آيات من القرآن الكريم

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ

كَانَ مِنْ دُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِهِ: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا الْآيَةَ، أَيْ فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا رَجَعْنَا بِالتَّوْبَةِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ إِلَيْكَ إِذِ الْمَصِيرُ لَيْسَ إِلَّا إِلَى حَضْرَتِكَ، وَفِي الْآيَةِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ مَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: وَحْدَهُ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ اللَّوَازِمِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٥] فَنَقُولُ: الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ باللَّه وَحْدَهُ، إِذِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: وَحْدَهُ هُوَ وَحْدَهُ فِي الْأُلُوهِيَّةِ، وَلَا نَشُكُّ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِأُلُوهِيَّةِ غيره، لا يكون إيمانا باللَّه، إذا هُوَ الْإِشْرَاكُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَالْمُشْرِكُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا.
الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ، هُوَ، نَقُولُ: مِنْ قَوْلِهِ: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ قَوْلَهُمُ الَّذِي حَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتَسُوا بِهِ، وَيَتَّخِذُوهُ سُنَّةً يَسْتَنُّونَ بِهَا.
الثَّالِثُ: إِنْ كَانَ قَوْلُهُ: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مُسْتَثْنًى مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي سَبَقَ وَهُوَ: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَمَا بَالُ قَوْلِهِ: وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ غَيْرُ حَقِيقٍ بِالِاسْتِثْنَاءِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [الفتح: ١١] نَقُولُ: أَرَادَ اللَّه تَعَالَى اسْتِثْنَاءَ جُمْلَةِ قَوْلِهِ لِأَبِيهِ، وَالْقَصْدُ إِلَى مَوْعِدِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَمَا بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ وَتَابِعٌ لَهُ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَسْتَغْفِرُ لَكَ، وَمَا وُسْعِي إِلَّا الِاسْتِغْفَارُ.
الرَّابِعُ: إِذَا قِيلَ: بِمَ اتَّصَلَ قَوْلُهُ: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا نَقُولُ: بِمَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى هُوَ الْأَمْرُ بِهَذَا الْقَوْلِ تَعْلِيمًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَتْمِيمًا لِمَا وَصَّاهُمْ بِهِ مِنْ قَطْعِ الْعَلَائِقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَفَرَةِ، وَالِائْتِسَاءِ بِإِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ فِي الْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ تَنْبِيهًا عَلَى الْإِنَابَةِ إِلَى حَضْرَةِ اللَّه تَعَالَى، وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ.
الْخَامِسُ: إِذَا قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ؟ فَنَقُولُ: فِيهِ من الفوائد مالا يُحِيطُ بِهِ إِلَّا هُوَ، وَالظَّاهِرُ مِنْ تِلْكَ الْجُمْلَةِ أَنْ يُقَالَ: التَّوَكُّلُ لِأَجْلِ الْإِفَادَةِ، وَإِفَادَةُ التَّوَكُّلِ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى التَّقْوَى قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطَّلَاقِ: ٢] وَالتَّقْوَى الْإِنَابَةُ، إِذِ التَّقْوَى الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي مِنَ الْأُمُورِ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْجِعَ وَالْمَصِيرَ لِلْخَلَائِقِ حَضْرَتُهُ الْمُقَدَّسَةُ لَيْسَ إِلَّا، فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّيْءَ، وَذَكَرَ عَقِيبَهُ مَا يَكُونُ مِنَ اللَّوَازِمِ للإفادة ذلك كما ينبغي، والقراءة في بُرَآؤُا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: بُرَآءُ كَشُرَكَاءَ، وَبِرَاءٌ كَظِرَافٍ، وَبُرَاءُ عَلَى إِبْدَالِ الضَّمِّ مِنَ الْكَسْرِ كَرُخَالٍ، وَبَرَاءٌ عَلَى الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ وَالْبَرَاءُ وَالْبَرَاءَةُ، مِثْلُ الطماء والطماءة. / ثم قال تعالى:
[سورة الممتحنة (٦٠) : الآيات ٥ الى ٧]
رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧)
قَوْلُهُ: رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً مِنْ دُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا أَعْدَاءَنَا فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ فَيَقُولُوا لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْحَقِّ لَمَا أَصَابَهُمْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: لَا تَبْسُطْ عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ دُونَنَا، فَإِنَّ ذَلِكَ فِتْنَةٌ لَهُمْ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً، أَيْ عَذَابًا أَيْ سَبَبًا يُعَذَّبُ بِهِ الْكَفَرَةُ، وَعَلَى هَذَا لَيْسَتِ الْآيَةُ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا الْآيَةَ، مِنْ جملة ما

صفحة رقم 519
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية