آيات من القرآن الكريم

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

كل شيء بقضاء وقدر
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١١ الى ١٣]
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)
البلاغة:
ما أَصابَ مُصِيبَةٍ بينهما جناس الاشتقاق.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ إطناب بتكرر الفعل: أَطِيعُوا زيادة في التأكيد.
المفردات اللغوية:
مُصِيبَةٍ كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر. بِإِذْنِ اللَّهِ بتقديره وإرادته ومشيئته. يَهْدِ قَلْبَهُ يشرح صدره للخير والطاعة، والثبات على الإيمان، والصبر على المصيبة والرضا بها. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ حتى بالقلوب وأحوالها.
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أعرضتم. الْبَلاغُ الْمُبِينُ التبليغ البين الواضح. فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ليفوضوا أمرهم إلى الله، لإيمانهم بأن كل شيء منه.
المناسبة:
بعد بيان كون الناس قسمين: مؤمن وكافر، ثم الأمر بالإيمان والعمل الصالح، والنهي عن الكفر والتنفير فيه، أبان الله تعالى أن كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، فهو بقضاء الله وقدره على وفق السنن الكونية المدبرة والمرتبة بإرادة الله، ثم أمر تعالى بطاعة الله تعالى وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالتوكل على الله وحده.

صفحة رقم 248

التفسير والبيان:
ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي إن كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، فهو بقضاء الله وقدره. قيل: إن سبب نزولها أن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حقا، لصانهم الله عن المصائب في الدنيا.
فما على الإنسان إلا السعي والعمل لجلب الخير ودفع الضر عن نفسه، ثم التوكل على الله بعدئذ، فإن تحقيق النتائج يكون بقضاء الله وقدره. ونظير الآية قوله تعالى: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد ٥٧/ ٢٢].
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أي ومن يصدق بالله، ويعلم أن ما أصابه من مصيبة هو بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، يهد قلبه ويشرح صدره عند المصيبة، والله واسع العلم لا تخفى عليه من ذلك خافية، فهو عليم بالقلوب وأحوالها.
قال ابن عباس: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ يعني يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وفي الحديث المتفق عليه: «عجبا للمؤمن، لا يقضي الله قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، وإن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن».
ثم أمر الله بطاعته: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي واشتغلوا بطاعة الله فيما شرع وطاعة رسوله ﷺ فيما بلّغ، وافعلوا ما به أمر، واتركوا ما عنه نهى وزجر، فإن أعرضتم عن الطاعة ونكلتم عن العمل، فإثمكم على أنفسكم، وليس على الرسول ﷺ من بأس، إذ

صفحة رقم 249

وظيفته التبليغ البيّن الواضح، وعليكم ما حمّلتم من السمع والطاعة. قال الزهري: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغة، وعلينا التسليم. ثم أمر تعالى بالتوكل عليه:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي إن الله هو الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وهو المستحق للعبودية دون غيره، فوحدوا الله وأخلصوا العمل لديه، ولا تشركوا به شيئا، وفوضوا أموركم إليه، واعتمدوا عليه، لا على غيره، كما قال تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل ٧٣/ ٩].
وهذا إرشاد للعباد في وجوب الاعتماد على الله، والتوكل عليه، وطلب العون الدائم منه.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى المبادئ التالية في العقيدة والتشريع:
١- وجوب الرضا بالقضاء والقدر، فإن كل ما يحدث في الكون، وكل ما يصيب الإنسان من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل، هو بعلم الله وقضائه.
٢- من يصدّق ويعلم أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله، يهد قلبه للصبر والرضا والثبات على الإيمان، فهو إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإذا ظلم غفر، والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلّم لأمره، ولا كراهة من كرهه.
وليست المصائب في الدنيا دليلا على عدم الرضا، وليس النجاح فيها دليلا على الرضا.

صفحة رقم 250
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية