آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛ

قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ.
جَاءَ فِي بَيَانِ السَّمَاوَاتِ أَنَّهَا سَبْعٌ طِبَاقٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا [٦٧ ٣].
وَبَيَّنَ الْحَدِيثُ فِي الْإِسْرَاءِ أَنَّ مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَجَاءَ لَفْظُ السَّمَاءِ مُفْرَدًا وَجَمْعًا، فَالْمُفْرَدُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا [٩١ ٥]. وَقَوْلِهِ: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [٢ ٢٢].
أَمَّا الْأَرْضُ فَلَمْ يَأْتِ لَفْظُهَا إِلَّا مُفْرَدًا، وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلُهَا كَتَفْصِيلِ السَّمَاءِ سَبْعًا طِبَاقًا، فَاخْتُلِفَ فِي الْمِثْلِيَّةِ فَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ تَامَّةٌ عَدَدًا وَطِبَاقًا وَخَلْقًا، وَقِيلَ: عَدَدًا وَأَقَالِيمَ يَفْصِلُهَا الْبِحَارُ، وَقِيلَ: عَدَدًا طِبَاقًا مُتَرَاكِمَةً كَطَبَقَاتِ الْبَصَلَةِ مَثَلًا، وَلَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ مِنْ أَوْجُهِ الْبَيَانِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْكِتَابِ وَوُجِدَ فِي السُّنَّةِ فَإِنَّهُ يُبَيَّنُ بِهَا ; لِأَنَّهَا وَحْيٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ الْأَرْضَ سَبْعُ أَرَضِينَ كَمَا فِي حَدِيثِ: «مَنِ اغْتَصَبَ أَرْضًا أَوْ مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ مُوسَى لَمَّا قَالَ: «يَا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَدْعُوكَ بِهِ فَقَالَ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ كُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كِفَّةٍ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ لَمَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ أَثْبَتَتْ أَنَّ الْأَرَضِينَ سَبْعٌ، وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلٌ لِلْكَيْفِيَّةِ وَلَا لِلْهَيْئَةِ فَثَبَتَ عِنْدَنَا الْعَدَدُ وَلَمْ يَثْبُتْ غَيْرُهُ، فَنُثْبِتُهُ وَنَكِلُ غَيْرَهُ لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ الْعَدَدِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ أَنَّ مِثْلِيَّةَ الْأَرْضِ لِلسَّمَاءِ لَمْ تُذْكَرْ إِلَّا عِنْدَ ذِكْرِ السَّمَاءِ مُجْمَلَةً مَعَ ذِكْرِ الْعَدَدِ وَلَمْ يُذْكَرْ عِنْدَ تَفْصِيلِهَا بِطِبَاقٍ مِمَّا يُشْعِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمِثْلِيَّةِ الْعَدَدُ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا لَا يَتَنَافَى مَعَ أَفْرَادِ اللَّفْظِ ; لِأَنَّ جَمْعَهُ شَاذٌّ.
كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَأَرَضُونَ شَذَّ وَالسُّنُونَ

صفحة رقم 217

وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى أَنَّ هُنَاكَ مِنْ حَالَاتِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ الْخَلْقُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [١٨ ٥١]، وَهُمْ لَا يَزَالُونَ عَاجِزِينَ عَنْ كَيْفِيَّةِ خَلْقِ أَنْفُسِهِمْ إِلَّا تَفْصِيلَاتٍ جُزْئِيَّةً، وَالْمُهِمُّ مِنَ السِّيَاقِ وَالْغَرَضِ الْأَسَاسِيِّ، تَنْبِيهُ الْخَلْقِ عَلَى عِظَمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [٦٥ ١٢].

صفحة رقم 218
أضواء البيان
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي
سنة النشر
1415
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية