آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ

سورة الجمعة
مدنية وعدد آيها إحدى عشرة، نزلت بعد الصف.
ومناسبتها لما قبلها من وجوه:
(١) إنه ذكر فى السورة قبلها حال موسى مع قومه وأذاه لهم، ناعيا عليهم ذلك، وذكر فى هذه حال الرسول ﷺ وفضل أمته، تشريفا لهم، ليعلم الفرق بين الاثنين.
(٢) إنه حكى فى السورة قبلها قول عيسى: «وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ» وذكر هنا: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ) إشارة إلى أنه هو الذي بشر به عيسى.
(٣) لما ختم السورة قبلها بالأمر بالجهاد وسماه تجارة، ختم هذه السورة بالأمر بالجمعة، وأخبر أن ذلك خير من التجارة الدنيوية.
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)

صفحة رقم 93

شرح المفردات
القدوس: المنزه عن النقائص المتصف بصفات الكمال، الأميين: هم العرب، واحدهم أمي نسبة إلى الأم التي ولدته، لأنه على الحال التي ولد عليها لم يتعلم الكتابة والحساب، فهو على الجبلة الأولى، يزكيهم: أي يطهرهم بتلاوة آياته، وآخرين واحدهم آخر بمعنى غير، لما يلحقوا بهم: أي لم يلحقوا بهم بعد وسيلحقون وهم من جاء بعد الصحابة إلى يوم الدين.
الإيضاح
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي كل ما فى السموات والأرض، إذا نظرت إليه دلك على وحدانية خالقه، وعظيم قدرته، كما قال سبحانه: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ».
(الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ) أي هو المالك لما فى السموات والأرض المتصرف فيهما بقدرته وحكمته، المنزه عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله.
(الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) أي هو الغالب عباده المسخّر لهم بقدرته، الحكيم فى تدبير شئونهم فيما هو أعلم به من مصالحهم، ويوصلهم إلى سعادتهم فى معاشهم ومعادهم.
ثم وصف الرسول ﷺ بصفات المدح والكمال فقال:
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي هو الذي أرسل رسوله ﷺ إلى الأمة الأمية التي لا تقرأ ولا تكتب وهم العرب.
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: «إنا أمة أميّة لا نكتب ولا نحسب».
وهذا الرسول من جملتهم أي مثلهم، ومع ذلك يتلو عليهم آيات الكتاب،

صفحة رقم 94

ليجعلهم طاهرين من خبائث العقائد والأعمال، ويعلمهم الشرائع والأمور العقلية التي تكمل النفوس وتهذبها، وإلى ذلك أشار البوصيرى بقوله:

كفاك بالعلم فى الأمىّ معجزة فى الجاهلية والتأديب فى اليتم
وتخصيص الأميين بالذكر لا يدل على أنه لم يرسل إلى غيرهم فقد جاء العموم فى آيات أخرى كقوله: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» وقوله: «قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً» وقوله: «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ».
ومن حكمته تعالى أنه أرسله عربيا مثلهم، ليفهموا ما أرسل به ويعرفوا صفاته وأخلاقه، ليسهل اقتناعهم بدعوته.
وخلاصة ما سلف: أنه ذكر الغرض من بعثة هذا الرسول، وأجملها فى أمور:
(١) أنه يتلو عليهم آيات القرآن التي فيها هدايتهم وإرشادهم لخير الدارين، مع كونه أميا لا يكتب ولا يقرأ، لئلا يكون هناك مطعن فى نبوته، بأن يقولوا إنه نقله من كتب الأولين كما أشار إلى ذلك بقوله: «وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ».
(٢) أنه يطهرهم من أدناس الشرك وأخلاق الجاهلية، ويجعلهم منيبين إلى الله مخبتين إليه فى أعمالهم وأقوالهم، لا يخضعون لسلطة مخلوق غيره، من ملك أو بشر أو حجر.
(٣) أنه يعلمهم الكتاب والحكمة: أي يعلمهم الشرائع والأحكام وحكمتها وأسرارها، فلا يتلقون عنه شيئا إلا وهم يعلمون الغاية منه، والغرض الذي يفعله لأجله، فيقبلون إليه بشوق واطمئنان، وقد تقدم مثل هذا فى سورة آل عمران.
(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ذاك أن العرب قديما كانوا على دين إبراهيم، فبدلوا وغيروا واستبدلوا بالتوحيد شركا، وباليقين شكا، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها الله، فكان من الحكمة أن يبعث سبحانه محمدا صلى الله عليه وسلم

صفحة رقم 95

بشرع عظيم فيه هداية للبشر، وبيان ما هم فى حاجة إليه من أمور معاشهم ومعادهم، ودعوتهم إلى ما فيه رضوان ربهم، والتمتع بنعيم جناته، ونهيهم عما يوجب سخطه ويقربهم إلى النار.
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) أي وبعثه فى غيرهم من المؤمنين إلى يوم القيامة وهم من جاءوا بعد الصحابة إلى يوم الدين من جميع الأمم كالفرس والروم وغيرهم،
روى البخاري عن أبى هريرة قال: «كنا جلوسا عند النّبى ﷺ فأنزلت عليه سورة الجمعة فتلاها، فلما بلغ «وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ» قال رجل يا رسول الله من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلمه حتى سأله ثلاثا، قال وسلمان الفارسي فينا، فوضع رسول الله ﷺ يده على سلمان وقال:
«والذي نفسى بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من هؤلاء».
وقد تكلم فى هذه الرواية جمع من المحدّثين.
(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي وهو ذو العزة والسلطان، القادر أن يجعل هذه الأمة المستضعفة صاحبة النفوذ والقوة التي تنشر فى غيرها من الأمم روح العدل والنظام بإرسال رسول من أبنائها ينقذ الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الظلمات إلى النور، وهو الحكيم فيما يفعل من تدبير أمور الخلق لما فيه خيرهم وفلاحهم.
ثم ذكر سبحانه أن إرسال هذا الرسول فضل منه ورحمة فقال:
(ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي إرسال هذا الرسول إلى البشر مزكيا مطهرا لهم، هاديا معلما فضل من الله وإحسان منه إلى عباده، يعطيه من يشاء ممن يصطفيه من خلقه بحسب ما يعلمه من استعداده وصفاء نفسه، وهو أعلم حيث يجعل رسالته.
وهو سبحانه ذو الفضل العظيم عليهم فى جميع أمورهم فى دنياهم وآخرتهم، فى معاشهم ومعادهم، فلا يجعلهم فى حيرة من أمرهم تنتابهم الشكوك والأوهام، ولا يجدون للخلاص منها سبيلا، ولا يجعل قويهم يبطش بضعيفهم، ويغتصب أموالهم

صفحة رقم 96
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية