
وقرأها الباقون: بالتاء على الخطاب، ودليلهم قوله تعالى ممّا قبله من الخطاب. قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ.
وقرأ بعده وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ فإن أجابوك وقالوا: وإلّا ف قُلِ اللَّهُ فعل ذلك ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ حال وليس بجواب تقديره ذرهم في خوضهم لاعبين.
وَهذا كِتابٌ يعني القرآن أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ أي وهذا كتاب مبارك أنزلناه مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ تخبر.
وقرأ عاصم: بالياء أي ولينذر الكتاب أُمَّ الْقُرى يعني مكة سمّاها أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها وَمَنْ حَوْلَها تحمل الأرض كلها شرقا وغربا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ بالكتاب وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يعني الصلوات الخمس يُحافِظُونَ يداومون وَمَنْ أَظْلَمُ أي أخطأ قولا وأجهل فعلا مِمَّنِ افْتَرى اختلق عَلَى اللَّهِ كَذِباً فزعم إنه بعثه نبيا وقالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ
نزلت في مسيلمة الكذاب الحنفي وكان يستمع ويتكهن ويدعي النبوة ويزعم إن الله أوحى إليه وكان قد أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلين، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلّم: «أتشهدان أنّ مسيلمة نبي؟ فقالا: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «لولا أنّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» «١» [١٤٤].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «رأيت فيما يرى النائم كأنّ في يدي شوارين من ذهب فكبرا عليّ وأهماني فأوحى الله إليّ أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما كذاب اليمامة مسيلمة، وكذاب صنعاء الأسود العبسي» «٢» [١٤٥].
وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ
نزلت في عبد الله بن سعيد بن أبي سرح القرشي،
. (٢) صحيح البخاري: ٥/ ١١٩، والسنن الكبري: ٨/ ١٧٥ بتفاوت
.

وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلّم فكان إذا قال سَمِيعاً عَلِيماً كتب هو عليما حكيما، وإذا قال عَلِيماً حَكِيماً كتب غفورا رحيما، وأشباه ذلك فلما نزلت وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ «١» الآية.
أملاها رسول الله عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال تبارك اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أكتبها فهكذا نزلت» «٢» [١٤٦] فشك عبد الله وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذبا لقد قلت [كما كتب] «٣» فارتدّ عن المسلمين ولحق بالمشركين، وقال لهما: عليكم بمحمد لقد كان يملي عليّ فأغيره وأكتب كما أريد.
ووشى بعمار وجبير عبد لبني الحضرمي يأخذوهما وعذبوهما حتى أعطياهما الكفر وجذع أذن عمار يومئذ فأخبر عمار النبي صلى الله عليه وسلّم بما لقي وبما أعطاهم من الكفر فأبى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يتولّاه هؤلاء فأنزل الله عز وجل فيه
، وفي خبر: وابن أبي سرح مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إلى قوله بِالْكُفْرِ.
يعني عبد الله بن سعيد بن أبي سرح ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلّم [بمرط هران]
وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ وهم الذين ذكرهم الله ووصفهم قبل فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ سكراته وهي جمع غمرة وغمرة كل شيء كثرته ومعظمه وأضل الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ومنه غمرة الماء ثم استعملت في معنى الشدائد والمكاره وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ بالعذاب والضرب وجوههم وأدبارهم كما يقال بسط يده بالمكروه أَخْرِجُوا أي يقولون أخرجوا أَنْفُسَكُمُ أرواحكم كرها لأنّ نفس المؤمن تنشط للخروج للقاء ربه، والجواب محذوف يعني ولو تراهم في هذا الحال لرأيت عجبا.
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ تثابون عَذابَ الْهُونِ أي الهوان بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ يعني محمدا صلى الله عليه وسلّم والقرآن تَسْتَكْبِرُونَ تتعظمون.
قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «من سجد لله سجدة فقد برىء من الكبر»
«٤» [١٤٧] وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى هذا خبر من الله تعالى أنه يقول للكفار يوم القيامة: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى وحدانا لا مال معكم ولا زوج ولا ولد ولا خدم ولا حشم.
قال الحسن: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كل واحدة على حدة.
وقال ابن كيسان: مفردين من المعبودين، وفُرادى جمع فردان مثل سكران وسكارى،
. (٢) تفسير القرطبي: ٧/ ٤٠ وفيه: وهكذا أنزلت علي
. (٣) هكذا في الأصل
. (٤) كنز العمال: ٧/ ٣٠٨
.

وكسلان وكسالى. ويقال أيضا في واحد فرد بجزم الراء وفرد بكسرها وفرد بالفتح وأفرد وجمعها أفراد مثل أحاد وفريد وفردان مثل قضيب وقضبان وكثيب وكثبان.
وقرأ الأعرج: فردي بغير ألف مثل كسرى [وكسلى] كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ عراة حفاة غرلا بهم وَتَرَكْتُمْ وخلفتم ما خَوَّلْناكُمْ أعطيناكم ومكنّاكم من الأموال والأولاد والخدم وَراءَ ظُهُورِكُمْ خلف ظهوركم في الدنيا.
روى محمد بن كعب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «ينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملئت ما بين السماء والأرض فيقول الجبار جل جلاله: [وعزّتي] وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده، فتدخل الأرواح في الأجساد وإنما يدخل في الخياشم كما يدخل السم في اللديغ ثم يشق عليكم الأرض وأنا أول من يشق عنه الأرض فينسلون عنهم سراعا إلى ربكم على سن ثلاثين مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ فيوقفون في موقف منه سبعين عاما حفاة عراة غرلا بهم لا يناظر إليكم فلا يقضي بينكم فتبكي الخلائق حتى ينقطع الدمع ويجف العرق» «١» [١٤٨].
وقال القرضي: قرأت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلّم قول الله عز وجل وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فقالت: يا رسول الله واسوتاه إن الرجال والنساء يحشرون جميعا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال شغل بعضهم عن بعض» «٢» [١٤٩].
وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ وذلك إن المشركين زعموا أنهم يعبدون الأصنام لأنهم شركاء الله وشفعاؤهم عنده لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ.
قرأ أهل المدينة، والحسن، ومجاهد، وأبو رجاء، والكسائي: بَيْنَكُمْ نصبا.
وقرأ أهل المدينة، والحسن، ومجاهد: وهي قراءة أبي موسى الأشعري على معنى لقد تقطع ما بينكم وكذلك هو في قراءة عبد الله وقرأ الباقون: بالرفع على معنى لقد تقطع وصلكم فالبين من الأضداد يكفي وصلا وهجرا وأنشد:
لعمرك لولا البين لا يقطع الهوى | ولولا الهوى ما حنّ للبين آلف «٣» |
. (٢) تفسير الطبري: ٧/ ٣٦٢
. (٣) لسان العرب: ١٣/ ٦٢
.