبيعة الأسْلَمِيَّة توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل فَوضعت لنصف شهر؛ فَسَأَلت رَسُول الله عَن ذَلِك فَقَالَ: " حللت للأزواج ". وَهَذَا خبر صَحِيح.
وَقَوله: ﴿وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا﴾ أَي: يتق الله فِي أَمر الطَّلَاق فيطلب للسّنة.
وَقَوله: ﴿يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا﴾ أَي: الرّجْعَة (وَقَالَ بَعضهم) :" وَمن يتق الله " أَي: يحذر من الْمعاصِي وَيعْمل بالطاعات " يَجْعَل لَهُ من أمره يسرا " أَي: يوفقه ويسدده وييسر عَلَيْهِ الْأُمُور.

صفحة رقم 464
تفسير السمعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار المروزي السمعاني الشافعي
تحقيق
ياسر بن إبراهيم
الناشر
دار الوطن، الرياض - السعودية
سنة النشر
1418 - 1997
الطبعة
الأولى، 1418ه- 1997م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية