وَقِيلَ: مَنْ سَكَّنَ الْهَاءَ جَعَلَهَا هَاءَ الضَّمِيرِ، وَأَجْرَى الْوَصْلَ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَالْهَاءُ فِي (عَلَيْهِ) ضَمِيرُ الْقُرْآنِ وَالتَّبْلِيغِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَقَّ قَدْرِهِ) : حَقَّ مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ وَصْفٌ؛ أَيْ: قَدْرِهِ الْحَقِّ، وَوَصْفُ الْمَصْدَرِ إِذَا أُضِيفَ إِلَيْهِ يَنْتَصِبُ نَصْبَ الْمَصْدَرِ.
وَيُقْرَأُ (قَدْرِهِ) : بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا. وَ (إِذْ) : ظَرْفٌ لَقَدَرُوا. وَ (مِنْ شَيْءٍ) : مَفْعُولُ أَنْزَلَ، وَمِنْ زَائِدَةٌ.
(نُورًا) : حَالٌ مِنَ الْهَاءِ فِي «بِهِ» أَوْ مِنَ الْكِتَابِ، وَبِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا. وَ (تَجْعَلُونَهُ) : مُسْتَأْنَفٌ لَا مَوْضِعَ لَهُ. وَ (قَرَاطِيسَ) : أَيْ: فِي قَرَاطِيسَ، وَقِيلَ: ذَا قَرَاطِيسَ.
وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ مَحْذُوفٌ، وَالْمَعْنَى أَنْزَلُوهُ مَنْزِلَةَ الْقَرَاطِيسِ الَّتِي لَا شَيْءَ فِيهَا فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ.
وَ (تُبْدُونَهَا) : وَصْفٌ لِلْقَرَاطِيسِ. «وَتُخْفُونَ» كَذَلِكَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَتُخْفُونَ كَثِيرًا مِنْهَا.
وَيُقْرَأُ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ حَمْلًا عَلَى مَا قَبْلَهَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ، وَبِالتَّاءِ عَلَى
الْخِطَابِ، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ: «وَعُلِّمْتُمْ» ؛ أَيْ: وَقَدْ عُلِّمْتُمْ. وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي تَجْعَلُونَهُ عَلَى قِرَاءَةِ التَّاءِ.
وَعَلَى قِرَاءَةِ الْيَاءِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَعُلِّمْتُمْ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ رَجَعَ مَعَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ. وَ (قُلِ اللَّهُ) : جَوَابُ «قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ» وَارْتِفَاعُهُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: هُوَ اللَّهُ، أَوِ الْمُنْزِلُ اللَّهُ، أَوِ اللَّهُ أَنْزَلَهُ.
(فِي خَوْضِهِمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَرْهُمْ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ؛ أَيْ: ذَرْهُمْ خَائِضِينَ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِـ «يَلْعَبُونَ».
(وَيَلْعَبُونَ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَصَاحِبُ الْحَالِ ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ فِي ذَرْهُمْ، إِذَا لَمْ يُجْعَلْ فِي خَوْضِهِمْ حَالًا مِنْهُ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ حَالًا مِنْهُ كَانَ الْحَالُ الثَّانِيَةُ مِنْ ضَمِيرِ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْحَالِ الْأُولَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي خَوْضِهِمْ، وَيَكُونُ الْعَامِلُ الْمَصْدَرَ، وَالْمَجْرُورُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (٩٢).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْزَلْنَاهُ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ لِكِتَابٍ. وَ (مُبَارَكٌ) : صِفَةٌ أُخْرَى، وَقَدْ قُدِّمَ الْوَصْفُ بِالْجُمْلَةِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْمُفْرَدِ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ مِنَ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ. وَ (مُصَدِّقُ الَّذِي) : التَّنْوِينُ فِي تَقْدِيرِ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ غَيْرُ مَحْضَةٍ.
(وَلِتُنْذِرَ) : بِالتَّاءِ عَلَى خِطَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْيَاءِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ